آخر الأخبار

صناعة السيارات تكرس الريادة المغربية على مستوى القارة الإفريقية

شارك

شهد قطاع صناعة السيارات في المغرب خلال النصف الأول من سنة 2025 دينامية قوية تجسدت في تسجيل نمو بنسبة 36 في المائة في حجم الإنتاج، بحسب ما ورد في بلاغ رسمي صادر عن وزارة الصناعة والتجارة مطلع يوليوز الجاري.

ويُعد هذا الارتفاع مؤشراً دالاً على نجاعة التوجهات الصناعية الوطنية، التي تُراكم مكاسبها منذ أزيد من عقدين، كما يعكس تموقع المملكة الريادي بصفتها أول مصدر للسيارات في القارة الإفريقية. هذا الأداء يعزز الثقة في الرؤية الإستراتيجية التي تنبني على التصنيع التنافسي، وتكامل سلاسل القيمة، وجاذبية المنظومة المغربية للاستثمار الصناعي.

وأورد البلاغ أن عدد السيارات التي تم تصنيعها في المغرب خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2025 تجاوز 350 ألف وحدة، مقابل ما يقارب 257 ألف وحدة في الفترة نفسها من سنة 2024، وهو ما يعكس نمواً كمياً ملحوظاً يُعزى بالأساس إلى التوسع المستمر للمنصات الصناعية بكل من طنجة والقنيطرة.

كما أشار المصدر ذاته إلى أن هذا التطور تعززه الدينامية المتزايدة للاستثمارات الأجنبية، خصوصاً في قطاع مكونات السيارات وقطع الغيار، ما يمنح للمنظومة الصناعية الوطنية مزيداً من العمق والتكامل.

ويرتبط هذا النمو، أيضاً، بالاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يشهده المغرب، ما جعله من الوجهات المفضلة لدى كبار الفاعلين العالميين في قطاع صناعة السيارات، لاسيما من أوروبا وآسيا، وقد ساهمت في ذلك شبكة الاتفاقيات التجارية الحرة التي تربط المغرب بعدد من التكتلات الاقتصادية، إلى جانب البنية التحتية المتطورة، والتسهيلات الجبائية التي تُمنح للمستثمرين. وفي ظل هذه العوامل، عمدت شركات كبرى مثل “رونو” و”ستيلانتيس” إلى توسيع حجم إنتاجها، ما عزز حضور الصناعة العالمية فوق التراب الوطني.

وقال محمد زويري، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن تسجيل قطاع السيارات نموا بنسبة 36% لا يمكن فصله عن التوجهات الصناعية التي أطلقها المغرب منذ سنة 2014، التي جعلت من التصنيع الموجَّه نحو التصدير ركيزة أساسية في النموذج التنموي الوطني، وأكد أن هذا الارتفاع يُجسّد فعالية منظومة التكامل الصناعي التي تنسج علاقات مترابطة بين كبريات الشركات والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، ضمن سلاسل إنتاج محكمة التنظيم.

وأوضح الزويري، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن النجاح المسجل في قطاع السيارات لا يرتبط فقط بالأرقام، بل يعكس انتقالاً نوعياً في النموذج الاقتصادي المغربي، من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي موجه نحو القيمة المضافة والتشغيل، ولفت إلى ضرورة مواكبة هذا النمو بتوسيع قاعدة التكوين المهني والجامعي المرتبط بالهندسة والتكنولوجيا الصناعية، حتى لا يتحول التقدم الصناعي إلى مجرّد إنجاز ظرفي.

وأكد الخبير ذاته أن هذا النمو اللافت في قطاع صناعة السيارات يعكس حركية أعمق في البنية الاقتصادية الكلية للمغرب، ويُعبّر عن فعالية خياراته الماكرو-اقتصادية التي بدأت تُؤتي ثمارها؛ فالأمر لا يتعلّق بمجرد ارتفاع ظرفي في الإنتاج، بل بمؤشرات دالة على تنامي القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، واستقراره على مستوى الحسابات الخارجية، وتحسّن مناخ الأعمال، ومرونة في التعاطي مع التحديات الدولية.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المغرب استطاع، خلال السنوات الماضية، أن يعزّز مكانته كمنصة صناعية إقليمية بفضل وضوح الرؤية الحكومية، وتماسك السياسة النقدية والمالية، وكفاءة التدبير الضريبي؛ وهي عوامل تخلق بيئة مستقرة ومحفّزة لتدفّق الاستثمارات، وزاد أن هذا الاستقرار، في السياق الماكرو-اقتصادي، هو ما يضمن استدامة مثل هذا النمو، ويُحول الإنجازات القطاعية إلى دعائم حقيقية للناتج الداخلي الخام.

ورأى الخبير عينه أن الصناعة لم تعد مجرّد قطاع إنتاجي معزول، بل باتت مركز ثقل في معادلة التوازنات الاقتصادية الكبرى، وأن تعزيز حضورها يتطلب استمرارية في السياسات، وإرساء نموذج اقتصادي يزاوج بين الجاذبية الخارجية والقدرة الداخلية على الابتكار والإنتاج.

ومن الزاوية الميكرو-اقتصادية أوضح أستاذ الاقتصاد أن نمو قطاع السيارات بنسبة 36% لا ينعكس فقط على المؤشرات الكبرى، بل يمتدّ تأثيره إلى مستوى الفاعلين المباشرين داخل السوق: من مقاولات صغيرة ومتوسطة، ومناولين محلّيين، إلى يد عاملة مؤهلة في سلاسل الإنتاج.

هذا الارتفاع المحسوس في وتيرة التصنيع ساهم في توسيع قاعدة التشغيل، ورفع من الطلب على الكفاءات التقنية والهندسية، ما يدفع العديد من المقاولات المحلية إلى تطوير قدراتها التنافسية، وتحسين جودة خدماتها من أجل مواكبة متطلبات الشركات العالمية الكبرى المستقرة في المغرب. وهكذا تتحول هذه الدينامية إلى رافعة لتحسين الدخل الفردي، وتعزيز رأس المال البشري، وتوسيع دائرة الاندماج المهني لفئات واسعة من الشباب.

كما أن العلاقة التشاركية التي باتت تربط الشركات الكبرى بالمقاولات الصغرى داخل منظومة صناعة السيارات تخلق نوعاً من الاعتماد المتبادل، وتُحفز على الابتكار ونقل التكنولوجيا؛ وهذا ما يجعل من القطاع ليس فقط فضاءً للإنتاج، بل أيضًا مختبرًا حيًا لتطوير المهارات والخبرات المحلية، ومصدراً لخلق الثروة على المستويين الفردي والمؤسساتي.

من جانبه يرى عبد القادر فاسي الفهري، أستاذ الهندسة الاقتصادية بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس، أن النمو المسجل في صناعة السيارات بالمغرب لا يعبّر عن طفرة إنتاجية مؤقتة، بل يترجم تحولاً بنيوياً في عمق المنظومة الاقتصادية الوطنية، واعتبر أن هذا التحول يتجلى في انتقال المغرب من اقتصاد يرتكز على قطاعات تقليدية محدودة القيمة المضافة إلى اقتصاد صناعي منفتح، مندمج ضمن سلاسل القيمة العالمية، بما يعزز موقعه كمحور إستراتيجي في التبادل الصناعي بين أوروبا وإفريقيا.

وأشار المتحدث إلى أن هذا التوجه لم يكن ليُثمر لولا ما أسماها “الهندسة الاستباقية” التي تنتهجها الدولة، من خلال التخطيط طويل الأمد، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الواعدة، وخاصة تلك التي تجمع بين القدرة التصديرية العالية والإمكانات الكبيرة في خلق فرص الشغل ونقل التكنولوجيا.

وأكد فاسي الفهري، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الارتفاع بنسبة 36% لا ينبغي أن يُقرأ فقط كمؤشر كمي، بل يجب تحليله في ضوء قدرة المغرب على تعزيز تموقعه في السوق العالمية، خصوصاً في ظل التحولات الجارية في صناعة السيارات نحو المركبات الكهربائية والهجينة”، واعتبر أن المغرب أمام فرصة إستراتيجية لتوطين تكنولوجيا التصنيع النظيف، ما يستوجب تحفيز البحث والتطوير، وتحديث سلاسل التوريد لتتلاءم مع المعايير البيئية الجديدة.

كما نبّه الأستاذ ذاته إلى أن استدامة هذا النمو تقتضي ترسيخ مقاربة مندمجة للهندسة الاقتصادية، ترتكز على خلق شبكات إنتاج متكاملة محلياً، مع تقوية الروابط بين القطاع الصناعي والنسيج الجامعي والتقني،

وقال: “إن الاستثمار في رأس المال البشري، وتسهيل نقل التكنولوجيا، وتطوير البنيات اللوجستيكية، تبقى مفاتيح مركزية لضمان تموقع تنافسي دائم للمغرب داخل السوق العالمية للسيارات”.

وأشار الخبير نفسه في تحليله إلى أن الأثر الهيكلي لهذا النمو لا يظهر فقط في حجم الصادرات أو عدد السيارات المُصنعة، بل يتجلّى أساساً في إعادة تركيب العلاقات الاقتصادية داخل الفضاء الصناعي المغربي، حيث أصبحت مناطق مثل القنيطرة وطنجة تشكّل ما يُشبه “نوى إنتاجية ذكية” ترتبط بمنظومات دولية عبر واجهات بحرية ولوجستيكية، وبيّن أن هذا النموذج يُعيد صياغة مفهوم السيادة الصناعية، ليس من خلال الاكتفاء الذاتي، بل عبر التموضع كعنصر لا يمكن الاستغناء عنه في السلاسل العالمية للإنتاج.

وتابع فاسي الفهري بأن المغرب بات يُطوّر ما يُعرف بـ”التموقع غير المتماثل” في الاقتصاد العالمي، أي إنه لا يسعى فقط إلى لعب دور المصنع الثانوي للشركات الكبرى، بل إلى فرض شروطه من داخل الشبكات الدولية للإنتاج، عبر توفير الكفاءات، وإرساء بنية معيارية وقانونية محفزة، وجعل الفاعل المحلي عنصراً فاعلاً في اتخاذ القرار الصناعي، وأضاف أن هذا الاتجاه بدأ يثمر من خلال توقيع عقود شراكة إستراتيجية مع شركات تصنيع البطاريات الكهربائية، ما يمهّد لتحول المغرب إلى مركز إقليمي لتجميع المركبات النظيفة في أفق السنوات القليلة المقبلة.

واسترسل المتحدث موضحاً أن نجاح المغرب في بلوغ مرتبة الفاعل الصناعي الموجه يقتضي هندسة اقتصادية متعددة الأبعاد، تُوازن بين الجاذبية الاستثمارية والانبعاث الإنتاجي المحلي، وبين تحفيز التكنولوجيات الوافدة وتطوير القدرات الذاتية، وأبرز أن ما يميز التجربة المغربية في قطاع السيارات هو اعتمادها على “تصميم اقتصادي مدمج”، حيث يتم استثمار كل عنصر—من البنية التحتية إلى السياسات الجمركية، ومن الكفاءات التقنية إلى التمويل العمومي—كجزء من شبكة متراصة تخدم هدف إلى التموقع داخل سوق سيارات المستقبل، وخاصة سوق المركبات الكهربائية والذكية.

وأضاف المحلل ذاته أن هذا التصميم لا يُبنى فقط على وفرة الاستثمار أو التنافسية في الأجور، بل على القدرة على استشراف التحولات الكبرى في الطلب العالمي، وتكييف المنظومة الصناعية معها بسرعة وفعالية، وهو ما يفرض تعميق التعاون بين الفاعلين العموميين والخواص، وتوسيع صلاحيات وكالات التنمية الصناعية لتضطلع بأدوار أكثر دينامية في التخطيط والتوجيه.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا