لم يكن الحفل السنوي لتكريم المتفوقين في امتحانات الباكالوريا الذي نظمته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، اليوم الجمعة، مجرد لحظة احتفاء بنتائج رقمية متميزة؛ بل شكل مناسبة إنسانية بامتياز، سلطت الضوء على نماذج استثنائية من التلاميذ الذين تحدّوا ظروفا قاهرة، وأثبتوا أن الإرادة تتفوق على الإكراهات، وأن الطموح يمكن أن يزهر حتى في أقسى البيئات.
من بين الأسماء التي سطع نجمها في هذا الحفل، يبرز اسم أسامة العنصلي، الذي أحرز معدل 14.19 في شعبة العلوم الرياضية (أ) – خيار فرنسية، رغم معاناته مع مرض السرطان. لم تمنعه جلسات العلاج الكيميائي وآلام المرض من متابعة دراسته؛ بل اجتاز امتحاناته من داخل المستشفى، متحديا جسده المنهك، ومتسلحا بعزيمة حديدية.
وقال أسامة في تصريح لهسبريس: “كنت أتابع دراستي في ثانوية أبي بكر القادري. حصلت على معدل 14.19 في امتحانات الباكالوريا. أود أن أشكر الأساتذة والأطباء، وخصوصا والديَّ اللذين سانداني طوال فترة مرضي”.
وتابع أسامى بإرادة قوية: “لقد واجهت صعوبات كبيرة في الدراسة بسبب تأثير العلاج؛ ولكن بفضل الله أولا، ثم دعم المحيطين بي، استطعت تحقيق هذا المعدل. صحيح أنه ليس معدلا مرتفعا مقارنة بغيري؛ لكنه بالنسبة لي نتيجة مرضية تعبّر عن جهدي المتواضع في ظروف صعبة”.
أما عن آماله المستقبلية، فقال: “أريد أن أتابع دراستي في مجال الهندسة، وأن أحقق إنجازا يُثبت أن المرض لا يُلغي الطموح، وأن أكون شخص له مكانته في المجتمع”.
أما والدته، السيدة حنان، فقد عبّرت عن اعتزازها بما حققه ابنها، رغم الألم والقلق اللذين رافقا رحلته.
وقالت الأم المغربية التي رافقت صغيرها في كل مراحل دراسته وعلاجه بصبر شديد، ضمن تصريح لهسبريس: “لقد كانت تجربة صعبة بكل المقاييس؛ فالمرض والعلاج الكيميائي أثّرا عليه بشكل كبير، ومع ذلك كان يحاول بذل الجهد كلما استطاع. لم يكن قادرا دائما على التركيز أو الدراسة، وكان يقاوم ما استطاع. أحمد الله على هذه النتيجة، فهي قدر الله، ونحن راضون بها. وأشكر كل من ساعده ووقف بجانبه، من الأساتذة إلى إدارة الثانوية، مرورا بالأطباء والممرضين، فكلهم كانوا سندا له”.
أما عن أمانيها فقالت: “كل ما أرغب فيه الآن هو الشفاء لابني، ثم بعد ذلك مستقبل مشرق”.
من بين المكرّمين أيضا عزيز يوسف، الذي يُعدّ نموذجا آخر للإصرار، إذ حصل على معدل 16.61 في شعبة التقنية والتكنولوجيات التطبيقية، رغم كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة. إنجازه دليل على أن التفوق ليس حكرا على من يسيرون الطرق المعبدة؛ بل يمكن أن يتحقق وسط التحديات الجسدية متى توفرت العزيمة والدعم المؤسسي والأسري.
أما القصة التي خطفت أنظار الحاضرين، فهي قصة حسناء الوريكة، التي انقطعت عن الدراسة لأربع سنوات، قبل أن تعود ضمن برنامج “الفرصة الثانية” لتستكمل مسارها وتحصل على شهادة الباكالوريا في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية بمعدل 14.94 وبميزة “حسن”.
وقالت حسناء في تصريح لهسبريس: “كنت قد انقطعت عن الدراسة لمدة أربع سنوات، ثم التحقت ببرنامج الفرصة الثانية. درست بالسنة الثالثة إعدادي في المركز، ووجدت دعما نفسيا ومعنويا كبيرا من الطاقم التربوي. استعدت إحساسي بأنني تلميذة من جديد وعدت إلى اكتشاف طعم الدراسة”.
وتابعت ابنة مدينة آسفي: “رسالتي إلى الشباب هي ألا يستسلموا للصعوبات أو الظروف الشخصية التي تدفعهم إلى الانقطاع؛ فبرنامج الفرصة الثانية يمكنه أن يفتح لكم أبوابا جديدة. الحمد لله حصلت على شهادة الباكالوريا بميزة حسن، وأنا فخورة جدا بذلك، وأشكر كل من دعمني، من أسرتي إلى أطر المؤسسة، وخصوصا مديرة المركز التي كانت سندا لي في كل خطوة”.
قصص أسامة وعزيز وحسناء ليست فقط قصص تفوق؛ بل نماذج مضيئة عن الإصرار والأمل، وحجج حيّة على أن المدرسة المغربية قادرة على صناعة الأبطال في مختلف الظروف.