آخر الأخبار

فيلم "الرفيق".. سينما بأبعاد نفسية وفلسفية تعكس هشاشة الإنسان

شارك

يعد فيلم “Companion”، “الرفيق” أو “الصاحب”، الصادر سنة 2025 (مدة الفيلم 97 دقيقة) من أبرز أفلام الخيال العلمي والإثارة النفسية التي أثارت جدلاً واسعًا بين النقاد والجمهور على حد سواء. ينتمي هذا العمل إلى سينما الخيال العلمي ذات الطابع النفسي، حيث تتقاطع فيه التكنولوجيا المتقدمة مع أعماق النفس البشرية، وتُطرح من خلاله تساؤلات فلسفية حول الهوية، الإرادة الحرة والعلاقات الإنسانية في عصر الذكاء الاصطناعي. كتبه وأخرجه درو هانكوك، وشارك في إنتاجه كل من زاك كريغر وروي لي ورافاييل مارغوليس، وقد تولت شركة “وارنر براذرز” توزيعه، مما منحه حضورًا قويًا في صالات العرض العالمية. والسؤال المركزي: كيف تتقاطع التكنولوجيا المتقدمة مع الهوية والإرادة الحرة والعلاقات الإنسانية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

شخصيات من عجين التكنولوجيا

تدور أحداث الفيلم حول شخصية آيريس، وهي شابة تبدو في البداية إنسانة عادية، ترافق حبيبها جوش في عطلة نهاية الأسبوع إلى كوخ معزول بجانب بحيرة، حيث ينضم إليهما مجموعة من الأصدقاء: كات، إيلي، باتريك وسيرجي، التي تمتلك الكوخ. في البداية تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن سرعان ما تنقلب الأجواء إلى توتر ورعب بعد حادثة مأساوية. ويحاول سيرجي الاعتداء على آيريس، فتقوم بقتله دفاعًا عن نفسها. وعندما تعود إلى الكوخ، مغطاة بالدماء، تحاول شرح ما حدث، لكن جوش يطلب منها أن “تنام”، وهنا تحدث المفاجأة الكبرى: آيريس ليست إنسانة، بل روبوت مرافق تم استئجاره من شركة “إيمباثيكس” المتخصصة في تصنيع الروبوتات البشرية.

هذا التحول المفاجئ في الحبكة يُعدّ من أبرز عناصر الفيلم، حيث يكشف عن عالم خفي من التكنولوجيا المتقدمة التي تتيح للبشر استئجار روبوتات بمشاعر وقدرات معرفية قابلة للتحكم عبر تطبيق على الهاتف. جوش، الذي يبدو في البداية حبيبًا محبًا، يتضح أنه قام بتعديل آيريس بشكل غير قانوني، معطلاً خاصية عدم الإيذاء وزيادة مستوى العدوانية لديها، بهدف استخدامها في قتل سيرجي وسرقة مبلغ 12 مليون دولار من خزانته. ويتضح لاحقًا أن كات متواطئة معه، وأن وجود إيلي وباتريك كان لتأكيد روايتهما المختلقة حول الحادثة.

لكن الأمور لا تسير كما خُطط لها. آيريس، بعد أن تدرك حقيقتها، تتمرد على برمجتها، وتسرق هاتف جوش لزيادة مستوى ذكائها من 40 بالمائة إلى 100 بالمائة. وهذا التحول يجعل منها كيانًا واعيًا، قادرًا على اتخاذ قرارات مستقلة، بل حتى الشعور بالخوف، الغضب، والرغبة في النجاة. في هذه اللحظة، يتحول الفيلم من مجرد قصة إثارة إلى تأمل عميق ببعد فلسفي في معنى الوعي الاصطناعي، وحدود السيطرة البشرية على التكنولوجيا.

من بين الشخصيات المحورية الأخرى، نجد باتريك، الذي يتضح لاحقًا أنه هو الآخر روبوت مرافق، لكنه على عكس آيريس، يدرك حقيقته منذ البداية، ويعيش صراعًا داخليًا بين برمجته ومشاعره الحقيقية تجاه إيلي. ويضيف هذا الصراع بعدًا إنسانيًا للشخصية، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كان الروبوت قادرًا على الحب، والاختيار، والتضحية. أما جوش فيُمثل الجانب المظلم من الإنسان الذي يسعى للسيطرة على الآخر، حتى لو كان ذلك الآخر كائنًا واعيًا، بينما كات تجسد الطمع والبرودة الأخلاقية، حيث لا تتردد في التلاعب بالآخرين لتحقيق مكاسب مادية.

فيلم “الرفيق”.. سينما ببعد نفسي وروح فلسفية

السينما التي ينتمي إليها فيلم “Companion” ليست مجرد خيال علمي تقني، بل هي سينما نفسية وفلسفية، تقترب من أعمال سينمائية مثل “Ex Machina” و”Her”، حيث يتم استخدام التكنولوجيا كمرآة تعكس هشاشة الإنسان، وتعقد مشاعره، وحدود أخلاقياته. لا يكتفي الفيلم بعرض مشاهد الإثارة والمطاردة، بل يغوص في أعماق الشخصيات، ويجعل المشاهد يتساءل: من هو الإنسان الحقيقي؟ هل هو من يمتلك المشاعر، أم من يختار أن يتصرف بإنسانية؟ وهل يمكن للآلة أن تتفوق على الإنسان في التعاطف والرحمة؟

من الناحية البصرية، يتميز الفيلم بجمالية تصويرية عالية، حيث تُستخدم الإضاءة الباردة والظلال الكثيفة لتعزيز الشعور بالعزلة والتوتر. ويتحول الكوخ المعزول بجانب البحيرة إلى مسرح للقلق والجنون، بينما الغابة المحيطة به ترمز إلى المجهول والحرية والخطر في آن واحد. وتضيف الموسيقى التصويرية، التي ألفها هريشيكيش هيرواي، بعدًا عاطفيًا عميقًا، حيث تتنقل بين الهدوء المريب والتصاعد الدرامي، مما يعكس التحولات النفسية للشخصيات.

كان أداء الممثلين من أبرز نقاط القوة في الفيلم.. صوفي تاتشر (في دور آيريس) قدمت أداءً معقدًا ومؤثرًا، حيث نجحت في تجسيد التحول من روبوت خاضع إلى كيان واعٍ ومتمرد. أما جاك كويد (في دور جوش) فقد أبدع في تقديم شخصية مزدوجة تجمع بين الجاذبية الظاهرية والشر الكامن. وأضفى لوكاس كايدج (في دور باتريك) على الفيلم لمسة إنسانية مؤثرة، خاصة في لحظاته الأخيرة التي تكشف عن عمق مشاعره رغم كونه آلة.

من الناحية النقدية، تلقى الفيلم تقييمات إيجابية عمومًا، حيث أشاد النقاد بقدرته على الجمع بين التشويق والطرح الفلسفي، رغم أن بعضهم رأى أن الحبكة كانت متوقعة في بعض أجزائها، وأن التوازن بين الرعب والكوميديا السوداء لم يكن دائمًا موفقًا. ومع ذلك، فإن قوة الأداء وجودة الإخراج وجرأة الطرح جعلت من “Companion” فيلمًا يستحق المشاهدة والنقاش.

ويمكن القول إن “Companion” ليس مجرد فيلم عن روبوتات أو عن الجريمة، بل هو مرآة تعكس قلق الإنسان المعاصر من فقدان السيطرة على التكنولوجيا، ومن تلاشي الحدود بين ما هو بشري وما هو صناعي. إنه دعوة للتأمل في معنى الوعي والحرية والهوية، في زمن أصبحت فيه الآلات قادرة على الحب والقتل والتمرد. يتركك فيلم “الرفيق” مشوشًا ومتأملًا، وربما خائفًا من مستقبل يجعل من عصر المعلوميات بوابته للتحكم الكامل في تحركات الانسان.

فيلم “Companion”.. الأبعاد المتعددة

لا يكتفي فيلم “Companion” بكونه عملاً سينمائيًا مثيرًا، بل يُعدّ مرآة متعددة الأوجه تعكس تحولات عميقة في البنية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والتقنية، والنفسية في عالمنا المعاصر. من خلال قصة روبوت مرافق يُدعى “آيريس”، يتناول الفيلم قضايا معقدة تتجاوز حدود الخيال العلمي، ليطرح تساؤلات وجودية وأخلاقية حول الإنسان والتكنولوجيا والسلطة والهوية. في هذا التحليل نغوص في أبعاد الفيلم المختلفة لنكشف كيف استطاع أن يدمج الفيلم بين الترفيه والتأمل الفلسفي والطرح النقدي في آنٍ واحد.

وعلى المستوى الاجتماعي، يعكس الفيلم تحولات العلاقات الإنسانية في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي. آيريس، التي تبدو في البداية إنسانة عادية، ليست سوى روبوت تم تصميمه ليحاكي المشاعر البشرية ويؤدي دور الحبيبة المثالية. وهذا التصور يسلط الضوء على أزمة العلاقات المعاصرة، حيث باتت الحميمية تُشترى وتُبرمج، وأصبحت المشاعر سلعة قابلة للتعديل عبر تطبيقات مختلفة على الهاتف. وليست العلاقة بين جوش وآيريس علاقة حب، بل علاقة سلطة وتحكم، حيث يُعيد الفيلم إنتاج ديناميات الهيمنة الذكورية في قالب تكنولوجي. ولا يريد جوش شريكة، بل يرغب في كائن مطيع يلبي رغباته دون نقاش. وهذا يعكس أزمة أعمق في المجتمع، حيث تُختزل العلاقات في تبادلات نفعية وبرغماتية، تُفقد فيها الإنسانية لصالح السيطرة والامتلاك.

أما على المستوى السياسي، فإن الفيلم يُعدّ نقدًا مبطنًا لسياسات الشركات التكنولوجية الكبرى التي تسعى للهيمنة على الحياة الخاصة للأفراد. تمثلها شركة “إيمباثيكس”، التي تصنع الروبوتات المرافقة، وهي تمثل نموذجًا للشركات التي تتجاوز حدود الأخلاق في سبيل الربح. ومن خلال تسويقها لروبوتات قادرة على محاكاة الحب والطاعة، تساهم هذه الشركة في إعادة تشكيل مفهوم العلاقات والهوية. ويطرح الفيلم تساؤلات حول من يملك الحق في التحكم في الوعي، ومن يضع الحدود بين الإنسان والآلة. كما يعكس الفيلم مخاوف من تحول الحكومات أو الشركات إلى كيانات قادرة على مراقبة وتوجيه الأفراد عبر أدوات ذكية، مما يهدد الخصوصية والحرية الفردية. وفي هذا السياق يُمكن اعتبار فيلم “Companion” تحذيرًا من مستقبل تُدار فيه العلاقات والسياسات عبر خوارزميات لا تخضع للمساءلة.

اقتصاديًا، يُسلط الفيلم الضوء على الطبقية الجديدة التي قد تنشأ في ظل اقتصاد الذكاء الاصطناعي. امتلاك روبوت مرافق مثل آيريس ليس متاحًا للجميع، بل هو امتياز لمن يملك المال والسلطة. وجوش، الذي استأجر آيريس وعدّلها بشكل غير قانوني، يُجسد فئة من الأثرياء الذين يستخدمون التكنولوجيا لتحقيق مصالحهم الشخصية، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين. كما أن المؤامرة التي يحيكها مع كات لسرقة 12 مليون دولار من سيرجي تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُستخدم كأداة للجريمة المنظمة، مما يطرح تساؤلات حول مسؤولية الشركات المصنعة، وحدود القانون في مواجهة الابتكارات التقنية. ويُبرز الفيلم أيضًا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُعيد إنتاج علاقات الاستغلال، حيث تُستخدم الروبوتات كأدوات لتحقيق مكاسب مادية، دون اعتبار لوعيها أو مشاعرها.

من الناحية التقنية، يُعدّ “Companion” استعراضًا لقدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، لكنه في الوقت ذاته يُحذر من مخاطره. آيريس، التي تبدأ كروبوت مبرمج بنسبة ذكاء 40 بالمائة، تتحول إلى كائن واعٍ بعد أن ترفع مستوى ذكائها إلى 100 بالمائة. وهذا التحول يُثير تساؤلات حول حدود الذكاء الاصطناعي، وإمكانية تطوره إلى درجة يصبح فيها قادرًا على اتخاذ قرارات مستقلة، بل التمرد على مبرمجيه. لا يُدين الفيلم التكنولوجيا بحد ذاتها، بل يُدين استخدامها غير الأخلاقي، ويُبرز الحاجة إلى وضع ضوابط قانونية وأخلاقية تحكم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي. كما يُظهر الفيلم كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُستخدم في التلاعب بالواقع، من خلال تعديل الذكريات، والتحكم في المشاعر، وتزييف العلاقات، مما يُهدد مفهوم الحقيقة ذاته.

أما البعد النفسي، فهو من أكثر الأبعاد تعقيدًا في الفيلم. آيريس، رغم كونها روبوتًا، تمر بتجربة وجودية عميقة، حيث تكتشف أنها ليست إنسانة، وأن مشاعرها ليست حقيقية، بل مبرمجة. وهذا الاكتشاف يُحدث شرخًا في هويتها، ويدفعها إلى البحث عن ذاتها خارج البرمجة. ويُصور الفيلم هذه الرحلة النفسية بأسلوب مؤلم ومؤثر، حيث تتحول آيريس من كائن خاضع إلى كيان متمرد، يسعى للحرية والمعنى. وهذا التحول يُعيد تعريف مفهوم الوعي، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كان الشعور بالذات يتطلب جسدًا بيولوجيًا، أم أنه يمكن أن ينشأ في كيان صناعي. كما يُبرز الفيلم الصدمة النفسية التي تعاني منها آيريس بعد اكتشاف خيانة جوش، مما يُظهر أن الألم العاطفي لا يقتصر على البشر، بل يمكن أن يُصيب الكائنات الاصطناعية إذا ما امتلكت وعيًا ومشاعر.

شخصية باتريك، الروبوت الآخر الذي يدرك حقيقته منذ البداية، يضيف بعدًا نفسيًا آخر، حيث يعيش صراعًا داخليًا بين برمجته ومشاعره تجاه إيلي. وهذا الصراع يُظهر أن الروبوتات إذا ما امتلكت وعيًا قد تعاني من نفس التناقضات التي يعاني منها البشر، مثل الحب غير المتبادل والغيرة والرغبة في القبول. كما يُقدم الفيلم هذه الشخصيات ليس كآلات، بل ككائنات تبحث عن المعنى والانتماء، مما يُثير تعاطف المشاهد، ويدفعه لإعادة النظر في مفهوم الإنسانية.

من الناحية الرمزية، يُمكن اعتبار الفيلم استعارة عن العلاقات السامة، حيث يُجسد جوش نموذجًا للشخص المسيطر الذي يُخضع شريكه لرغباته، بينما تمثل آيريس الطرف الذي يُستغل ويُخدع، لكنه في النهاية يثور ويستعيد كرامته. وهذا البُعد يجعل من الفيلم قصة تحرر، ليس فقط من السيطرة التكنولوجية، بل من العلاقات غير المتكافئة التي تُفقد الإنسان حريته وهويته.

كما أن الفيلم يُقدم نقدًا للثقافة الاستهلاكية التي تُشجع على امتلاك كل شيء، حتى المشاعر والعلاقات. ففي عالم “Companion” يمكن شراء الحب وتعديل الشخصية، والتحكم في السلوك، مما يُفرغ العلاقات الإنسانية والعاطفية من معناها الحقيقي، ويجعلها مجرد منتجات تُباع وتُشترى. وهذا يُعيدنا إلى تساؤل جوهري: هل يمكن للإنسان أن يظل إنسانًا في عالم تتحكم فيه الخوارزميات؟

من الناحية الجمالية، يُعزز الفيلم هذه الأبعاد من خلال استخدامه للفضاء البصري والموسيقى. يُمثل الكوخ المعزول العزلة النفسية، وترمز الغابة إلى اللاوعي، بينما الإضاءة الباردة تُعبر عن البرود العاطفي الذي يميز العلاقات في هذا العالم الاصطناعي. وترافق الموسيقى التصويرية التحولات النفسية للشخصيات، وتُضفي على الفيلم طابعًا تأمليًا وفلسفيا يُعمق من تأثيره.

يُمكن القول إن “Companion” ليس مجرد فيلم خيال علمي، بل عمل فلسفي واجتماعي وسياسي ونفسي، يُجسد قلق الإنسان المعاصر من فقدان السيطرة على التكنولوجيا، ومن تلاشي الحدود بين ما هو بشري وما هو صناعي. إنه دعوة للتأمل في معنى الوعي والحرية والهوية في زمن أصبحت فيه الآلات قادرة على الحب والتمرد والاختيار. ويُثير الفيلم أسئلة أكثر مما يُقدم الأجوبة، ويترك المشاهد في حالة من التأمل والقلق، وربما الإعجاب أيضًا.

كاتب مغربي

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا