آخر الأخبار

المغرب يرفع وتيرة الاستثمار في قطاعات استراتيجية ذات جاذبية عالمية

شارك

ثمّن محللون وأكاديميون اقتصاديون مخرجات “اللجنة الوطنية للاستثمارات”، المنعقدة في ثامن دوراتها بالرباط، وحصيلة عملها منذ اعتماد ميثاق الاستثمار الجديد (مارس 2023)، خاصة بمصادقتها على “36 مشروع اتفاقية و11 ملحق اتفاقية، تندرج في إطار نظام الدعم الأساسي للاستثمار”، مبرزين أهمية وأثر ما تحمله “القيمة الاستثمارية الإجمالية للمشاريع ونوعية القطاعات، فضلا عن آفاق إحداثها لمناصب الشغل المرتقبة، من إعادة تموقع للمملكة ضمن سلاسل القيمة العالية”، مع “ضمان تحقيق جهويّة الخريطة الاستثمارية”.

وإجمالا، صادقت اللجنة، الخميس، على 47 مشروعا تناهز قيمتها 51 مليار درهم، أعلنت المعطيات الرسمية أن “هذه المشاريع ستمكن من إحداث قرابة 17.000 منصب شغل، من بينها 9.000 منصب شغل مباشر، و8.000 منصب شغل غير مباشر”، بـ”زيادة واضحة” مقارنة بالدورة السابقة من حيث القيمة المالية والعدد، حسب محللين استطلعت هسبريس آراءهم.

قطاعات جاذبة عالية القيمة

قال محمد عادل إيشو، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة بني ملال، إن “المغرب يواصل توجيه استثماراته نحو القطاعات ذات الجاذبية العالمية، وفي مقدمتها صناعة السيارات التي استأثرت بحوالي 54% من فرص الشغل المرتقبة”.

وبحسبه، فهذا “التموقع يؤكد استمرار المملكة في تعزيز حضورها ضمن سلاسل القيمة العالمية لهذا القطاع الحيوي”، منبها ضمن تصريح لهسبريس إلى أن “هذا التركيز المفرط قد يحمل في طياته بعض المخاطر البنيوية، خاصة في ظل التحولات المفاجئة التي يعرفها السوق الدولي للسيارات، كما سجل خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تراجعا ملحوظا في أداء القطاع”.

وأشار إيشو إلى “التحديات المرتبطة بالتطور السريع في تقنيات الإنتاج، وعلى رأسها الانتقال المتسارع نحو السيارات الكهربائية”، مؤكدا أن “من الضروري أن يعمل المغرب على تنويع قاعدته الصناعية وتعزيز منظوماته الإنتاجية المبنية على الابتكار، والانفتاح على أسواق وشركاء جدد من أجل ضمان صلابة اقتصاده في مواجهة الصدمات المحتملة”.

وذكر الاقتصادي ذاته أن “الرهان المركزي الذي تضعه المملكة اليوم يتمثل في ضخ جرعات من الأوكسجين في سوق الشغل الذي ظل يعاني من ضغوط متزايدة خلال السنوات الأخيرة”، وقال: “هذا التوجه يتقاطع مع خارطة الطريق الوطنية للتشغيل التي تم إطلاقها بميزانية تفوق 15 مليار درهم، ما يعكس وعيا مؤسساتيا بضرورة تسريع وتيرة الإدماج المهني”.

“الدورة الحالية جاءت لتدعم هذا المسار من خلال مشاريع ينتظر أن توفر حوالي 17.000 منصب شغل”، يسترسل المحلل الاقتصادي، مردفا: “غيْرَ أن سؤال الجودة يظل مطروحا بإلحاح: هل هذه المناصب ذات طابع مستدام وقيمة مضافة حقيقية أم إنها تتركز في قطاعات يعاني بعضها من هشاشة تشغيلية كترحيل الخدمات؟ كما أن مدى ملاءمة هذه الفرص لمهارات الشباب المغربي الحالي تبقى تحديًا يتطلب معالجة أشمل للمنظومة التكوينية”.

“توسيع الخريطة الاستثمارية”

ما يلفت الانتباه أيضًا، وفق أستاذ الاقتصاد، هو “سعي هذه الدورة إلى توسيع الخريطة الاستثمارية لتشمل أقاليم بعيدة عن المركز مثل بني ملال، الرشيدية، وزان، شفشاون، تارودانت وبوجدور. وقال معلقا: “هذا التوجه يعكس محاولة حقيقية لتعزيز العدالة المجالية وتقليص الفوارق بين الجهات، لكنه يظل نسبيًا أمام حجم الخصاص الذي تعانيه هذه المناطق من ضعف في البنيات التحتية ونقص في الموارد البشرية المؤهلة لاستقطاب استثمارات كبرى. نجاح هذه المشاريع في تحقيق أثرها المرجو رهين بمدى قدرة الدولة على مواكبة هذه الدينامية من خلال برامج تأهيل الكفاءات، وتطوير الربط اللوجستيكي، وتحسين جودة الحياة عبر توفير خدمات صحية وتعليمية وترفيهية متكاملة. مثل هذه التدخلات من شأنها أن تخلق بيئة محفزة لترحيل الكفاءات من المراكز الحضرية الكبرى نحو الأقاليم الأقل حظًا”.

وفي تقديره، فإن منح الطابع الاستراتيجي لخمسة مشاريع كبرى خلال هذه الدورة يعد “خيارًا إيجابيًا بالنظر إلى تأثيرها المتوقع على النسيج الاقتصادي الوطني”، ملاحظا أن “التجربة المغربية تفرض بعض التحفظ، ولوحظ في العديد من المحطات السابقة أن الامتيازات الممنوحة للمستثمرين الاستراتيجيين لم تكن دائمًا مقرونة بآليات صارمة لضمان وفائهم بالتزاماتهم، خاصة فيما يتعلق بتشغيل اليد العاملة ونقل التكنولوجيا”، ما يبرز “أهمية بناء منظومة فعالة لرصد وتقييم الأثر الحقيقي لهذه المشاريع على المدى المتوسط والبعيد، ويمكن في هذا الإطار التفكير في إشراك المختبرات الجامعية ومراكز البحث في إعداد تقارير دورية ودراسات ميدانية تساعد على صياغة مقترحات عملية لتطوير الأداء الاستثماري”.

أما القرار المتعلق بتفويض دراسة المشاريع التي تقل قيمتها عن 250 مليون درهم للمستوى الجهوي، فيمثل “قفزة نوعية نحو تكريس مبدأ الجهوية المتقدمة وتوسيع هامش اتخاذ القرار على المستوى المحلي. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا التوجه مشروطًا بتعزيز قدرات الفاعلين الجهويين سواء من حيث الموارد البشرية أو من حيث تبسيط المساطر وتحسين أداء المراكز الجهوية للاستثمار لتكون قادرة على الاستجابة بالسرعة والكفاءة المطلوبة”، يختم المتحدث ذاته.

“أكثر عدداً وقيمة”

بدوره، أكد عبد الرزاق الهيري، مدير المختبر متعدد التخصصات في الاقتصاد والمالية وتدبير المنظمات، أن “اللجنة الوطنية للاستثمارات عقدت دورتها الثامنة وصادقت على مشاريع أكثر (من الدورة السابعة) من حيث العدد والقيمة”.

كما رصد أستاذ الاقتصاد بجامعة فاس، مصرحا لهسبريس، أن “مناصب الشغل المرتقب إحداثها في الدورة الثامنة بلغت 17 ألفا، وهو مِثل مخرجات الدورة السابعة”، بتعبيره، مثيرا أن “المشاريع شملت أساسًا نحو خمسة قطاعات استراتيجية، أبرزها: السيارات، المعادن، الكيمياء، النسيج”، عادّا “صناعة السيارات قاطرة التنمية الصناعية للمغرب”.

واعتبر أن “هذه المشاريع تعكس السياسة الصناعية التي انتهجها المغرب منذ بداية القرن الـ21″، فـ”الهدف من الميثاق الجديد للاستثمار هو جعل الاستثمار الخاص يشكل ثلثيْ إجمالي الاستثمارات بحلول 2025″، معتبرا “المجهودات الحالية في الاستثمار غير كافية بالمقارنة مع الإمكانات المتاحة”، بتوصيفه.

وأجمل قائلا: “هناك حاجة لإصلاح مناخ الأعمال وخلق الثقة بين المستثمرين والاقتصاد الوطني من خلال إصلاحات مؤسساتية فعالة وناجعة، مع تركيز المجهود الاستثماري للقطاعين الخاص والعمومي على السواء”.

وبعدما شدد على أن “المؤسسات والمقاولات العمومية تلعب دورا حاسما في الاستثمارات”، استحضر الهيري أيضا “صندوق محمد السادس للاستثمار الذي يخصص غلافا ماليا كبيرا لدعم الدينامية مع تركيز خاص على تطوير البنيات التحتية الضرورية”، خاتما بأن “قانون المالية 2025 توقّع تحقيق 350 مليار درهم من الاستثمارات العمومية. كما أن تحقيق هذا الغلاف المالي يعتبر عاملا مهما لدعم الاستثمارات الخاصة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا أمريكا دونالد ترامب إيران

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا