آخر الأخبار

إيطاليا تلتزم بالتوازن في قضية الصحراء المغربية رغم المناورات الجزائرية

شارك

زج الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مجددا بملف الصحراء المغربية ضمن محادثاته الرسمية مع المسؤولين الإيطاليين، مستغلا زيارته إلى العاصمة روما للمشاركة في أشغال اللجنة الحكومية الثنائية الخامسة بين الجزائر وإيطاليا، التي توجت بتوقيع اتفاقية تغطي مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد والبحث العلمي.

وخلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمعه برئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، حاول تبون الدفع بالأطروحة الانفصالية لبلاده، مؤكدا أن الجانبين “جددا دعمهما للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل وفق الشرعية الدولية، يمكّن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير”، بحسب تعبيره.

تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العلاقات الجزائرية الأوروبية توترا على خلفية المواقف الإيجابية التي عبّرت عنها كل من فرنسا وإسبانيا تجاه مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية كحل نهائي للنزاع، ما دفع النظام الجزائري إلى تكثيف تحركاته نحو عواصم أخرى في محاولة للتأثير على مواقفها وتليين حيادها المعلن.

ويرى مراقبون أن تصريحات تبون تنسجم مع توجه دبلوماسي جزائري يراهن على خلط الملفات السياسية والاقتصادية واستثمار نزاعات الجيو-سياسية بين دول أوروبية، في محاولة لاستدراج مواقف داعمة أو على الأقل غير معارضة لأجندته الإقليمية، رغم تمسك إيطاليا إلى حدود الساعة بموقف متوازن لا يتبنّى أي أطروحة من أطراف النزاع، ويُدرِج الملف في خانة القضايا ذات الأولوية الثانوية في أجندته الخارجية.

تنازلات سيادية

قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش”، إن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إيطاليا أظهرت فصلا جديدا من التنازلات السيادية عن مقدرات الشعب الجزائري، في مشهد وصفه بـ”السريالي”، حيث تتجدد مظاهر التبرم عن الاستجابة لانشغالات الجزائريين مقابل الإصرار المرضي على مناهضة مصالح المملكة المغربية بالخارج، ومحاولة استمالة شركاء دوليين لتبني مواقف سلبية من مسار الحل السياسي المتوافق عليه بشأن قضية الصحراء المغربية.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن محاولة تأطير هذه الزيارة في سياق الجغرافيا السياسية شمال الإفريقية وعلاقات الجزائر المتوترة مع فرنسا وإسبانيا، اللتين عبرتا عن مواقف متقدمة داعمة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، لا تخفي حقيقة أن القمة الاقتصادية الجزائرية الإيطالية تحولت إلى منصة لتصريف مواقف عدائية تجاه المغرب، من خلال مزجها غير المنطقي مع القضية الفلسطينية وشؤون الساحل والصحراء وأزمات أوكرانيا والشرق الأوسط، في محاولة لخلط الأوراق وتحقيق مكاسب دبلوماسية ظرفية على حساب الواقعية السياسية.

وأوضح نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن انعقاد اللجنة الثنائية العليا بين الجزائر وإيطاليا يأتي في وقت تعيش فيه الجزائر جمودا في علاقاتها الدولية، وتراجعا لفعاليتها الدبلوماسية، خصوصا في ما يتعلق بمواقفها الغامضة من الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وفشلها في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، فضلا عن غياب أي أثر فعلي خلال عضويتها الحالية بمجلس الأمن، ودخولها في خلافات مفتوحة مع قوى محورية في الاتحاد الأوروبي بسبب دعمها الواضح للأطروحة الانفصالية.

وأكد الكاين أن إعلان توقيع 40 اتفاقية بين الجزائر وإيطاليا في مجالات التجارة والصناعة والإنتاج، كما ورد في المؤتمر الصحافي، يثير تساؤلات حول جدوى هذه الاتفاقيات بالنسبة للجزائريين، خاصة في ظل هيمنة الشركات الإيطالية على غالبية القطاعات المشمولة بالتعاون، وغياب آليات الحوكمة والشفافية في تدبيرها، ما يحيل إلى إعادة إنتاج منطق التبعية الاقتصادية في ثوب جديد.

وكشف رئيس منظمة “أفريكاووتش” أن المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء (Istat) والوكالة الإيطالية لتدويل الشركات (ICE) انفردا بالبث الحصري للإحصائيات والمجالات المشمولة بالاتفاقيات، مشيرا إلى أن انخفاض صادرات الغاز الجزائري بنسبة 23.5% سمح لإيطاليا بتعزيز موقعها كشريك أول للجزائر في المنطقة، متجاوزة فرنسا في ظرف سياسي حساس، ما يعكس تحولا استراتيجيا في العلاقات يُخشى أن يؤدي إلى شكل من “الاستعمار الناعم” للثروات الجزائرية، على حد تعبيره.

وتابع الكاين قائلا: “إن هذا التطور في العلاقات بين البلدين يندرج في سياق رد الجميل من طرف إيطاليا للجيش الجزائري، على خلفية الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته روما خلال التسعينات، إبان العشرية السوداء التي خلفت أكثر من 250 ألف قتيل، وعشرات آلاف الضحايا، ومآسي حقوقية لا يمكن للجزائر أن تطوي صفحتها دون مصالحة وطنية حقيقية، تشمل الاعتراف بالمسؤولية، وجبر الضرر، وتقديم ضمانات بعدم التكرار”.

وسجل الفاعل الحقوقي ذاته أن تصريحات مسؤولين إيطاليين بشأن رغبتهم في لعب دور محوري في القضايا الدولية، والتموقع كموزع عالمي للطاقة الجزائرية، تؤكد أن روما لا تضع مسألة الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر ضمن شروطها الدبلوماسية، في تناقض واضح مع التوجهات العامة للاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن “التعاون المعلن بين البلدين في مجالات المحروقات، والتسليح، والطاقة المتجددة، والزراعة، والتقنيات الحديثة، يعكس توجها نحو استغلال إمكانات الجزائر من دون ضمانات حقيقية لمصلحة الشعب، بهدف تعطيل تقدم المغرب في ملف الصحراء والضغط على شركائه الأوروبيين”.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن المؤتمر الصحافي الختامي للقمة لم يتجاوز تقاسم التصريحات العامة حول اتفاقيات تجارية وقضايا إنسانية وأمنية، في حين سعى الرئيس تبون، كعادته، إلى فرض أجندة تقادمت وعفا عنها الزمن حول “تقرير المصير”، دون تقديم أي التزام فعلي تجاه دعم جهود الأمم المتحدة أو الحضور إلى طاولة المفاوضات، مشددا على أن “النظام الجزائري يواصل المراهنة على حلفاء باتوا أوهى من أي وقت مضى، في محاولة بائسة لإحياء مشروع انفصالي فقد مبرراته القانونية والسياسية والإنسانية”.

عداء مستمر

أكد بيبوط دداي، باحث في التاريخ المعاصر مهتم بملف الصحراء المغربية، أن تتبع السياسة الخارجية للجزائر منذ الاستقلال يكشف عن غياب الوضوح في المنطلقات والمرجعيات، مبرزا أن “ما يميز المشهد السياسي الجزائري هو استمرار حروب التصفيات الجسدية بين قيادات الثورة، والتنافس على المواقع والمنافع، وتحييد المعارضين، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول من يحكم الجزائر فعليا، الرئيس ‘المنتخب’ أم المؤسسة العسكرية والأمنية، ومدى تأثير الشعب الجزائري في الخيارات الكبرى للدولة”.

وأوضح دداي أن سعي النظام الجزائري للانضمام إلى مجموعة “بريكس” رغم غياب الشروط الدنيا لذلك، والدخول في خصومات حادة مع فرنسا وإسبانيا بسبب مواقفهما الإيجابية من قضية الصحراء، ومحاولة استمالة الحكومة اليمينية الإيطالية عبر استغلال خلافها مع باريس، أمورٌ تعكس اضطرابا في التوجهات الخارجية لنظام لا يزال يتحكم فيه منطق الحسابات الظرفية، مضيفا أن “هذه المحاولات تكشف عن شعور دفين لدى النظام الجزائري بالدونية أمام الصرامة الملكية المغربية، وقوة الدبلوماسية التي يقودها الملك محمد السادس، المبنية على ثوابت الوحدة الترابية والدين الإسلامي والمسار الديمقراطي التراكمي الذي يعكس انخراطًا فعليًا في مطالب الشعب المغربي”.

واعتبر المتحدث أن تصريح الرئيس تبون بشأن توسيع الشراكة مع إيطاليا وتجسيدها كإرادة سياسية راسخة، يثير الاستغراب، بالنظر إلى عبثية النظام وتجاهله لتطلعات شعبه، واستخدامه مقدرات الدولة لإرضاء الطبقة النافذة، وأضاف أن الموقف الإيطالي، وفق قراءته، لا يعدو أن يكون تعبيرا عن نية لاسترداد دين تاريخي لوقوف روما سابقا إلى جانب السلطة الجزائرية خلال محطات قمعية خطيرة، ما يثير التساؤلات بشأن استمرار الإفلات من العقاب بالنسبة للمؤسسات الأمنية المدنية والعسكرية، رغم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وسجل دداي في هذا الصدد أن اتفاقيات الإشراف العلمي والتكنولوجي الموقعة مع الجانب الإيطالي في مجالات الماء والصناعة والنقل والثقافة والبحث العلمي، تطرح تساؤلات عميقة حول دور المؤسسات الجزائرية في توزيع منافع الثروة الوطنية، بدل النفخ في صورة نمطية زائفة لدى المواطن الجزائري عبر شعارات “النيف”، التي تعمل على تحييد قدرته على التفكير الحر والنقد البنّاء، وهو ما يعيق أي تحول ديمقراطي حقيقي.

وخلص الباحث في التاريخ المعاصر إلى أن خطابات تقرير المصير والاستفتاء لا تزال تردد يوميا في مكاتب الاستخبارات الجزائرية، بهدف زرع شعور الانفصال في نفوس الصحراويين العالقين في مخيمات لحمادة، الذين يتوقون إلى تسوية تحترم كرامتهم وتعيد لمّ شملهم مع أسرهم في إطار حل سياسي واقعي ودائم، يرفض مشاريع التقسيم ويرسخ وحدة التراب المغربي.

كما نبه دداي بيبوط في ختام حديثه إلى أن استمرار الجزائر في التمترس خلف شعارات الحرب الباردة ومحاولة عرقلة بناء المغرب الكبير لن يجرّ على شعبها سوى مزيد من العزلة، وسيجعل مصيرها بيد قوى أجنبية، بدل الانخراط الجاد في بناء فضاء مغاربي موحد وقادر على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية في محيط متغير.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا