في تطور خطير يعكس تصعيدًا ميدانيًا من قبل جبهة “البوليساريو”، شهدت مدينة السمارة هجومًا عنيفًا استُعملت فيه مقذوفات سقطت في مواقع تابعة لبعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، مما يشكل، حسب خبراء في العلاقات الدولية، تحديًا صارخًا للمنتظم الدولي، وانتهاكًا مباشرًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تتزايد فيه المطالب الدولية بتصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية، في ضوء اعتداءاتها المسلحة المتكررة، واستهدافها للمدنيين والبنية التحتية، وتنامي المؤشرات على صلاتها بشبكات الإرهاب في الساحل والصحراء.
وفي هذا السياق حذر عدد من الخبراء من أن التمادي في مثل هذه الأفعال المتهورة، التي طالت هذه المرة محيط بعثة أممية، يطرح تساؤلات جدية حول نوايا الجبهة، ومدى التزامها بالمسارات السلمية، كما يعزز وجاهة الدعوات المطالبة بتصنيفها ضمن الكيانات الإرهابية العابرة للحدود.
وفي هذا الإطار قال لحسن أقرطيط، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، إن “الهجوم الذي نفذته جبهة “البوليساريو” على مدينة السمارة يُعد تحديًا صارخًا للمنتظم الدولي، وعلى وجه الخصوص منظمة الأمم المتحدة، نظراً لأن المعطيات المتوفرة تفيد بأن المقذوفات التي استُعملت في هذا الهجوم سقطت في محيط أحد المواقع التابعة لقوات حفظ السلام الأممية (المينورسو)”.
وأبرز أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الاستهداف يُعتبر انتهاكًا مباشراً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجبهة والأمم المتحدة، ويعكس تمردًا واضحًا من طرفها على التزاماتها الدولية”.
وأوضح أن وجود قوات “المينورسو” في المنطقة قائم على تفويض صادر عن مجلس الأمن، وفي إطار مهمة محددة تتجلى في مراقبة وقف إطلاق النار، مما يجعل من استهداف محيط تواجدها “فعلًا متهورًا يحمل في طياته دلالة خطيرة تُسائل مدى التزام الجبهة بالمسارات السلمية، وتُقوّي، من جهة أخرى، الأصوات الداعية إلى تصنيفها حركة إرهابية”.
وتابع قائلا: “يأتي هذا الهجوم في سياق سلسلة من العمليات التي نفذتها الجبهة في مناطق مختلفة من الصحراء، مثل أوسرد والسمارة، والتي طالت في كثير من الأحيان المدنيين. غير أن استهداف موقع تابع لـ”المينورسو” يرفع من مستوى التهديد، ويُدخل الجبهة في صلب النقاشات الدولية الجارية بشأن تصنيفها كيانا إرهابيا”.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن هذا التوجه تعززه تقارير استخباراتية متعددة، من بينها “آخر تقرير صدر عن المخابرات الإسبانية في يونيو الجاري، وأشار إلى أن مخيمات تندوف تحولت إلى بؤر لتجنيد وتفريخ المتطرفين، في ظل الظروف الإنسانية المزرية التي يعيش فيها الشباب، مما يجعلهم فريسة سهلة للوقوع في أيدي الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء”.
وحسب أقرطيط، فقد أكدت التقارير أن بعض قيادات البوليساريو انضمت إلى تنظيمات إرهابية مصنفة دوليًا، من قبيل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، و”داعش – ولاية الصحراء”، و”أنصار الإسلام والمسلمين”، لافتا إلى أن هذه التنظيمات أظهرت تقاطعات واضحة مع “البوليساريو” فيما يخص الأهداف (ضرب استقرار الدول وزعزعة أمنها)، والتكتيكات (تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المدنيين)، فضلًا عن كونها تشكل جميعًا شبكات إجرامية عابرة للحدود تنشط في الاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة، وتمويل الإرهاب.
ووفقًا للتقارير ذاتها، فإن “هذا التهديد لا يخص فقط منطقة الساحل، بل يُنذر بتأثير مباشر على الأمن الأوروبي، لاسيما في ظل معطيات إضافية وردت في تقارير مثل تقرير صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، التي أشارت إلى ارتباط الجبهة بوكلاء إيران في المنطقة، خاصة حزب الله، وتحدثت عن تدريبات عسكرية لمقاتلي “البوليساريو” يشرف عليها حزب الله”، يضيف أقرطيط.
وأردف “يُضاف إلى ذلك ما صرحت به السلطات السورية الجديدة حول وجود مقاتلين من “البوليساريو” في السجون السورية، ممن شاركوا في النزاع خلال عهد بشار الأسد، الأمر الذي يؤكد انخراط الجبهة في صراعات مسلحة تتجاوز نطاق الصحراء وتُهدد الأمن الإقليمي والدولي”.
من جهة أخرى، أشار أقرطيط إلى “مشروع القانون الذي تقدم به السيناتور الجمهوري الأمريكي جون ويلسون، بدعم من عضو ديمقراطي، والذي يدعو إلى تصنيف جبهة “البوليساريو” منظمة إرهابية. ويعتمد هذا المشروع على كم من المعطيات الميدانية والموضوعية التي تعزز هذا التوجه”.
وختم تصريحه قائلا: “في ظل كل هذه المعطيات، فإن الهجوم الأخير على السمارة يشكل دليلًا إضافيًا على خطورة الجبهة، ويؤكد ضرورة التحرك العاجل لتصنيفها حركة إرهابية، حمايةً للسلم الإقليمي والدولي، وإنصافًا للضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء اعتداءاتها المتكررة”.
من جانبه قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض: “لا أعتقد أن توجهات “البوليساريو” في هذا المنحى تعبّر عن إفلاس في طروحاتها فحسب، بل تعكس أيضًا عجزها عن إقناع المجتمع الدولي والأمم المتحدة بمشروعها الانفصالي”.
وتابع ألكريني، في تصريح لهسبريس، “يمكن القول إن هذه التوجهات تعكس، من جهة أخرى، حجم الترحيب الدولي المتزايد بمقترح الحكم الذاتي، وتوجه عدد من القوى الدولية الكبرى نحو تبنّي هذا الخيار باعتباره الحل الواقعي والوحيد الكفيل بإنهاء هذا النزاع المفتعل”.
وذكّر بـ”اعتياد “البوليساريو”، كلما وجدت نفسها محاصَرة بمواقف دولية ترفض طروحاتها الانفصالية، العودة إلى واجهة الأحداث من خلال افتعال الأزمات”، مضيفا “لاحظنا ذلك فيما جرى في معبر الكركرات، وفي غيره من العمليات التي تسعى من خلالها “البوليساريو” إلى الظهور إعلاميًا، من خلال ما يمكن تسميته باستراتيجية افتعال الأزمات أو الإدارة بالأزمات”.
وأردف “أعتقد أن المجتمع الدولي، من خلال مواقفه المتعددة، أكد رفضه للتوجهات الانفصالية، كما حدث في حالات مثل إقليمي كتالونيا بإسبانيا وكردستان بالعراق، حيث كان الموقف الدولي واضحًا في رفض أي مساعٍ انفصالية.”
وأضاف في السياق نفسه “نلاحظ أن “البوليساريو” بدأت منذ فترة في التلويح بالعودة إلى الخيار العسكري، رغم أن قرارات مجلس الأمن كانت دائمًا واضحة في الدعوة إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يشكل دعوة صريحة موجهة إلى “البوليساريو” بالالتزام بعدم خرق هذه الاتفاقات التي سبق وأن انتهكتها بطرق متعددة”.
وأبرز لكريني أن “هذه السلوكات تتزامن مع تحركات بعض الأطراف داخل الولايات المتحدة الأميركية نحو تصنيف “البوليساريو” تنظيما إرهابيا، وهو أمر قد يعمق من عزلتها، ويفضح سلوكها غير المسؤول، الذي لا يستهدف المغرب فقط، بل يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي على حد سواء”.
وخلص إلى القول: “من المنتظر أن تعبّر الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن، عن رفضها لهذه الأفعال، باعتبارها تمثّل عرقلة لجهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن في التوصل إلى تسوية نهائية لهذا النزاع”.