أعادت قضية متابعة “بيدوفيل” يحمل الجنسية الألمانية أمام محكمة الاستئناف بمدينة طنجة، بعد اتهامه باستغلال عدد من الأطفال جنسيا، مرة أخرى إلى الواجهة الموضوع الذي يعلن عن نفسه بين الفينة والأخرى، مخلفا حالة من الخوف والهلع في صفوف الآباء والأمهات خوفا على أبنائهم من “الوحوش الآدمية” التي لا ترحم.
وتفتح القضية جرحا غائرا لدى المجتمع المغربي مع القضية وجرائمها المتكررة في البلاد، والتي تدفع كل مرة إلى رفع الأصوات عاليا بالتشدد في مواجهة المتورطين فيها واعتماد أسلوب الردع والحزم الكبير في التصدي لها.
في تعليقها على الواقعة الجديدة، قالت نجاة أنور، رئيسة منظمة “ما تقيش ولدي”، إن الهيئة تلقت “باستياء خبر توقيف مواطن أجنبي يحمل الجنسية الألمانية بمدينة طنجة، للاشتباه في تورطه في استغلال جنسي لأطفال مغاربة”.
وأضافت أنوار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الحادث، الذي وصفته بـ”المؤلم والمفجع”، ليس “واقعة معزولة؛ بل يعكس خللا عميقا في المنظومة الوطنية لحماية الطفولة، ويثير من جديد سؤال الفعالية والصرامة في مواجهة هذا النوع من الجرائم”.
وزادت الفاعلة الجمعوية موضحة أن تكرار هذه الجرائم من لدن أجانب يُظهر للأسف أن المغرب “لا يزال يُنظر إليه من قبل بعض المنحرفين كوجهة سهلة لارتكاب الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين، مستغلين الهشاشة الاجتماعية والفراغ التشريعي أو ضعف التنزيل العملي للقوانين”.
واعتبرت أنوار أن “الواقعة تجعلنا أمام فشل جماعي، سواء في الردع أم في المراقبة وتطبيق العدالة بشكل صارم وسريع”. وجددت الدعوة إلى مراجعة عاجلة للقوانين الزجرية، خصوصا حين يتعلق الأمر بجرائم جنسية ضد قاصرين ترتكب من لدن أجانب.
وشددت المتحدثة على ضرورة تطبيق “أقصى العقوبات المنصوص عليها في القانون، دون تساهل أو اعتبار لأي ضغوط دبلوماسية أو تسويات خارجية”. كما نادت بـ”تعزيز آليات التعاون بين المصالح الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني لرصد مبكر لحالات الاستغلال”، فضلا عن إنشاء سجل وطني وعلني للبيدوفيليين، يمنعهم من الاقتراب من الأطفال أو الأماكن التي يرتادها القاصرون.
وأكدت “ماتقيش ولدي” أن حماية الطفولة “ليست مجرد شعار؛ بل مسؤولية جماعية تتطلب إرادة سياسية وتعبئة مجتمعية ويقظة دائمة”، مشددة على أن “أطفال المغرب ليسوا للبيع ولا للاستغلال”.
أما حسن المرابط، رئيس رابطة الأمل للطفولة المغربية، فقد سجل أن النظر إلى “البيدوفيل الألماني” وطريقة الاستدراج وطبيعة الضحايا الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية هشة “يطرح إشكالية علاقة الظاهرة بظواهر اجتماعية أخرى؛ كالتشرد والفقر والهدر المدرسي”.
وأضاف المرابط، في تصريح لهسبريس، أن هذه القضية تدفع إلى التأكيد مرة أخرى على أهمية تبني “مقاربات مندمجة تجمع بين الوقاية عبر تفكيك العوامل والأسباب الاجتماعية التي تغذي الظاهرة؛ كمحاربة وتجريم التشرد وتقوية التماسك الأسري، وكذلك التحسيس بخطورة ظاهرة البيدوفيليا”.
كما شدد رئيس رابطة الأمل للطفولة المغربية على “أهمية المقاربة الزجرية، من خلال تشديد العقوبات على الجناة وشركائهم؛ بما يحقق الردع العام والخاص”.
ونبه الفاعل الجمعوي عينه إلى “ضرورة تحلي المؤسسات الأمنية ومختلف المتدخلين الاجتماعية والمدنيين باليقظة الكاملة؛ لأن هذا النوع من الجناة غالبا ما تظهر عليه تلك الميولات المنحرفة”.
وأشاد المرابط بـ”يقظة الجيران ومسارعتهم إلى التبليغ عن الجريمة”، معتبرا أن هذا الأمر يعطي “مؤشرا إيجابيا حول كيفية التعامل مع الظاهرة”، منبها في الآن ذاته لأهمية أدوار الإعلام والمجتمع المدني في التحسيس والتوعية، وإخراج هذه الجرائم من “الغرف المظلمة إلى ساحة النقاش العمومي؛ وهو ما من شأنه أن يساهم في الحد من الظاهرة”، وفق تعبيره.