آخر الأخبار

الغموض يلف خط أكادير– دكار البحري.. كواليس تعثر مشروع استراتيجي قبل الإبحار - العمق المغربي

شارك

بعد ثمانية أشهر من توقيع بروتوكول إطلاق خط بحري يربط أكادير بالعاصمة السنغالية دكار، يواجه المشروع تعثرا واضحا حال دون دخوله حيز الوجود، رغم الوعود التي رافقت الإعلان عنه. فالمبادرة، التي قُدمت كخطوة استراتيجية لتعزيز الربط مع غرب إفريقيا وتيسير حركة البضائع، ما تزال عالقة وسط غموض يحيط بظروف تنزيلها وجاهزيتها التقنية والإدارية، ما أثار تساؤلات حول أسباب التأخر ومستقبلها الفعلي.

في الحادي عشر من دجنبر 2024، جرى التوقيع على بروتوكول اتفاق لإطلاق ما وصف حينها بأنه خط بحري استراتيجي سيربط أكادير بالعاصمة السنغالية دكار، ثم تلا ذلك حفل رسمي بحضور وازن، ووعود براقة عن الربط الإفريقي، والانفتاح جنوب-جنوب، وبديل لمعاناة معبر الكركرات، لكن كل ذلك لم يكن سوى واجهة دعائية لخط لم يبحر، ومشروع لم يولد حتى الآن إلا في مخيلة من روجوا له، إذ سرعان ما ارتطم الحلم بواقع تغلفه الضبابية والارتجال وغياب الحد الأدنى من شروط التنزيل الفعلي، حسب مراقبين.

وسبق لكريم أشنكلي، رئيس مجلس جهة سوس ماسة، وإدريس بوتي، رئيس فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن تحدثوا عن مشروع استراتيجي سيعزز التعاون الإفريقي ويخلق فرصا تجارية واعدة، لكن، وإلى حدود اليوم، لم يتحقق أي شيء مما وعدا به.

وبحسب معلومات دقيقة حصلت عليها جريدة “العمق المغربي”، فإن الجهة المروجة للمشروع في ذاك التوقيت تحديدا، حاولت استغلال عاملين رئيسيين لخلق “وهج إعلامي وسياسي” حول الخط البحري، أولهما هو تزامن الإعلان مع المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز التعاون مع دول غرب إفريقيا، وثانيهما القرار المفاجئ الذي اتخذته موريتانيا، في وقت سابق، برفع الرسوم الجمركية، وهو ما وظف لتبرير الحاجة إلى خط بحري بديل، رغم أن تلك الظروف كانت ظرفية وسرعان ما تغيرت.

وبحسب مصادر الجريدة، فإن المشروع ولد في سياق انتخابي جهوي يطبخ على نار هادئة منذ بداية الولاية الحالية لمجلس الجهة، حيث ظل حلم الربط البحري مع غرب إفريقيا يتردد كفكرة واعدة في الكواليس، وبرز اسم إدريس بوتي، المقرب من رئيس الجهة، باعتباره صاحب المبادرة، إلا أن الواقع كشف أن التسويق سبق التخطيط، وأن البلاغات سبقت التصورات.

وجرى الإعلان عن اتفاق مع شركة بحرية كبرى تدعى “أطلس مارينز”، مع طمأنة الفاعلين الاقتصاديين، خصوصا مصدري المنتجات الفلاحية، بأن الانطلاقة ستكون مطلع 2025، إلا أن الوثائق التي اطلعت عليها “العمق المغربي”، كشفت أن الاتفاق لم يبرم مع الشركة المذكورة، بل مع “كيان” حديث التأسيس يدعى “خط أكادير دكار”، لا تاريخ له في الملاحة، ولا يمتلك أسطولا بحريا، ومقره بأحد شوارع مدينة أكادير.

الأخطر من ذلك، أن الاتفاق لم يُعرض قط على مجلس الجهة الذي يرأسه كريم اشنكلي، ولم يناقش في أي من دوراته، قبل التوقيع عليه، في مخالفة صريحة للقانون الذي يجعل من رئيس الجهة منفذا لقرارات المجلس، وليس صانعا لها بمعزل عنه، ورغم توصيف الاتفاق بـ”مذكرة نوايا”، إلا أن تضمنه بندا ماليا يُلزم الجهة بدعم الخط في حالة ضعف الملء، يحوله إلى التزام مالي فعلي يستوجب مصادقة المجلس ومراقبته.

وبافتراض أنه تم عرض الاتفاق لاحقا على المجلس للمصادقة عليه، فإن أول دورة ممكنة لذلك ستكون في أكتوبر 2025، تليها برمجة الميزانية في مارس، ثم تنفيذ الصرف في ماي 2026، أي بعد نحو عام ونصف من التوقيع، ما يطرح تساؤلات جادة حول توقيت الإعلان عن إطلاق الخط وصدقية نواياه.

على الصعيد التقني، تفيد مصادر مطلعة أن ميناء أكادير لا يتوفر حاليا على بنية تحتية قادرة على استقبال بواخر ضخمة لنقل الشاحنات والسائقين، كما أن الشركة المتعاقدة لا تملك أي سفينة، وكان يرجح أنها تنوي كراء سفن أو التعاقد مع طرف ثالث في سيناريو يعيد إلى الأذهان فضيحة الشركة البريطانية التي تبين خلال أزمة بريكست، أنها لا تمتلك أي باخرة رغم توقيع عقد للنقل البحري.

مصدر من داخل فرع “CGEM” بسوس ماسة الذي يرأسه بوتي، أكد لـ”العمق” أن إعلان المشروع لم يكن سوى محاولة لإعادة بوتي إلى الواجهة، سواء عبر الانتخابات الداخلية للاتحاد أو من خلال تقريبه من والي الجهة الجديد آنذاك، وهو ما لمح إليه أشنكلي مرارا وتكرارا باعتباره “مهندس المبادرة”، غير أن تغييب باقي أعضاء المجلس عن حفل التوقيع أثار استياء واسعا، في صفوفهم واعتبروا الحدث استعراضا فرديا أكثر منه مبادرة مؤسساتية.

المصدر ذاته، أكد أن إدريس بوتي أعطى تعليمات صريحة لفريقه خلال مشاركته في منتدى الصناعات الذي نظمته إحدى المجلات مؤخرا بأكادير، وحتهم على عدم الترويج للمشروع داخل رواق الفرع الجهوي للاتحاد العام لمقاولات المغرب، تفاديا للإحراج.

وفي رده، قدم إدريس بوتي، رئيس فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة سوس ماسة، توضيحات حول سياق المشروع وأسباب تأخيره، وشدد على أن فكرة الخط البحري ليست مبادرته الشخصية، بل هي “فكرة منبعثة من السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس”، والتي تهدف إلى تعزيز العمق الإفريقي للمغرب والواجهة الأطلسية.

وأكد بوتي في تصريح لجريدة العمق المغربي، أن المشروع جاء كاستجابة مباشرة للدعوة الملكية لربط المغرب بدول غرب إفريقيا عبر خطوط بحرية، نافيا بشكل قاطع أن يكون الهدف هو “إعادته إلى الواجهة” أو تحقيق مكاسب شخصية أو انتخابية، مشيرا إلى أن دوره في الاتحاد تطوعي بحت.

أما بخصوص الاتفاق مع كيان حديث التأسيس بدلا من “أطلس مارينز”، كشف بوتي أن الأمر يتعلق بشركة تابعة تدعى “أكادير دكار لاين” موضحا أن تأسيس هذه الشركة في أكادير كان شرطا من السلطات المعنية لضمان بقاء القيمة المضافة والضرائب داخل المدينة، بدلا من تأسيسها في طنجة أو خارج المغرب، كما أكد أن دور الاتحاد العام لمقاولات المغرب كان “مسهلا” للمشروع، حيث ساعد في ربط المستثمرين بالجهات المعنية وتذليل العقبات الأولية، لكن مهمته تنتهي عملياً بعد توقيع الاتفاقيات بين الشركاء المؤسساتيين، ليصبح المشروع في عهدة تلك الجهات.

وعزا إدريس بوتي التأخير في إطلاق الخط إلى تحديات تقنية ولوجستية معقدة، وليس إلى ارتجال أو غياب تصور، مشيرا إلى أن المشروع يتطلب الحصول على تراخيص من دولتين (المغرب والسنغال)، وتجهيز بنية تحتية خاصة في الموانئ، مثل توفير أرصفة ثابتة وقارة لاستقبال البواخر، وهو أمر غير متوفر حاليا ويتطلب وقتا لتجهيزه.

وأضاف بوتي أن هناك مسائل أمنية حساسة تتعلق بفحص الشاحنات والتعامل مع الهجرة السرية، وهي إجراءات تستلزم تنسيقا دقيقا، كما ذكر بوتي أن مشروعا آخر لربط أكادير بإنجلترا استغرق ثلاث سنوات من المفاوضات لمجرد نقل الحاويات فقط.

ورغم التأخر المسجل في إطلاق المشروع، أكد بوتي أن العمل على المشروع مستمر، حيث عقد 21 اجتماعا مع الشركاء حتى الآن، وأن آخر أجل متوقع لإطلاق الخط هو أواخر أكتوبر أو بداية نونبر 2025.

هذا، ولم يكن خط أكادير – دكار الوحيد الذي يمكن أن يدفن قبل ولادته، إذ تشير المعطيات المتوفرة إلى أن مشروع ربط بحري آخر مع ميناء قادس الإسباني، تشرف عليه نفس الشركة، قد يواجه المصير نفسه، رغم التحذيرات التقنية والواقعية بشأن محدودية إمكانياتها.

وبحسب متابعين للشأن الجهوي، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد إخفاق تقني أو إداري، بل دليل على نمط تفكير يختزل تدبير شؤون جهة سوس ماسة في مبادرات شعبوية، تسوق إعلاميا وتطوى في صمت بعد انطفاء أضواء الكاميرات، مؤكدين على أن مشروع “خط أكادير–دكار” الذي روج له كأحد المشاريع الاستراتيجية، لم ير النور بسبب “الحسابات السياسوية، وغموض الإجراءات، وهشاشة التصور”.

وفي خضم هذا الغموض، لا تزال فئات واسعة من المصدرين والفاعلين الاقتصاديين في الجهة تواجه صعوبات حقيقية في الوصول إلى الأسواق الإفريقية، بسبب تعقيدات التنقل البري وارتفاع التكاليف اللوجيستيكية، في ظل غياب بدائل عملية وموثوقة.

وسبق لعدد منهم وأن عبروا في مناسبات متعددة، عن إحباطهم من توالي الوعود التي لا تترجم إلى واقع، ومن توظيف أحلامهم المشروعة في مشاريع لم تتجاوز حدود البيانات الصحفية والبهرجة الإعلامية.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا