آخر الأخبار

انتقادات ترافق تهجم "داعية" على إرث الشيخ الجزولي صاحب "دلائل الخيرات"

شارك

أثار تهجُّم الداعية التطواني المعروف بـ”رضوان عبد السلام” على الإنتاج العلمي للشيخ محمد بن سليمان الجزولي، صاحب كتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار”، ذائع الصيت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، جدلًا واستنكارًا في أوساط المهتمين بالشأن الديني في المغرب، خاصة في الجنوب المغربي الذي نشأ فيه الجزولي، إذ عبّروا عن رفضهم الشديد التطاول غير المبرر على أحد أعلام التصوف المغربي، والمسّ بمكوِّن مهم من مكوِّنات الإرث الروحي والعلمي الذي ساهم في تشكيل الهوية الدينية للمملكة.

وكان الداعية ذاته بث منشورًا على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن تفاعلًا مع سؤال وُجِّه إليه حول رأيه في الكتاب المذكور، قال فيه: “كان أحد مشايخنا يسمّيه دلائل الخيبات، لما فيه من الشرك والبدع والخرافات”، مضيفًا أن “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار” هو “من أقبح الكتب الموجودة”.

ووُلد الشيخ الجزولي، واسمه الكامل أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن سليمان الجزولي، في بلاد جزولة بمنطقة سوس جنوب المغرب في بداية القرن التاسع الهجري، ودرس بجامعة القرويين بمدينة فاس، وهو أيضًا أحد رجالات مراكش السبعة؛ وقد لاقى كتابه المشهور سالف الذكر، الذي يتناول صيغ الصلاة على النبي محمد مقسمة على أيام الأسبوع، شعبية واسعة في العالم، وكتب عنه عدد من المهتمين، بمن فيهم العلامة محمد المهدي الفاسي، صاحب كتاب “ممتع الأسماع بالجزولي والتباع وما لهما من الأتباع”.

في هذا الصدد قال عبد الله توفيق، فقيه مدرسة “سيدي أحمد أوموسى” بمنطقة تازروالت، إن “الإنسان المسلم لا يجوز له أن يتهجم أو يغتاب أخاه المسلم، فما بالك بالعلماء والفقهاء”، وزاد: “هؤلاء الذين يتهجمون اليوم على الشيخ محمد بن سليمان الجزولي يجب أن يعرفوا أن الرجل من أكابر علماء المغرب الذين أنتجوا العديد من المؤلفات القيّمة، وعلى رأسها كتاب ‘دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار’، الذي جمع فيه صيغًا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم”.

وأضاف توفيق في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “الله تعالى صلّى على نبيه الكريم وأمر عباده بالصلاة عليه، مصداقًا لقوله تعالى في الآية السادسة والخمسين من سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. كما أن الرسول قال: (من صلّى عليّ واحدة، صلّى الله عليه بها عشرًا)، وبالتالي فإن القول إن هذا الكتاب فيه شرك أو بدع أو خرافات ما هو إلا بهتان عظيم، يجب على قائله أن يتوب إلى الله عز وجل”.

وذكر المتحدث ذاته أن “هناك العديد من العلماء والفقهاء الذين كتبوا في الصلاة على النبي، من بينهم الشيخ محمد المختار الوزاني، صاحب كتاب ‘الجامع المختار في الصلوات المحمدية’، وغيرُه من العلماء الذين صاغوا صيغًا للصلاة على رسول الله؛ ذلك أن صياغة المسلم صيغة للصلاة على النبي أمر مشروع، وأمّها الصلاة الإبراهيمية”، مشددًا على “انتشار ما تسمى الفتاوى الرقمية، والإفتاء عن غير علم، بسبب الجهل بالدين”، وتابع: “خيرٌ للذين ليسوا أهلًا للفتوى والحديث في أمور الدين والفقه أن يصمتوا ويكفّوا المسلمين شرهم، ويتركوا هذا العمل لأهل الاختصاص من العلماء الراسخين في العلم”.

من جانبه اعتبر إبراهيم الطاهيري، باحث في الشأن الديني، أن “التهجُّم على الفقهاء والعلماء المغاربة يأتي في سياق التهجُّم على كل ما له خصوصية محلية، سواء في الفقه أو في التصوف أو في التاريخ أو غيره؛ وما يدل على ذلك أن الأشخاص أنفسهم والتوجه الفكري نفسه هو الذي يقود مثل هذه الحملات التي تستهدف نمط التدين المغربي والاختيارات المغربية في التمذهب والفقه والتصوف”.

وأضاف الطاهيري: “في هذا السياق يأتي التهجُّم على شخصية علمية فريدة من نوعها من حجم سيدي محمد بن سليمان السملالي الجزولي، الذي ترك بصمته في التاريخ المغربي، وهو من أعلام القرن التاسع الهجري، وله قصص كثيرة تدل على أن الرجل كان له من الصلاح ومن الولاية ما يؤهله ليكون شخصية اعتبارية يفتخر بها المغرب، خاصة إنتاجه الدالّ المتمثل في كتاب ‘دلائل الخيرات’، الذي يفتخر به المغرب أمام الأمم، بحيث يُدرَّس في أرقى الجامعات، ويتخذه الكثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها منهاجًا يُتلى في الكثير من المؤسسات والمساجد”.

وذكر المتحدث لهسبريس أن “التهجُّم على شخصية من هذا النوع لم يأتِ من فراغ، بل جاء أولًا لأن الرجل ينتمي إلى الجنوب المغربي باعتباره مجالًا منتجًا للنموذج الفريد من التدين المغربي، ولكونه أيضًا يمثل التيار الصوفي المغربي”، مبرزًا أن “المفارقة العجيبة أن هؤلاء الأشخاص يتهجّمون على إنتاجات الجزولي لأنه ألّف في الصلاة على النبي، لكن في المقابل لا نراهم يتكلمون بالحدة نفسها والمنطق نفسه عن كتاب ابن القيم، الذي ألّف كذلك في الصلاة على الرسول؛ ومن هنا تظهر لنا طبيعة الازدواجية التي يتبنّاها هؤلاء في التعاطي مع القضايا الفكرية والدينية للمغرب والمغاربة”.

وشدّد الباحث ذاته على أن “تقزيم الفكر والإنتاجات المحلية المغربية هو منهاج هؤلاء في التعاطي مع القضايا الفكرية والشرعية، إذ يقدّمون الآراء المشرقية على الآراء المغربية؛ غير أن ما نراه اليوم هو تعاظم الوعي المغربي، الذي يجعل من مثل هذه الآراء مجرد آراء نشاز، لا يوجد لها أي موطئ قدم في الوعي المغربي الذي يعتز بأصالته ورجالاته وأعلامه ومنهجه التديني ونمطه الفقهي والفكري والتصوفي”.

ولشرح موقفه حول هذا الموضوع والرد على الانتقادات التي طالته حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية التواصل مع الداعية رضوان بن عبد السلام عدة مرات، غير أن هاتفه ظل يرن دون مجيب، رغم ترك رسالة نصية في هذا الشأن.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا