موجاتُ قصفٍ إسرائيلي متجدد ومتواصل على أهداف حيوية عسكرية ونووية في إيران، تبِعتْها موجات من ترددات وتقلبات “حادة” في الأسواق المالية العالمية في ظل عودة التدافع نحو الملاذات الآمنة، الموسومة مسبقا بهشاشة شبه مزمنة ومستوى مخاطر مرتفع ولايقينٍ مُلازم؛ بعد رسوم ترامب.
ومنذ فجر الجمعة، ارتفعت أسعار النفط وتلوَّنت بـ”الأحمر” لوحات الأسهم والبورصات بعد موجة ضربات إسرائيلية قوية وغير مسبوقة، ما زالت مستمرة ومتجددة إلى مساء اليوم ذاته، ضمنَ هجوم رفع منسوب مخاطر نشوب حرب شاملة بين تل أبيب وطهران، التي توعدت بـ”تبعات مدمّرة”.
في التفاصيل، ارتفع سعر النفط الخام الأمريكي القياسي بواقع 3.93 دولارا أو بنسبة 5.8 في المائة ليصل إلى 71.97 دولارا للبرميل. وارتفع سعر خام برنت، القياسي العالمي لأسعار النفط، بواقع 3.82 دولارا ليلامس 74 دولارا.
وهوَى مؤشر “نيكاي 225” الياباني بنسبة 0.9 في المائة ليصل إلى 37943.25 نقطة، كما هبط مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 0.9 في المائة ليصل إلى 2894.62 نقطة. وتراجع مؤشر هانج سنج في هونغ كونغ بنسبة 0.9 في المائة ليصل إلى 23831.48 نقطة. كما تراجع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.7 في المائة، ليصل إلى 3378.76 نقطة.
كما تابعت هسبريس هبوطا حادا طال بنحو 2 في المائة مختلف المؤشرات في البورصة الأمريكية؛ فيما يجتاز الدولار الأمريكي “أصعبَ اختباراته”، وسط موجةِ تدافُع وإقبال محموم على “الملاذات الآمنة” أبرزها الذهب والسندات.
ومع استمرار الضربات وإمكانية استدامة الصراع العسكري والتوتر الجيوسياسي في أكثر مناطق العالم إنتاجا للنفط، ما زالت أعيُن المستثمرين والمتداولين تترقب عن كثب الرد الإيراني المنتظَر بعد أن استهدفت إسرائيل منشآت وقادة كبارا في “بلاد فارس” المطلة على الخليج العربي و”مضيق هرمز” الحيوي.
نبيل بوابراهيمي، أستاذ متخصص في الاقتصاد والتجارة الدوليين بجامعة ابن طفيل- القنيطرة، أكد “صعوبة تقييم شامل -حاليا- لتأثير الأوضاع الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي ودينامية نموه”؛ غير أنه شدد على “ارتباط وثيق للاستقرار بالاقتصاد العالمي. كما أن المؤسسات، مثل مجلس الأمن الدولي والبنك الدولي، لها أهداف مرتبطة بالاستقرار الاقتصادي”.
وقدّر بوابراهيمي، متحدثا لجريدة هسبريس، أن “الأحداث الجارية تؤثر سلبا وبشكل كبير على الأسواق المالية والتجارة في عمومها”، متوقعا أن “تعاني سلاسل القيم العالمية والإقليمية مجددا من صدمة قوية في حال سيناريو تفاقم الصراع وتوسّعه نحو حرب مطولة”.
وأضاف: “المستثمرون يشعرون بالخوف في ظل انعدام الأمن والاستقرار”، مؤكدا أن “التأثير يتجاوز في نطاقه وأثرهِ وامتداداته مفعول الرسوم الجمركية الحمائية التي فرضها ترامب”، مردفا بالقول: “هناك موجة لبيع المستثمرين الأسهم بسرعة؛ ما يؤثر على البورصات العالمية. أما الطلب على الذهب يرتفع كردّ فعل فوري على بيع الأسهم. ومن المعلوم أن أسعار الذهب ترتفع في ظل الأزمات كبديل للاستثمارات التقليدية وكملاذ آمن أثبت موثوقيته التاريخية”.
أستاذ الاقتصاد الدولي نبّه إلى “سيناريو يزداد سوءا لأن الاقتصاد العالمي متأثر منذ 2022 بالحرب بين أوكرانيا وروسيا والمشاكل الناتجة عنها من حيث التوريد والتموين”، معتبرا أن “استمرار الحروب يؤدي إلى تأثيرات متراكمة على الاقتصاد الدولي؛ ما قد يغرق العالم في أخطر الأزمات الاقتصادية”.
واستدل بأن “90 في المائة من التجارة العالمية تستعمل الممرات البحرية القريبة من مناطق قد يطالها القصف (مضيق هرمز والبحر الأحمر، وقناة السويس)” بوصفها مناطق “استراتيجية؛ لكنها تواجه، الآن، تهديدات بسبب الصراعات”.
وشرح: “التهديدات تؤثر على حركة الملاحة البحرية والجوية، مما يزيد من تكاليف الشحن؛ ما سيدفع شركات الشحن لتجنب المرور بالمناطق المتأثرة بالنزاعات”، مستحضرا أن “تقليل عدد السفن المارة يزيد من تكاليف النقل بسبب انخفاض العرض”.
وتتمثل أبرز التأثيرات المحتملة في كون “الدول المصدرة للبترول والمستثمرين من آسيا وأوروبا سيتراجعون عن الاستثمار وسط تأثير مباشر على المبادلات التجارية.. والدول القريبة من المنطقة المتأثرة تبقى معنية مباشرَة بالأزمة”، مع “انخفاض كبير في نمو التجارة الدولية في حال تفاقم الأوضاع”.
واعتبر المحلل الاقتصادي نفسه أن “الدول الخليجية المصدرة للبترول والغاز قد تكون الأكثر تضررا”، مشيرا إلى “المخاطر الكبيرة للصراع الشامل في المنطقة”، مع تأكيده “تهديدات عالية للمصالح الاقتصادية للدول الأوروبية والأمريكية، خاصة من خلال الاضطرابات في حركة الطيران في المنطقة”.
وختم بإبرازه “الحاجة الملحة للدول لتُراجِع قراراتها بشأن التصدير والاستيراد بسبب الصراعات”، خالصا إلى أن “الوضع الراهن يشكل سلسلة مترابطة تتأثر بالحروب وفقدان الاستقرار الاقتصادي والسياسي”.
لم يَحِد عن خط التحليل والتوقعات نفسِها بدر زاهر الأزرق، محلل اقتصادي أستاذ باحث في الأعمال والتجارة، قائلا إن “أسواق البترول والمال والأعمال تتأثر بسرعة بالاضطرابات السياسية والعسكرية”، مستحضرا بدوره “تأثيرات جارية لشظايا الحرب في أوكرانيا أثرت بشكل كبير على أسواق البترول والغاز والحبوب”.
وقال الأزرق، ضمن تصريح لهسبريس: “هناك بوادرُ لحربٍ مطولة في منطقة تضم إيران وجيرانها بالخليج، كبار منتجي البترول، فضلا عن اغلب دول منظمة أوبك في المنطقة التي قد تتأثر بنيران الحرب”، مُلوّحا إلى “إمكانية أن تُقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز مما يؤثر على الملاحة ونقل البترول عالميا؛ مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول ومشتقاته”.
واستحضر المحلل الاقتصادي تداعيات سلبية متراكمة على كاهل الاقتصاد العالمي الذي “لا يزال يعاني من تبعات أزمة التضخم”، قبل أن يأتي “هجوم إسرائيلي مفاجئ والكل يترقب الرد الإيراني وطبيعته”.
وختم بأن هذا الأخير “ستحدد مدى تأثير الوضع على أسواق البترول والعملات والمال والأعمال”، مقدِّرا أن “الدول غير المنتجة للبترول مثل المغرب قد تتحمل فاتورة الأزمة.. ما سيكون له انعكاس ملموس على الاقتصاد المغربي القائم على استيراد أكثر من 90 في المائة من استهلاكنا الطاقي”.