لم يكن عدد من التلاميذ المغاربة الذين اجتازوا بنجاح وبمعدلات عالية اختبارات الدورة العادية لامتحانات البكالوريا هذه السنة ليُغيّبوا ولوج كليات الطب عن قائمة اختياراتهم المطروحة بشأن مواصلة الدراسات الجامعية.
وعلى غرار السنوات الماضية ظهر أن مهنة الطب استأثرت باهتمام الحاصلين على معدلات عُليا ومتصدّري اللوائح على الصعيدين الجهوي أو الوطني، لاسيما ممن تابعوا دراساتهم الثانوية بشعب العلوم والتقنيات، وهو الخيار الذي يبقى مطروحا وبقوة أيضا لدى باقي الناجحين في هذه الامتحانات، ولاسيما من المحسوبين على العلوم الفيزيائية والرياضية.
وقال خبراء في شؤون التربية والتكوين إن “مهنة الطب بمختلف فروعها تحظى باهتمام كبير من لدن التلاميذ المغاربة، إذ يضعونها على رأس اختياراتهم على مستوى الكليات، نتيجة النظرة المجتمعية تُجاهها، واعتبارا للآفاق المهنية التي تطرحها، خصوصا أنها تفتح الباب أمام المبادرة الاقتصادية الحرة”.
وفي إطار تدبير الرغبة الأكيدة في ولوج كليات الطب والصيدلة، التي تكتنف كثيرين، كان عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أشار في أبريل الماضي إلى وجود نقاش مع شبكة عمداء هذه الكليات من أجل تخفيض عتبة اجتياز مباراة ولوج هذه الكليات إلى 12 كمعدل هذه السنة، بعدما كانت محددة في 13 السنة الماضية.
يرى جمال شفيق، خبير في الشؤون التربوية ومفتش مركزي سابق، أن “هاجس ولوج المهن الصحية، ولاسيما الطب، ظل مطروحًا لدى أجيال من الحاصلين على البكالوريا بالمغرب، وهو ما يعود بدرجة أولى إلى المكانة الخاصة التي يمنحها المجتمع المغربي للطبيب”.
وأضاف شفيق، في تصريح لهسبريس، أن “الواضح خلال السنوات الماضية هو التوجه القائم لدى أصحاب شهادات البكالوريا الخاصة في شعبة الرياضيات نحو هذه المهنة، وهو ما جعلها أقرب إلى مهنة النخبة”.
وبعدما أكد وجود تحديات في انتقاء المترشحين لاجتياز مباريات ولوج كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب أورد المتحدث أن “التلاميذ يرون في مهنة الطب مجالًا رحبًا للتطور المهني والربح المادي، إذ يحقق الأطباء الذين يتوفرون على عيادات خاصة رواجًا ماليًا مهمًا”.
وسجّل الخبير في الشؤون التربوية أن “هذا التخصص معروف بجاذبيته للتلاميذ الحاصلين على شهادات البكالوريا، ولاسيما الذين يتوفرون على معدلات عليا، وذلك بالنظر إلى الآفاق التي يوفرها، سواء في سبيل تكوين مسار مهني محترم مُجتمعيا، أو من أجل جعل هذا المسار مدخلًا لمبادرة حرة اقتصادية”، لافتًا في السياق نفسه إلى أن “الاشتغال في القطاع العام يكون صعبًا نوعا ما في البداية”.
أما محمد الدرويش، أستاذ التعليم العالي ورئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، فأكد من جهته أن “اهتمامات الناجحين في صفوف شعبة العلوم والتقنيات تنصب أساسًا على الطب والصيدلة وطب الأسنان، وهو أمر ليس مرتبطًا بالضرورة بالتلاميذ الحاصلين على أعلى المعدلات”.
وأكد الدرويش، في تصريح لهسبريس، أن “تخفيض عتبة القبول إلى 12، وفق ما أكده وزير التعليم العالي في البرلمان، سيجعل كل من يفوق معدله هذه العتبة يفكر في اختيار الطب أولًا، والتقنيات والعلوم والقانون وغير ذلك ثانيا”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الدعاية الإعلامية والمجتمعية للمهن الصحية، والأعداد الهائلة من المصحات الخاصة والكليات العمومية المرتبطة بهذا التخصص، تشجع على وضع هذا الخيار على رأس الاختيارات لدى الناجحين في امتحانات البكالوريا، خصوصا في شعبة العلوم والتقنيات”.
لكن هؤلاء يصطدمون مستقبلاً، وفق الأستاذ ذاته، بـ”واقع أعداد هذه الكليات والمقاعد المخصصة لها، وكذا الإمكانيات المالية والمادية المخصصة، بالإضافة إلى واقع المراكز الاستشفائية ونسب التأطير”.
كما أكد رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين أن “خيار تلاميذ وأسرٍ في هذا الجانب يرتبط بدافع الهجرة إلى الخارج من أجل إتمام دراستهم والعمل أيضًا، وهو ما يُعد لدى البعض بمثابة رافعة اجتماعية”.