جدد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، خلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى الجزائر، التأكيد على موقف واشنطن الثابت والداعم لسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية.
وفي حوار مع صحيفة “الوطن” الجزائرية شدد بولس على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تظل الإطار الوحيد الجاد والواقعي لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية، داعيا الأطراف المعنية إلى الانخراط في مفاوضات فورية على هذا الأساس.
وبلهجة حاسمة أكد المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي أن واشنطن تعتبر خطة الحكم الذاتي المغربية قاعدة واقعية ومنصفة تضمن حلا سياسيا قابلا للتطبيق ويحظى بقبول واسع، موضحا أن “وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أعاد التأكيد على دعوة الرئيس ترامب إلى انخراط جميع الأطراف في مفاوضات تستند حصريا إلى هذا المقترح، مع استعداد الولايات المتحدة لتيسير هذا المسار”، قبل أن يضيف أن لقاءه بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف “كان مناسبة للتشديد على التزام الولايات المتحدة بإيجاد تسوية سلمية دائمة لهذا النزاع الذي طال أمده”.
وفي مشهد بدا محمّلا برسائل سياسية مباشرة أثارت السفيرة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، جدلا واسعا بنشرها صورة في حسابها الرسمي على منصة “إكس”، ظهرت فيها وهي تتصفح عدد صحيفة “الوطن” الذي تضمّن الحوار مع بولس.
وتزامن هذا الفعل الدبلوماسي الرمزي مع نشر تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على صدر الصفحة الأولى للجريدة المحسوبة على دوائر القرار في الجزائر، ما فُسّر على نطاق واسع باعتباره إشارة أمريكية “مقصودة” إلى صلابة موقف واشنطن في دعم مغربية الصحراء.
ويرى مراقبون أن هذه الرسائل الدبلوماسية تكتسب طابعا استثنائيا، بالنظر إلى السياق الجغرافي والسياسي الذي وردت فيه؛ إذ لم تأتِ التصريحات من واشنطن أو الرباط، بل من قلب الجزائر ذاتها، وفي وسيلة إعلامية مقربة من دوائر الحكم بالجارة الشرقية، كما اعتبروا ظهور السفيرة وهي تبتسم أثناء تصفحها الجريدة دليلا إضافيا على تبني الإدارة الأمريكية، بمختلف مستوياتها، مقاربة تقوم على واقعية المقترح المغربي، مع تأييد واضح لمقاربة تستبعد خيار الانفصال عن طاولة الحلول المطروحة لنزاع طال أزيد من خمسة عقود.
وتأتي هذه المستجدات في وقت تشهد العلاقات المغربية الأمريكية دينامية متقدمة، في مقابل تصاعد الإحراج الدبلوماسي الذي تواجهه الجزائر نتيجة المواقف الدولية المتنامية المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي.
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، قال إن الساسة الجزائريين لا ينفكون عن استغلال المنتديات الدولية والمبادرات الرامية إلى إحلال السلام، وكذا الفعاليات ذات الطابع الأممي أو تلك المنظمة من قبل القوى الكبرى، لمحاولة صرف الأنظار عن القضايا الضاغطة المطروحة أمام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مقدمتها النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، لافتا إلى أن “زيارة كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مسعد بولس، إلى الجزائر، ولقاءه بالرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية أحمد عطاف، جاءت في سياق محاولة تمرير رسائل ضمنية تعبّر عن امتعاض السلطات الجزائرية من الموقف الأمريكي الصارم والواضح بخصوص مغربية الصحراء، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي السبيل الوحيد لتسوية هذا النزاع”.
وأكد الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السياسة الخارجية الأمريكية أظهرت، من جديد، التزاما غير قابل للتأويل بدعم الموقف المغربي، من خلال خطاب يتسم بالوضوح والصرامة، يكرّس سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، في امتداد تاريخي وشرعي يعود لما قبل الاستعمار الإسباني، وهو ما تؤكده الاتفاقيات الدولية والشراكات الدبلوماسية والتجارية والقنصلية التي تربط المملكة بعدد من الدول، منذ أكثر من اثني عشر قرنا”، مشيرا إلى أن “موقف واشنطن بهذا الخصوص ليس ظرفيا أو عابرا، بل نابع من قراءة عميقة لتاريخ المغرب وشرعية مطالبه”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الولايات المتحدة الأمريكية لطالما استشهدت بمتانة علاقاتها التاريخية مع المملكة المغربية، باعتبارها أول دولة تعترف باستقلالها، واستحضرت ذلك مرارا كعنصر مركزي في تفسير موقفها الداعم لمغربية الصحراء”، مبرزا أن “هذا الدعم لا يعكس فقط اعترافا تاريخيا، بل أيضا فهما أمريكيا لمكانة المغرب كفاعل إقليمي ذي ثقل إستراتيجي، استطاع الحفاظ على استقراره ومراكمة مكتسباته في سياقات دولية متقلبة، وهو ما جعل من مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط نموذجا مبتكرا لتسوية النزاعات، يتماشى مع مقتضيات الشرعية الدولية وأسس الحلول السلمية”.
وشدد رئيس منظمة “أفريكا ووتش” على أن التصريحات المتواترة للمسؤولين الأمريكيين، بما فيها الموقف الذي عبّر عنه مسعد بولس، تنسجم مع الإعلان الرئاسي الأمريكي الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه، رغم محاولات الجزائر التشكيك في قانونيته، مستحضرا أن “هذا التماسك في الخطاب الأمريكي الرسمي يكشف عن سياسة دولة تُبنى على الرؤية المؤسسية لا على المزاج السياسي الظرفي، وتتبنى موقفا واضحا من رفض مشاريع الانفصال والتقسيم التي تسعى بعض الأطراف الإقليمية إلى فرضها على حساب الاستقرار ووحدة الشعوب”.
وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “زيارة بولس كانت بمثابة انتكاسة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، التي راهنت على هذه المناسبة لتليين الموقف الأمريكي، لكنها اصطدمت بموقف حاسم عزز موقع المغرب في المعادلة الإقليمية، وأسقط أوهام خصوم وحدته الترابية”، معتبرا أن “خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يدعو إلى بناء مغرب عربي متكامل قائم على الحوار والتنمية، يتفوق أخلاقيا وإستراتيجيا على خطاب التأزيم والمناورة الذي تتبناه الجزائر، ما يجعل الرباط فاعلا محوريا في صياغة مستقبل المنطقة واستقطاب الاستثمارات وتكريس الاستقرار”.
من جانبه سجل دداي بيبوط، الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر، أن زيارة المستشار الرئاسي الأمريكي مسعد بولس إلى الجزائر، يوم 27 يوليوز الماضي، في إطار جولة مغاربية، “لقيت اهتماما واسعا لدى الفاعلين السياسيين في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وذلك في سياق سعي الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى تعزيز أجندة السلام والاستقرار والازدهار في القارة الإفريقية، وتنمية العلاقات التجارية، وفتح آفاق جديدة أمام رجال الأعمال الأفارقة للاستثمار في السوق الأمريكية”.
وأضاف بيبوط، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “توقيت هذه الزيارة كان لافتا، بالنظر إلى تزايد الدعوات الدولية الموجهة للجزائر لتعديل مواقفها الجامدة إزاء نزاع الصحراء المفتعل، والدفع في اتجاه حوار مباشر وصريح مع المغرب، الذي لطالما أبدى حسن نيته واستعداده لمد اليد للجارة الشرقية، بغية تجاوز الخلافات القديمة، وفتح صفحة جديدة من التعاون الثنائي، تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتطمح إلى إحياء مشروع اتحاد مغاربي طالما عرقلته سياسة الجزائر الخارجية، التي مازالت أسيرة سرديات عقائدية تجاوزها الزمن، كــ ‘مكة الثوار’ و’المليون شهيد’، وغيرها من الشعارات التي لم تعد تقنع الداخل ولا الخارج”.
وأورد المحلل السياسي ذاته أن تصريحات مسعد بولس لصحيفة “الوطن” الجزائرية، التي تناولت أهداف زيارته إلى البلاد، وتقييمه مستوى العلاقات الثنائية بين واشنطن والجزائر، وكذا موقف الولايات المتحدة من نزاع الصحراء، “جاءت لتؤكد بوضوح دعم الإدارة الأمريكية لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ سنة 2007؛ وهو ما أعاد تأكيده أيضا وزير الخارجية الأمريكي، في رسالة سياسية واضحة أثارت ردّ فعل سلبي من الجانب الجزائري، الذي عبّر عن أسفه لما وصفه بالموقف الجديد”.
“إصرار الجزائر على جعل قضية الصحراء أولوية قصوى في سياستها الخارجية، وتحويلها إلى منطلق لبناء سردية دبلوماسية ترتكز على تقويض نجاحات المغرب الإقليمية والدولية، يدفعها إلى احتضان تنظيم مسلح يستخدم العنف ضد المدنيين ويستهدف الأمن والاستقرار في الأقاليم الجنوبية”، يسجل المتحدث، قبل أن يضيف أن “هذا النهج العدائي سيظل عقيما أمام صرامة المغرب في الدفاع عن قضاياه العادلة، ونجاعة دبلوماسيته متعددة الاتجاهات، التي تعتمد على مبدأ الربح المتبادل، ما عزز موقع المملكة وجعل الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء يتسع ويتعمق يومًا بعد يوم”.
وشدد دداي بيبوط، في ختام تصريحه، على أن “الموقف الأمريكي الصريح والثابت بشأن مغربية الصحراء، واعتبار مقترح الحكم الذاتي حلا عادلا وواقعيا وقابلا للتطبيق، يشكل رصيدا إضافيا للدبلوماسية المغربية، ونقطة ارتكاز حاسمة في سياق الصراع الإقليمي، وفي المقابل يمثل ضربة موجعة لقصر المرادية، الذي بات يضيق هامش تحركه على الساحة الدولية، في ظل تفكك روايته وافتقاده الشرعية أمام صلابة الموقف المغربي واستباقيته”.