آخر الأخبار

مهرجان "ثويزا" يواصل تعقّب "جرأة البوح" في سيرة شكري والهامش

شارك

وفاء “لما قدمه الكاتب محمد شكري للأدب المغربي، ولمدينة طنجة”، كرّست الدورة التاسعة عشرة من مهرجان “ثويزا”، اليوم الجمعة، “عملها الاحتفائي والتأبيني” السنوي من خلال تنظيم الملتقى السنوي لتخليد أدب صاحب “الخبز الحافي” بفضاءات “رياض السلطان” بالقصبة؛ في رغبة من المنظمين “للحفاظ على ذكرى الشحرور الأبيض الذي غادر دنيا الناس منذ 22 سنة تاركا أثرا لا ينمحي”.

هذه اللمّة التي تنتصر لفكرة “التخليد” أكثر من أي شيء آخر، كما يصرّح المنظمون، تركز هذه المرة على “جرأة البوح في سيرة الهامش”، وتولى تسييرها ككل سنة الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى؛ كما شارك فيها في هذه النسخة مصطفى أقلعي، الكاتب ومدير المدرسة العليا للهندسة المعمارية وحرف البناء بجامعة فاس الخاصة.

“عار كما ينبغي”

قالت الكاتبة والروائية ربيعة ريحان: “كل ما قرأته أيامها عن شكري من كتابات ومقاربات، حتى قبل أن أعيد قراءة الخبز الحافي في التسعينيات، مركزة على السمات المضمونية والصيغية، وعلى التطابق بين المؤلف والبطل، عبر تجربته الذاتية، من منظور استعادي لمصير فرد حقيقي وتاريخ شخصية من لحم ودم، على اعتبار ما قاله غابرييل غارسيا ماركيز من أن “أفضل صيغة أدبية هي الحقيقة، دائما وأبدا”.

وتابعت ريحان: “بدا لي أن كل تلك الجرأة في البوح، والإصرار على المواجهة، وهزيمة الأشباح من ضعف وخوف واستسلام، تلك التي قابلها شكري بخرق خصوصيته كما ينبغي، عبر عبور حافل وعنيف، باقتحام هامشه، الذي احتفى به براهنه المعيش والمتردي، حيث قضى جزءا من حياته اليومية مع المهمشين والمقصيين، شخصيات متصادمة مع الواقع وتائهة في الحياة. عاش معهم الخصاص والعنف والدعارة والإجرام والمخدرات”.

مصدر الصورة

وزادت مبينة: “صورة متواصلة لما قرأت بعد ذلك من إنجازات أخرى: مجنون الورد، الشطار، السوق الداخلي وسواها، التي كتبها بمفارقة لغة عارية، تسخر وتنكر وتوحي وتجازف أيضا. لغة هي النسيج، والرائحة، واللباس، والالتباس، مما لم يسمح بأن أرى فيه ذلك الظل المليء بالدخان، ولا نموذجا لمن يدخل في غيبوبة خدر دون أن تلهمه حالات إبداع سخية، ضاربا بعرض الحائط تسكعه اليائس بصبر يشبه الأبدية”.

هكذا، قالت إنه انعكست أمامها “شخصية أخرى مختلفة تماما، تجسدت صافية ذات يوم في شارع علال بن عبد الله، أمام مبنى جريدة العلم، حاملا حقيبته الجلدية الكبيرة، حيث تنام شخوصه الكثيرة الجريئة، والمستفزة، والمستهترة أحيانا، تلك التي، كما خُيِّل لها، كان يمكن أن تنفجر في أية لحظة؛ لكنها تركت المجال لمبدعها أن يبدو هادئا وأنيقا، وهو يقرأ قصاصات من الجريدة المعلقة في إطارها الزجاجي”.

“خيال حاضر”

الأديب والشاعر إدريس علوش قال إن “ما راكمه شكري لم يكن أدبا تقريبيا؛ بل كان أدبا بروح إبداعية. أدب ينبني أساسا على الخيال، لأن المتخيّل كان دوما عنصرا جوهريا في أدب شكري”، مسجلا أن “كل ما كتبه الراحل في هذه السرديات حول السيرة لم يكن كلّه مستمدا من واقع مادي وموضوعي، بقدر ما كان الخيال حاضرا بكثافة وقوة”.

وأشار علوش إلى أن صاحب “الشطار” كان يقول: “معروف أني مسحوق بشهرة كتابي الخبز الحافي”، مبرزا أن سردية شكري في سيرته الذاتية تقوم على ثلاثية معروفة: الخبز الحافي، زمن الأخطاء، ووجوه؛ لكنه ذكر أن شكري كان يقول عن الخبز الحافي “إنها سيرة ذاتية روائية، وقد اعتُبرت عند صدورها وثيقة اجتماعية وتاريخية، تعكس الطفولة والشباب وعلاقتهما بالعائلة والمجتمع”.

مصدر الصورة

وسجل الشاعر عينه أن شهرة الخبز الحافي وعلاقتها بطنجة كانت قوية، “إلى درجة أننا، حين كنا طلبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي، التي كانت في تلك الفترة تابعة لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أعدّ طالب ما بحثا في الجغرافيا أو الاقتصاد حول طنجة، فاستعمل مرجعا واحدا فقط هو الخبز الحافي؛ أي أنه درس المدينة كلها بناء على متن السيرة الذاتية”.

ولفت إلى ما كان يقوله الراحل بخصوص أن “ما يطغى في العالم الثالث هو الكتابة الاحتجاجية والتوثيقية، لأننا ما زلنا نبحث عن هوياتنا التاريخية التي لم يكتبها التاريخ الرسمي، تاريخ القادة. أما تاريخ الشعب وتحولاته الاجتماعية، فيكتبه الأدباء والفنانون والمفكرون إن هم لم يتخاذلوا وتغرهم الرسميات بمناصبها العليا”.

“متحرر من الانتظار”

الكاتبة إكرام عبدي قالت إنها بحكم كونها سليلة أسرة مغربية محافظة، “كان يصعب تقبل كتابات محمد شكري بصدر رحب، وظلت سيرته زمن الأخطاء ممنوعة في البيت”.

وتابعت عبدي: “لم تُتداول إلا في التسعينيات في مكتبتي، حيث سيفرج عنها لأقرأها برؤية مغايرة وأنا طالبة جامعية، وبانبهارٍ لقدرته على الفضح العلني، وجعل تلك المتون المتعفنة عرضة للشمس”.

مصدر الصورة

وزادت: “وإن كان من الصعب تقبّل كتابات محمد شكري من طرف حرّاس الفضيلة إلى اليوم، فهو يظلّ المارد الصعلوك المتمرّد بأيديولوجيته المجرّدة من الأنساق والأفكار المُلزِمة، والاستثنائي الغاضب الذي يفضح الجميع بلغة بالغة القسوة، ويعرض في أعماله قصصا مؤثرة لشخصيات مطمورة منسية، لمس فيها حسّا إنسانيا رفيعا أكثر من غيرها”.

وقالت أيضا: “رغم أنني أستغرب مما يمكن أن يكتبه كاتب قادم من قاع المدينة والهامش، وزمن الحرمان والفقر والتشرّد والأحلام المؤجّلة، هل سيكتب لنا واقعا مخمليا، مهادنا، ملائكيا؟”.

وأبرزت: “في ذكراه هذا اليوم، يكفي أن أستحضره لتشملني الإضاءة الأبدية التي تفتح لنفسها اتجاه الحياة بكل متعها وعمقها الإنساني، واتجاه كل دروب التوحد والعزلة في الآن نفسه”.

وأكدت أنها “تغبط كلّ من استمتع برفقته طويلا”، موردة: “ربما حظيت بجلستين معه رفقة أصدقاء مبدعين، وكذا بزيارة خفيفة لبيته في الطابق الخامس من شارع البحتري بطنجة؛ شقة متواضعة بملمحه الخاص، بمخلوقات دمى معلّقة، مبتورة اليد تارة والرجل تارة أخرى”.

كما أشارت الكاتبة المغربية إلى أنه “حين كان يُمارس بين الفينة والأخرى تلقائيته، متلفظا سهوا كلمات عارية أمامي، سرعان ما يعتذر مني برقيّ المبدع الجنتلمان”، مبرزة أن “تلقائيته وجرأته وأخطاؤه التي أحبها وتحرره اللانهائي من الانتظار كانت كافية لينفش صدره واثقا، غير آبهٍ برأي الآخر في كل جلساته بأبهةٍ ملكية، مغسولا بالفرح، متأججا برونق الحياة، في إحدى حانات أو مطاعم طنجة، مدينة محمد شكري اليوتوبيا، التي أمضى معها عقد زواج كاثوليكي في جلسات ملعونة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل مصر فلسطين أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا