آخر الأخبار

"الجمعة الأسود" .. رمزية أمريكية تكشف تحولات الذوق عند الشباب المغربي

شارك

في مثل هذا اليوم، الجمعة الثالث عشر، أو ما يُعرف في الثقافة الغربية بـ”الجمعة الأسود”، والذي يصادف هذه السنة الثالث عشر من يونيو 2025، يجد بعض الشباب المغاربة أنفسهم منجذبين إلى رمزية هذا التاريخ كما رسّخته الثقافة الأمريكية، حيث ارتبط في المخيال الشعبي الغربي بالنحس والخوف، وامتد أثره إلى السينما والفنون والإعلام الجماهيري. وعلى الرغم من كونه يوما عاديا في الروزنامة الوطنية، فإن حضوره في الوعي الجمعي للشباب المغربي يعكس مدى تغلغل الرموز الثقافية الأمريكية في الحياة اليومية لجيل بات أكثر انفتاحا على العالم، وأكثر استهلاكا للمنتوج الثقافي المستورد.

يُعزى هذا الانجذاب المتزايد، حسب خبراء في علم الاجتماع والتواصل الثقافي، إلى الانتشار الواسع للإنتاجات السينمائية والتلفزيونية الأمريكية، التي تُعرض على منصات رقمية دون حواجز لغوية أو ثقافية تُذكر؛ فالشباب، بفعل إتقانه النسبي للغة الإنجليزية وتفاعله الدائم مع شبكات التواصل الاجتماعي، بات يعيش حالة من التماهي مع أنماط العيش الغربية، سواء في طريقة اللباس أو أسلوب التعبير أو حتى في تبني مفاهيم ورموز لا تنتمي بالضرورة إلى بيئته المحلية؛ لكن يجد فيها نوعا من التحرر والانتماء إلى عالم أكثر اتساعا.

ويبدو أن هذا التماهي مع الثقافة الأمريكية لا ينحصر فقط في المظاهر الخارجية؛ بل يتجاوزها إلى تبني أنماط تفكير ورؤى جديدة للعالم. فقد أصبح جيل اليوم ينسج علاقته بالواقع من خلال مرجعيات مستوردة، تشكّلها القيم الليبرالية ومفاهيم النجاح الفردي والحرية الشخصية، كما تروج لها السينما الأمريكية ومؤثرو “السوشيال ميديا”. وهذا ما يجعل من ظواهر مثل “الجمعة الـ13” أمثلة حيّة على قدرة الثقافة الأمريكية على ترسيخ رموزها حتى في مجتمعات بعيدة جغرافيا وثقافيا، لكنها قريبة رقميا وإعلاميا.

وقالت هيبة الحيان، طالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال: “أجد أنه من العادي والبديهي انجذاب الشباب نحو الثقافة الأمريكية؛ نظرا لاحتكاك هذه الفئة العمرية بالثقافة الغربية واللغة الإنجليزية من مختلف وسائل الإعلام، بالإضافة إلى استهلاك السينما الامريكية وسهولة الوصول إليها”.

وأضافت الحيان، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن العالم اليوم أصبح محكوما بقواعد الرأسمالية، فالدول ذات القوة الاقتصادية الأكبر هي الأكثر قدرة على التأثير ونشر ثقافتها ولغتها؛ ما يفسر انتشار اللباس واللغة ونمط العيش الغربي وتأثر الشباب المغربي به.”

آية الروغي، طالبة في الأدب الإنجليزي، أوردت: “لم أعد أرى في الجمعة الـ13 مجرد خرافة أمريكية؛ بل رمزا له حمولة فنية وثقافية. من خلال هذا النوع من الرموز، اكتشفت كيف تعبّر المجتمعات الغربية عن مخاوفها، وكيف تحوّل الأساطير إلى سرديات سينمائية ناجحة. لا أتبنى هذه الخرافات؛ لكنني أجد فيها مدخلا لفهم ثقافة مختلفة والتفاعل معها نقديا”.

وأكملت آية حديثها لجريدة هسبريس الإلكترونية قائلة: “ما يثير اهتمامي في الثقافة الأمريكية ليس فقط تنوعها أو هيمنتها؛ بل قدرتها على تحويل الرموز البسيطة إلى مكونات سردية عميقة تُلهب الخيال. الجمعة الـ13 مثال واضح على ذلك: رقم وتاريخ تحوّل إلى علامة تجارية تُستثمر في السينما والأدب والتلفزيون. في المقابل، نفتقر في ثقافتنا المحلية إلى هذا النوع من الرمزية المتداولة عالميا؛ وهو ما يجعل الشباب أكثر ميلا إلى تبني رموز ثقافات أخرى تعطيهم شعورا بالمشاركة في حوار كوني أوسع”.

من جانبه، سجل منير الحلاج، الباحث في السوسيولوجيا الرقمية، أن انجذاب الشباب المغربي إلى رموز مثل “الجمعة الـ13” يكشف عن تحوّل عميق في البنية الثقافية للأجيال الجديدة.

وأوضح الحلاج، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “نحن أمام جيل يعيش أكثر مما يفكّر، ويتفاعل أكثر مما يُحلّل؛ وهو ما يجعل من الثقافة الأمريكية مرجعا جاهزا وسهل التبنّي، خاصة حين تكون مرفقة بالترفيه والإبهار البصري والإيقاع السريع الذي يتماشى مع طبيعة المنصات الرقمية.

وأبرز الباحث في السوسيولوجيا الرقمية أن “الثقافة هنا ليست محتوى معرفيا فقط؛ بل أسلوب حياة تتسلل إليه الرموز الأجنبية دون مقاومة تذكر”.

وأضاف المتحدث عينه أن هذا التسلل الثقافي لا يحدث في فراغ؛ بل يجد بيئة خصبة في ظل غياب بدائل محلية قادرة على إنتاج رموز مشابهة أو منافسة من حيث الجاذبية والانتشار”، لافتا إلى “أننا لا نتحدث عن استلاب ثقافي بقدر ما نرصد افتقار السياسات الثقافية إلى رؤية واضحة لمخاطبة الشباب بلغتهم ووسائطهم. وبالتالي، حين تعجز الثقافة الوطنية عن تقديم محتوى معاصر وجذاب، يجد الشاب المغربي نفسه مدفوعا نحو ثقافات أخرى تمنحه شعورا بالانتماء والمواكبة، حتى لو كانت بعيدة عن جذوره وهويته الأصلية”.

وختم الحلاج تحليله بالتأكيد على أن هذا الانفتاح الواسع على الثقافة الأمريكية لا ينبغي أن يُقرأ فقط بوصفه تهديدا للهوية؛ بل يمكن أن يُستثمر في بناء وعي نقدي لدى الشباب، لأن “ما نحتاجه اليوم هو تجديد أدوات التأطير الثقافي والتربوي لتصبح قادرة على مواكبة التحولات الرقمية وتوجيهها. الشباب لا يرفضون الانتماء، بل يبحثون عنه في فضاءات جديدة. لذلك، يجب أن نحول انفتاحهم على الثقافة الأمريكية من تبعية تلقينية إلى حوار معرفي يُمكّنهم من استيعاب الآخر دون أن يفقدوا ذواتهم”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا