مع بداية العطلة الصيفية يلجأ عدد من الأطفال في أعمار متفاوتة إلى ممارسة أنشطة تجارية واقتصادية متنوعة، خاصة في المهن الموسمية بالمدن السياحية، حيث يُجبر الكثير منهم على العمل لتعويض غياب دخل الأسرة أو لتوفير مستلزمات الدخول المدرسي القادم.
وتثير هذه الظاهرة تساؤلات حول إمكانية تنظيم عمل الأطفال قانونيًا ضمن شروط وضوابط تحميهم وتوفر لهم بيئة مناسبة، كما يبرز دور المجتمع المدني في التوعية والتحسيس للحد من الاستغلال المبكر للأطفال خلال هذه الفترات الحساسة.
حسن حُمير، فاعل جمعوي، قال إن “إشكالية استغلال الأطفال في أعمال غير مهيكلة تزداد خلال العطلة الصيفية، إذ تلجأ بعض الأسر إلى تشغيل أبنائها في مهن موسمية بهدف توفير مداخيل إضافية”، مضيفًا: “بالنسبة للأطفال فوق سن 13 سنة لا أرى مانعًا في ممارستهم بعض المهن البسيطة وغير الشاقة، لأنها قد تُكسبهم مهارات حياتية وتُكوّن لديهم فكرة عن الواقع والصعوبات”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “هذه التجارب يمكن أن تخرج بعض الشباب من حالة الخمول التي نلاحظها اليوم، وتفتح أعينهم على آفاق جديدة، كما تزرع فيهم قيم الاعتماد على النفس”، لكنه شدد في المقابل على “ضرورة حماية الأطفال من الاستغلال في مهن تضر بصحتهم وتفوق طاقتهم، خصوصًا تلك التي تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا”.
وأكد حسن حُمير أن “المجتمع المدني مطالب بتكثيف الجهود التوعوية والتحسيسية، سواء في اتجاه المشغّلين أو الأسر، لأن تشغيل الأطفال يخضع لضوابط قانونية واضحة، ويجب احترامها”، مشيرًا إلى أن “من بين المظاهر المقلقة التي تتطلب تدخلاً عاجلاً هناك استغلال الأطفال في التسول أو البيع عند إشارات المرور، في ممارسات لا تسيء فقط إلى الطفولة بل إلى صورة المجتمع ككل”.
من جانبه عبّر عبد الهادي حنين، فاعل جمعوي، عن قلقه من استمرار ظاهرة تشغيل الأطفال، واصفًا إياها بأنها “ممارسة مجرّمة قانونيًا، خاصة في ضوء المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذا القوانين الوطنية التي تؤكد على ضرورة حماية القاصرين من كل أشكال الاستغلال”، مضيفًا أن “العقوبات يجب أن تطال كل من يساهم في تشغيل الأطفال بصفة عامة”.
واعتبر حنين، في تصريحه لهسبريس، أن “الظاهرة تعرف استفحالًا ملحوظًا خلال فترات العطل، بسبب عدة إشكالات اجتماعية، على رأسها الفقر، وغياب البدائل، ما يدفع عددًا من الأسر إلى دفع أبنائها نحو العمل الموسمي”، مشيرًا إلى أن “بعض القاصرين يُقبلون على هذه المهن من تلقاء أنفسهم، خاصة تلك المرتبطة بالمجال السياحي”.
وأكد المتحدث ذاته أن “المجتمع المدني يلعب أدوارًا متعددة في التوعية والتحسيس، من خلال التواصل المباشر مع الأسر، وتنظيم لقاءات وندوات وأيام مفتوحة”، مضيفًا أن “الجمعيات تساهم أيضًا في تأطير الأطفال داخل المخيمات الصيفية، باعتبار أن المكان الطبيعي للطفل في العطلة هو فضاء المخيم، كما أن المدرسة هي الإطار الملائم خلال السنة الدراسية”.
ياسين بلكجدي، فاعل حقوقي، قال إن “مسألة تشغيل الأطفال في الصيف لا يجب تصنيفها دائمًا كظاهرة سلبية أو جرم اجتماعي، لأن ظروف العائلات الفقيرة تختلف، وأحيانًا يكون الطفل مدفوعًا بالرغبة والطموح”، مضيفًا: “هذا النوع من الاشتغال الموسمي قد يزرع في الطفل قيم الجد والاجتهاد، ويعوّده على الجمع بين الدراسة والعمل، بدل الانزلاق نحو السلوكات المنحرفة”.
وزاد بلكجدي، في تصريح لهسبريس، أن “تشغيل الأطفال دون سن 15 يُحظر في التشريع المغربي، حيث تُعتبر مدونة الشغل لسنة 2003 هي الأساس القانوني في هذا الشأن، كما تحظر تشغيل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة في الأعمال التي تشكل خطرًا على حياتهم أو صحتهم أو أخلاقهم”.
وأكد المتحدث ذاته أن “التشريع المغربي يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، التي تنص على أن الحد الأدنى لسن العمل يجب ألا يقل عن سن إكمال التعليم الإلزامي، ولا يقل عن 15 عامًا”، منبّها إلى أن “هناك بعض الحالات التي يُسمح فيها بتشغيل الأطفال في أعمال لا تضر بصحتهم أو نموهم أو أخلاقهم، ولا تعيق تعليمهم الأساسي ومواظبتهم على المدرسة، وهذا الأمر يعتبر مشروعًا وله إيجابيات”.
وأوضح الحقوقي ذاته أن “العائلات التي تعيش أوضاعًا اجتماعية صعبة، وخصوصًا التي تعاني من الفقر، غالبًا ما تلجأ إلى تشغيل أطفالها خلال العطلة الصيفية”، مبرزًا أن “الأسر التي لا يتوفر أحد من أفرادها على عمل قار تجد في هذا الموسم فرصة لتوفير بعض المصاريف الضرورية، سواء للطفل أو للأسرة”.
وأضاف بلكجدي أن “بعض الأطفال يشتغلون بإرادتهم من أجل اقتناء أدواتهم المدرسية أو ملابسهم، لأن أسرهم عاجزة عن توفيرها”، مشيرًا إلى أن “هناك من الأطفال من يتحمل مسؤولية نفسه رغم صغر سنه، ويقرر الاشتغال خلال الصيف من أجل مساعدات بسيطة، بدل اللجوء إلى التسول أو الانحراف”.
وشدد الفاعل الحقوقي ذاته على أن “المجتمع مطالب بتقبّل هذه الظاهرة في حدودها الموسمية، خصوصًا خلال العطلة الصيفية، شريطة ألا تمس بكرامة الطفل ولا تحرمه من حقه في الدراسة”، داعيًا إلى “ضرورة التعبئة الجماعية لمساعدة هؤلاء الأطفال على استثمار عطلتهم في عمل شريف، يتيح لهم الاستعداد الجيد للموسم الدراسي المقبل”.