حذر تقرير دولي مشترك، صادر عن مركز التخفيف من آثار الجفاف بالولايات المتحدة (NDMC) واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، من أن دول البحر الأبيض المتوسط، وعلى رأسها المغرب وإسبانيا وتركيا، باتت تمثل مؤشرات إنذار مبكر لأزمات جفاف عالمية أكثر حدة، وُصفت في التقرير بأنها “طيور الكناري في منجم الفحم”.
ويركز التقرير على الفترة بين عامي 2023 و2025، التي شهدت، بحسب الباحثين، واحدة من أشد موجات الجفاف انتشارا وتأثيرا في التاريخ الحديث. واستندت الدراسة إلى بيانات مستخلصة من مئات المصادر الحكومية والعلمية والإعلامية، لتحديد أكثر المناطق تأثرا بالجفاف على مستوى العالم.
وقالت الباحثة المتخصصة في آثار الجفاف، باولا غوستيلو، إن تداعيات الأزمة تتجاوز مجرد نقص المياه، مضيفة: “من إجبار الفتيات على ترك الدراسة والزواج المبكر، إلى انقطاع الكهرباء عن المستشفيات، والعائلات التي تنبش مجاري الأنهار الجافة بحثا عن مياه ملوثة – كلها مؤشرات على عمق الكارثة”.
وفي المغرب، أكد التقرير أن البلاد تواجه أزمة مائية متفاقمة نتيجة التغير المناخي، ما يهدد أمنها الغذائي والمائي والطاقي، في ظل اعتمادها الكبير على الأمطار الموسمية في النشاط الفلاحي.
وفي السياق ذاته، وصف إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية مكافحة التصحر، الجفاف بـ”القاتل الصامت” الذي يتسلل تدريجيا ويفتك بالمجتمعات من الداخل، محذرا من أن تجاهل هذه الأزمة قد يؤدي إلى تفكك المجتمعات وتقويض استقرارها.
أما في إسبانيا، فقد أدى الجفاف المستمر ودرجات الحرارة القياسية على مدى عامين إلى تراجع محصول الزيتون بنسبة 50 في المئة بحلول شتنبر 2023، ما تسبب في تضاعف أسعار زيت الزيتون. وفي تركيا، تسبب نضوب المياه الجوفية في انهيارات أرضية وأضرار مستديمة في طبقات المياه العميقة.
وقال مارك سفوبودا، مدير مركز NDMC وأحد معدي التقرير: “ما نراه اليوم في المغرب وإسبانيا وتركيا هو لمحة من مستقبل مائي قاتم في ظل ارتفاع حرارة الأرض. لا توجد دولة في العالم، مهما بلغت قوتها أو ثروتها، قادرة على تجاهل هذا التهديد”.
كما ربط التقرير بين الظواهر المناخية المتطرفة وظاهرة “النينيو”، التي ساهمت في تفاقم الجفاف عبر مناطق واسعة خلال عامي 2023 و2024. ودعا التقرير إلى اعتماد حلول طبيعية ومستدامة، مثل استعادة الأحواض المائية، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتعزيز البنية التحتية للطاقة اللامركزية، مع ضرورة إدماج الاعتبارات المتعلقة بالنوع الاجتماعي في استراتيجيات التكيف.
وختم التقرير بتحذير صريح: “الجفاف ليس مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل أزمة بيئية واقتصادية واجتماعية متشابكة تتطلب استجابة عالمية عاجلة”. وأكد الباحثون أن الأدوات والمعرفة متوفرة لتفادي الأسوأ، “لكن السؤال الجوهري يبقى: هل نمتلك الإرادة؟”.