بعدما دخلت الحرب الإسرائيلية الإيرانية يومها الـ12، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن اتفاقا تاما جرى بين تل أبيب وطهران يقضي بوقف إطلاق نار كامل وشامل.
ويأتي هذا التصريح مباشرة بعد رد إيراني على الولايات المتحدة، من خلال عملية مشتركة للقوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري، عبر شن هجوم على قواعد أمريكية في قطر ضمن ما أسمته “عملية بشائر الفتح”. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، فإن وزير الخارجية الإيراني قال: “عمليتنا ضد إسرائيل استمرت حتى الدقيقة الأخيرة؛ ما خلف 4 قتلى و22 مصابا، وخسائر مادية كبيرة ببئر السبع، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وعن هذه المبادرة التي وافقت عليها إيران وإسرائيل، قال أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية: “هذا هو المآل المنتظر من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها لا ترغب في غزو إيران، لعدة اعتبارات منها شساعة مساحة هذه الدولة، التي تقدر بمليون و600 ألف مربع، ما يتطلب توظيف قوات كبيرة قد تفوق 200 ألف عسكري لتغطية هذه المساحة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فالتجربة العراقية التي اعتمدت فيها أمريكا في غزوها على 100 ألف ما زالت مترسخة في ذاكرة صاحب القرار والرأي العام الأمريكي، بفعل ما خلفه من ضحايا بالآلاف بين قتيل وجريح ومعطوبين، إلى جانب الخسائر المادية التي بلغت ما يزيد عن 3 آلاف مليار دولار؛ وبالتالي فالخسائر في حالة دخولها إيران يمكن أن تكون أضعافا مضاعفة.
وبناء عليه، فلو لم تضع هذه الحرب أوزارها، فالولايات المتحدة الأمريكية، كانت ستجد نفسها مضطرة لو استدعى الأمر إلى اللجوء إلى الهجمات الجراحية الدقيقة، من خلال توجيه ضربات صاروخية جوا وبحرا، من القواعد العسكرية المحيطة بإيران للمراكز الاقتصادية الحيوية، والعسكرية، والموانئ والطرق والسكك الحديدية؛ ما سيجعل إيران تعود إلى الوراء قرونا، كما هو الحال بالعراق وأفغانستان. وهذا الأمر سيساعد على سقوط النظام الحاكم، وفق تصريح هذا الباحث الجامعي للجريدة الإلكترونية هسبريس.
وتابع المتحدث نفسه قائلا: “إلى جانب هذه الضربات الجراحية الدقيقة، يمكن اعتماد إنزال أمريكي للقوات الخاصة للمحطات النووية، وخاصة المفاعل الأكبر بوشهر بميناء بندر عباس بالخليج العربي، فلا الولايات المتحدة الأمريكية ولا إسرائيل يمكنهما المغامرة بتفجيره، لانعكاساته السلبية إذ قد تصل اشعاعاته إلى كل المجال الإقليمي ومصر وإفريقيا، لذا يجب تحييده بتفكيكه.
وعن هذا الهجوم الرمزي الإيراني، أوضح أحمد نور الدين أن الأمر لا يخرج عن قاعدة الخمسينات بالعالم العربي، والتي تتمثل في عدم توازن شعاراتها الفضفاضة مع مقدراتها العسكرية والتنموية، من قبيل تجربة مصر عبد الناصر، وليبيا القذافي، وصدام حسين بالعراق، وهذا النموذج يحضر في التجربة الإيرانية، إذ لوحظ كيف تعرضت لضربات قضت فيها على كبار القيادات العسكرية والمخابرات والأمنية، وكيف كانت ردود الفعل محسوبة، تتنافى مع شعارات القضاء على إسرائيل. وتوجيه الصواريخ إلى قاعدة العديد فيه جبن، وفيه رسالة الجنوح إلى السلم، إذا لو كانت لها رغبة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، لوجهت صواريخها إلى الأسطول الأمريكي الذي يوجد على مقربة من حدودها الإقليمية؛ لذا يتضح أن التوجه هو الرغبة في الحفاظ على ماء الوجه، من خلال مخرج توقيع اتفاق سلام، ونزع كل المفاعلات النووية ومراكز التخصيب مقابل السماح للنظام بالاستمرار.
أما بخصوص استمرار تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، فهذا الخبير لا يعتقد أن طهران تعمل على استنزاف إسرائيل، لأن ذلك يظهر جليا في تصريحات قيادتها السياسية والعسكرية، من خلال البحث عن مفاوضات وحل دبلوماسي، رغم أن نتنياهو شن عدوانا خارج القواعد القانونية والمواثيق الدولية. لذا، ينتظر تقديم تنازلات تحفظ ماء الوجه، مثلما وقع عندما وقع الخميني اتفاقية وقف إطلاق النار مع العراق، قائلا: “تجرعت كأس سم”، من قبيل توقيع على الاستسلام بتسليم المفاعلات النووية، وعدم العودة لتخصيب الأورنيوم، أو اغلاق المفاعلات بشكل نهائي.
وعن ما تبحث عن إيران من الضربات المحدودة، أوضح أحمد نور الدين أن ذلك يتمثل في المحافظة على توازنها أمام شعبها، وإلا ستفقد شروط وجودها، ولضمان مساندة القاعدة الصلبة التي تتمثل في الميلشيات التابعة للحرس الثوري، والأشخاص العقائديون، ففقدان الثقة سيوضح أن النظام لا يملك قوة توازي شعاراته. كما أن المنظومة الغربية لا ترغب في إسقاط النظام الإيراني، لما يقدمه من منافع لأنها توظفها كفزاعة وخطر يهدد دول الخليج، التي تتعرض للابتزاز وتقديم منافع لفائدة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، كما فعل ترامب أخيرا.
أما الأستاذ الجامعي إدريس لكريني، فما توقعه حدث، حين قال في تصريحه لهسبريس إن توجيه ضربات إيرانية لقواعد عسكرية أمريكية قد يقلب كل التكهنات، ويفرض وضعا جديدا، لأن ترامب لن يجازف بالرد حتى لا يغرق في وحل طهران كما وقع للولايات المتحدة الأمريكية بالعراق وأفغانستان؛ ما سيؤثر على السلم والأمن الدوليين، وبروز أزمات على المستويين الطاقي والمالي، كارتفاع أسعار النفط وبروز التحديات بعودة الجماعات التي تنشط بليبيا وجنوب الصحراء، وتنامي ظاهرة الهجرة، ما يفرض تعزيز المبادرات السلمية.
وبخصوص وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، فإدريس لكريني الباحث في العلاقات الدولية، أوضح أن نتنياهو لم يكن يتوقع أن تستمر الضربات 12 يوما، مستحضرا ما كانت حققته تل أبيب، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من انتصارات في ساعات أو أيام؛ ما جعلها تستنجد بالولايات المتحدة الأمريكية لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، أو منع الصواريخ من الوصول إلى عمق إسرائيل، باختراقها الدفاع الجوي. وهذا التدخل الأمريكي قلب موازين القوى، لكنه لم يحسم المعركة، لأن إيران ما زالت تستهدف تل أبيب وحيفا وأسدود وبئر السبع، بصواريخ بعيدة المدى، تحمل رؤوسا متفجرة.
وأضاف لكريني أن إيران أكدت أن مفاعلاتها النووية لم يتم تدميرها كلية، وأن ما لحق بها طفيف، لأنها نقلت اليورنيوم المخصب من المناطق المستهدفة إلى مناطق أخرى، وهذا فيه إشارة إلى أن طهران لن تعلن عن استسلامها كما تود أمريكا وإسرائيل، التي تتمثل توقف الحرب دون تحقيق الأهداف انهزام لها. لذا، فالتداعيات كان مدمرة لكلا الطرفين، لكن أعتقد أن استمرار هذه التحركات العدوانية، دون تحرك الآلة الديبلوماسية، ستكون له مآلات وخيمة على المنطقة، التي صمتت دولها، خاصة الخليجية؛ لأن هذه المعركة لها علاقة بنفوذ إقليمي ودولي، حسب تعبير المتحدث نفسه.