تواجه منظمات حقوق الإنسان الدولية موجة متزايدة من الانتقادات بسبب ما يُوصف بازدواجية المعايير في تعاملها مع القضايا الحقوقية عبر العالم، وهو ما بات يُهدد مصداقيتها ويطرح علامات استفهام حول استقلاليتها وقدرتها على الدفاع المتكافئ عن حقوق الإنسان، بعيداً عن الاصطفافات السياسية والانتقائية في التحرك.
قضية الكاتب والروائي الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال تمثل إحدى أبرز النماذج التي فجّرت هذا الجدل. فرغم أن الرجل البالغ من العمر ثمانين عاماً يواجه حكماً بالسجن خمس سنوات على خلفية تصريحات صحفية وصفت بأنها “تمس بوحدة الوطن”، فإن المنظمات الحقوقية الدولية لم تُبدِ أي رد فعل يُذكر، في تجاهل يثير الاستغراب بالنظر إلى المعايير التي تدّعي الالتزام بها.
محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية ثبتت بداية يوليوز الجاري الحكم الابتدائي الصادر في مارس الماضي، والذي أدان صنصال استناداً إلى مواد من قانون العقوبات، بعد تصريحات أدلى بها لوسيلة إعلام فرنسية، تبنّى فيها موقفاً تاريخياً يعتبر أن جزءاً من الأراضي المغربية أُلحِق بالجزائر إبّان الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
عبد العالي بن مسعود، فاعل حقوقي ومهتم بملف المغاربة المطرودين تعسفياً من الجزائر، يرى أن الصمت الدولي حيال هذه القضية يكشف التناقض الذي يطبع عمل كثير من المنظمات الحقوقية الدولية، معتبراً أن “هذه الهيئات تختار القضايا التي تخدم أجنداتها، وتغض الطرف عن أخرى، وهو ما يضرب مصداقيتها في الصميم”.
ويضيف المتحدث أن “قضية صنصال، كما قضية الطرد الجماعي للمغاربة واضطهاد شعب القبائل، تبرز بوضوح هذه الازدواجية، وتكشف ازدواج المعايير الذي تتعامل به السلطات الجزائرية داخلياً وخارجياً، دون أي اعتبار للحقوق الأساسية للأفراد”.
من جانبه، يؤكد الباحث لحسن رابح أن صمت المنظمات الحقوقية الدولية حيال ما يتعرض له المعارضون الجزائريون، خصوصاً المطالبين بحقوق شعب القبائل، “ينسف مبدأ الحياد ويقوّض ما تبقى من ثقة في خطاباتها”، مضيفاً أن “مصداقية العمل الحقوقي لا تستقيم ما لم يُنظر إلى جميع الانتهاكات بميزان واحد، بعيداً عن الحسابات السياسية”.
ودعا رابح هذه المنظمات إلى تطوير أدوات رصد أكثر مرونة وفعالية، تسمح لها باختراق جدران الصمت التي تفرضها الأنظمة المنغلقة، حتى لا تظل مجرد هيئات تصدر بيانات موسمية، أو تتفاعل فقط مع ما تسمح به خريطة النفوذ الدولي.
ولم تعد قضية صنصال، بحسب متابعين، مجرد مسألة قضائية تخص حرية التعبير، بل “تحوّلت إلى اختبار حقيقي لجدية الخطاب الحقوقي الدولي، وقدرته على التعامل مع انتهاكات تقع خارج دوائر الضوء، وفي بيئات مغلقة، لكنها لا تقل جسامة عن تلك التي تثير اهتمام الإعلام الغربي أو العواصم الكبرى”.