عاد نقاش استمرار سياسة “الترحيل القسري” لأعداد كبيرة من المهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى واجهة النقاش العمومي في مدينة تيزنيت بجهة سوس ماسة جنوبي المغرب، بعد تسجيل عملية ترحيل جديدة هذا الأسبوع، وفق ما أفادت به مصادر محلية في هذه المدينة التي تعيش منذ مدة ليست بالقصيرة على وقع التحديات المتزايدة التي فرضها هذا الواقع.
وأثار هذا الموضوع نقاشًا محتدمًا في صفوف الفعاليات الجمعوية والحقوقية والسياسية المحلية، حول جدوى الاستمرار في ترحيل المهاجرين إلى مدينة تفتقر إلى البنيات التحتية والإمكانيات الضرورية لاستقبالهم وإيوائهم، وحول تداعيات هذا الوضع على التوازن والأمن المجتمعيين، وسط تخوفات من تكرار سيناريوهات الاحتكاكات التي عرفتها بعض الحواضر المغربية، ودعوات إلى فتح نقاشات جدية حول سبل تدبير ملف الهجرة في إطار مقاربة شاملة تراعي من جهة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لهذه الظاهرة، وتضمن من جهة أخرى احترام كرامة المهاجرين وحقوق الساكنة المحلية.
في تفاعله مع هذا الموضوع عبّر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيزنيت عن قلقه إزاء استمرار عمليات ترحيل عدد من المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى المدينة عبر حافلات، في “غياب الحد الأدنى من شروط الإيواء والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية”.
وأكدت الهيئة الحقوقية ذاتها، في بلاغ توصلت به هسبريس، أمس الخميس، أن “استمرار هذه الممارسات، التي تتسم بالعشوائية وتفتقر إلى أي تخطيط تشاركي، لا يمس فقط بكرامة المهاجرين والمهاجرات، بل يُخلف أيضًا تداعيات اجتماعية وأمنية على الساكنة المحلية، خصوصًا في ظل غياب التنسيق مع الفاعلين المحليين، وانعدام مراعاة القدرات الاستيعابية للمدينة، ما ينعكس سلبًا على استقرار الساكنة وراحتها اليومية”.
واعتبر المصدر ذاته أن هذه السياسات تمثل “خرقًا سافرًا للاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ذات الصلة بحقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بحماية المهاجرين في وضعية هشّة وصعبة”، مطالبًا في الوقت ذاته بـ”الوقف الفوري لجميع أشكال الترحيل العشوائي التي لا تحترم كرامة المهاجرين والمهاجرات، ولا تراعي سلامة الساكنة”، ومناشدًا السلطات المحلية والمركزية اعتماد خطة إنسانية شاملة تحمي كرامة الجميع، وتراعي الإمكانيات المحدودة للمدينة دون الإخلال بأمنها واستقرارها.
أحمد اندالعرف، رئيس جمعية المحبة لرعاية المرأة والطفل بتيزنيت، قال في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية إن “الساكنة المحلية أصبحت تعيش على وقع قلق متزايد بسبب استمرار سياسة ترحيل المهاجرين غير النظاميين من مدن الشمال إلى مدينة تيزنيت، وبأعداد كبيرة، ما يربك التوازن الاجتماعي”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “الترحيل الممنهج للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى المختلين عقلياً، زاد من حالة التوجس في صفوف المواطنين، ولاسيما بعد تداول أخبار وانتشار مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لصدامات وأحداث عنف في صفوف المهاجرين في مدن أخرى، كالدار البيضاء، ما ساهم في رفع منسوب القلق وسط الساكنة التيزنيتية، وبروز مخاوف من تكرار مثل هذه السيناريوهات في تيزنيت المعروفة بهدوئها”.
وشدد الفاعل الجمعوي ذاته على أن “سياسة ترحيل هؤلاء المهاجرين إلى تيزنيت لا تأخذ بعين الاعتبار أن هذه المدينة غير مهيأة لاستقبال هذه الأعداد من المرحلين، في ظل ضعف البنيات التحتية وغياب مراكز الاستقبال والإيواء، إذ كان المهاجرون يتجمعون في مخيم عشوائي نشب فيه حريق في مارس الماضي، ما أسفر عن وفاة مهاجرة رفقة ابنتها”.
وأبرز المصرح ذاته أن “مدينة تيزنيت تعيش حالة من الهشاشة الاقتصادية، خاصة في ظل غياب المشاريع التنموية الحقيقية التي تخلق فرص الشغل، وبالتالي فإن الحديث عن معالجة هذه الظاهرة بإحداث مراكز إيواء واستقبال للمهاجرين لا يبدو منطقياً في ظل انعدام فرص إدماجهم، ما سيحول هذه المراكز إلى مجرد محطات انتظار ستزيد من حدة التوتر وتعمق الإقصاء”.
وخلص المتحدث إلى أن “الحل يكمن في وقف ترحيل المهاجرين إلى المدينة والتفكير في مقاربات وحلول أخرى، أو وجهات بديلة أكثر قدرة على توفير فرص الشغل والاندماج، مثل إقليم اشتوكة آيت باها، الذي يحتضن نشاطاً زراعياً واسعاً وطلباً متزايداً على اليد العاملة، بما يساهم في فتح آفاق الاندماج أمام المهاجرين، عوض ترحيلهم إلى مدن عاجزة أصلاً عن تلبية حتى حاجيات ساكنتها”.
اعتبر أبو بكر أنغير، المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، أن “التعامل مع الهجرة غير النظامية يعتبر إشكالاً حقيقياً يؤرق المغرب ككل، باعتباره بلد عبور لأفواج كثيرة من الراغبين في الوصول إلى أوروبا، ما يشكل عبئاً اجتماعياً وإنسانياً حقيقياً، خاصة أن المملكة تبنت مقاربة حقوقية تقوم على الإدماج واحترام حقوق المهاجرين”.
في المقابل أكد أنغير أن “ضعف بنيات استقبال الأعداد الكبيرة من الوافدين في بعض المدن الصغيرة، مثل تيزنيت، من شأنه المساس بحقوقهم الإنسانية؛ فيما يشكل هذا التوافد تهديداً للساكنة المحلية التي أصبحت معرضة لمشاكل أمنية واجتماعية كثيرة، ليس أقلها الجريمة بكل أشكالها”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “التعاطي مع هذا الإشكال في مدن مثل تيزنيت يتطلب التفكير ملياً في إنشاء مراكز كبيرة متخصصة ومؤهلة لاحتضان هؤلاء الأفارقة الحالمين بالهجرة ومساعدتهم، ومحاولة فتح حوار جاد وطني حول الموضوع يهدف إلى بلورة إستراتيجية وطنية متكاملة ومندمجة للتعاطي مع الهجرة ومشاكلها وتداعياتها”، وزاد: “كما يجب فتح حوار دولي عاجل مع الدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين من أجل صياغة رؤى وسياسات تمكّن من الحد من الهجرة عبر إقرار مشاريع تنموية وتقديم دعم تنموي لهذه الدول”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “ترحيل المهاجرين الأفارقة إلى المدن الصغيرة والمناطق النائية ينتج عنه انتشار ظواهر خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي؛ كما يساهم في بناء أحزمة فقر في هوامش المدن، وهذا ما سيشكل مشكلاً حقيقياً في المستقبل على كافة الأصعدة”.
وأردف الحقوقي ذاته بأن “هناك مسؤولية جماعية ومشتركة في التعاطي مع هذا الموضوع”، موردا أن “الحكومة مطالبة بسن سياسة استباقية للتعامل مع المهاجرين عبر توفير ظروف الاستقبال والإيواء والتطبيب في مختلف المدن المغربية، خاصة أن المجالس الترابية تتمتع باختصاصات وإمكانيات مادية ولوجستية محدودة في هذا الشأن، لا تسمح بالتعاطي الإيجابي المثمر مع قضية هجرة الأفارقة، وبالتالي يجب فتح حوار وطني أو تنظيم مناظرة وطنية حول الهجرة بمشاركة الجميع، من أجل استشراف مستقبل هذه الظاهرة المستفحلة، خصوصاً أن المغرب تنتظره استحقاقات عالمية يجب التحضير لها على جميع الأصعدة”.
أكد نوح أعراب، عضو جماعة تيزنيت عن المعارضة الاتحادية، أن “ترحيل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى مدينة تيزنيت يتم في إطار قرارات تُشرف عليها وزارة الداخلية، ما يجعل الأخيرة مسؤولة مباشرة عن هذه السياسة التي تحمل المدن الصغرى عبء تدبير ملف كبير بحجم الهجرة، دون تمكينها من الإمكانيات الضرورية لإدارته”.
وأضاف أعراب، في تصريح لهسبريس، أن “إيواء المهاجرين، من منطلق حقوقي وإنساني، يتطلب توفير بنيات تحتية ومراكز استقبال، لا أن يتم تفريغهم في شوارع المدينة وتركهم يواجهون مصيرهم ويثيرون الرعب في صفوف الساكنة المحلية”، مؤكداً أن “هذا الوضع تتحمل فيه السلطات الإقليمية المسؤولية، وكذا المنتخبون الذين لا يرافعون بالشكل المطلوب على هذا الإشكال، وهو ما يشجع السلطات على الاستمرار في عمليات الترحيل”.
وتساءل المتحدث: “لماذا يتم ترحيل مهاجرين من مدن في الشمال بالضبط إلى مدينة تيزنيت رغم أنهم مروا في رحلتهم عبر مدن عديدة؟”، قبل أن يجيب بأن “هذا الوضع ناتج عن السكوت والتقصير في صفوف المنتخبين، وعدم اتخاذهم أي خطوات جدية في هذا الشأن للتخفيف من آثار هذه الظاهرة التي تخيف الساكنة المحلية، خاصة أن القانون التنظيمي للجماعات يؤكد أن من اختصاصات المجلس الجماعي، في شخص رئيسه، اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن والسلامة في الطرق العمومية”.
في هذا الصدد أكدت حادة إخرازن، نائبة رئيس المجلس الجماعي لتيزنيت، المكلفة بالشؤون الاجتماعية والصحة والوقاية والتضامن، أن المجلس سبق له في إحدى دوراته أن طالب بوقف ترحيل المهاجرين صوب تيزنيت، ورفع ملتمساً إلى وزير الداخلية في هذا الشأن، مشيرة إلى أن قرارات الترحيل لا تُتخذ على المستوى المحلي، بل تصدر عن وزارة الداخلية.
وأكدت المتحدثة ذاتها أن الطبيعة المركزية لقرارات الترحيل تتطلب طرح هذا الإشكال على المستوى الوطني لإيجاد حلول مناسبة تراعي مختلف الجوانب الإنسانية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، لافتة إلى قرب عقد لقاء مع عامل إقليم تيزنيت، ستتم خلاله مناقشة نقطة ترحيل المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى المدينة.
وتفاعلاً مع سؤال لجريدة هسبريس الإلكترونية حول غياب مراكز استقبال للمهاجرين على مستوى المدينة شددت المسؤولة الجماعية ذاتها على أن “هذا الإشكال لا يرتبط بتيزنيت لوحدها، فكل المدن التي تحتضن مهاجرين لا تتوفر على هذه البنيات”، مؤكدة أن “المجلس الجماعي يواكب ويدعم، في حدود إمكانياته، فئة المهاجرين من منطلقات إنسانية، ومن منطلق أنهم أصبحوا بحكم الواقع جزءاً من نسيج المجتمع المحلي، خاصة في مجالات التطبيب والولادة والتمدرس”.