بين الفينة والأخرى يختفي دواء ما من رفوف الصيدليات في المغرب، في مشهد بات مألوفًا يثير قلق المرضى والصيادلة على حد سواء. ولا يقتصر الأمر على أدوية ثانوية، بل يشمل في كثير من الأحيان أدوية حيوية وأساسية مثل الأنسولين، وأدوية السرطان، وعلاجات الضغط الدموي والغدة الدرقية، ما يهدد استمرارية العلاج بالنسبة لآلاف المرضى.
وبينما تُعزى هذه الانقطاعات إلى أسباب متعددة، من بينها ضعف الإنتاج المحلي وندرة المواد الأولية، يرى مهنيون في القطاع الصيدلي أن الخلل الأعمق يكمن في السياسات العمومية المعتمدة، ويطالبون وزارة الصحة بتدابير استعجالية تضمن وفرة الأدوية وحماية الحق في العلاج.
وفي هذا الإطار قال خالد الزوين، رئيس المجلس الوطني للاتحاد الوطني لصيادلة المغرب، إن مشكل انقطاع الأدوية مستمر منذ فترة طويلة دون أن تبادر وزارة الصحة إلى اتخاذ إجراءات فعالة لتأمين مخزون الأدوية الضرورية.
وأوضح الزوين، ضمن تصريح لهسبريس، أن المشكل تعمق خلال أزمة كورونا، وزاد معلقا: “ما كان يُعزى في السابق إلى تداعيات الجائحة لم يعد مبررًا مقبولًا في الوقت الراهن”، إذ لا يعقل، بحسبه، أن تظل الإشكالية نفسها قائمة لأزيد من أربع سنوات دون تدخل ملموس من الوزارة.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الحكومة، ممثلة في وزارة الصحة، مطالَبة بالجلوس إلى طاولة الحوار مع المصنعين المحليين والعمل بصرامة على إلزامهم بتوفير الأدوية، خاصة تلك التي لا تتوفر على بدائل جنيسة، ويكون المواطن في أمسّ الحاجة إليها”، وتابع بأن “الحلول واضحة، وتكمن إما في إرغام المصنعين على احترام التزاماتهم وتوفير الأدوية الأساسية، أو في تفعيل دور الصيدلية المركزية التي كانت قائمة في برشيد، وكانت تقوم سابقًا باستيراد الأدوية وتوزيعها مباشرة”.
وأكد رئيس المجلس الوطني للاتحاد الوطني لصيادلة المغرب أن “عدداً من الأدوية الأساسية، ضمن قائمة تضم حوالي 50 دواءً حيويًا، تشهد انقطاعات من فترة لأخرى رغم أن استيرادها لا يتطلب ميزانية كبيرة”، داعيًا الدولة إلى “تحمل مسؤوليتها واستيراد تلك الأدوية على نفقتها الخاصة، ضمانًا لحق المواطن في العلاج”؛ كما أعطى مثالاً بدواء الأنسولين الحيوي لمرضى السكري، الذي يعرف هو الآخر انقطاعات من حين لآخر.
وشدّد الزوين في ختام تصريحه على أن “الوزارة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفاوض مع المصنعين لإلزامهم بالتزويد المنتظم، أو تفعيل الصيدلية المركزية للقيام بعملية الاستيراد”، معتبرًا أن “ما يقع اليوم هو تقصير واضح تتحمل فيه الوزارة مسؤولية مباشرة”.
من جانبه قال أمين بوزوبع، رئيس الائتلاف الوطني لصيادلة العدالة والتنمية، إن “انقطاع الأدوية أصبح ظاهرة شبه دائمة في السوق الوطني، تعكس اختلالات عميقة في السياسات العمومية المنتهجة، التي تُطبّق وفق مقاربة أحادية الجانب ودون إشراك المهنيين الصيادلة”.
وأوضح بوزوبع، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذا الوضع تفاقم منذ سنة 2014 بعد صدور المرسوم الوزاري المتعلق بمسطرة تحديد أثمان الدواء، الذي رغم إسهامه في تخفيض أثمان بعض الأدوية إلا أنه أدى أيضًا إلى نتائج سلبية، أبرزها انقطاع واختفاء عدد من الأدوية من السوق”.
وأورد المتحدث ذاته أن “المرسوم اعتمد آلية موحدة لتخفيض الأسعار دون التمييز بين الأدوية مرتفعة الثمن والرخيصة، ما أدى إلى مراجعة أسعار الأدوية الرخيصة – التي قد لا يتجاوز سعرها 10 أو 20 درهمًا – بشكل متكرر، بحيث خضعت لثلاث مراجعات على الأقل نحو التخفيض منذ اعتماد المرسوم”.
واعتبر المهني ذاته أن “هذا التخفيض المتواصل جعل تصنيع هذه الأدوية غير مربح بالنسبة للمختبرات، ما أدى إلى سحبها من السوق أو التوقف عن إنتاجها، وهو ما لم تنتبه إليه وزارة الصحة رغم التحذيرات المتكررة من المهنيين”.
وأضاف بوزوبع أن “هناك نوعًا آخر من الأدوية التي تنقطع بسبب ندرة المواد الأولية على الصعيد الدولي، ما يؤثر بدوره على توفرها في السوق الوطنية”، داعيًا إلى “إعمال آلية حق الصيدلي في استبدال الدواء المنقطع ببديل مماثل، وهو إجراء يرى أنه قد يحدّ من ظاهرة الانقطاع بنسبة تتراوح بين 50% و70%”.
وفي ختام تصريحه أشار المتحدث إلى أن “انقطاع الدواء بالنسبة للمريض لا يعني فقط عدم توفر الدواء، بل قد يؤدي إلى توقف العلاج، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا خاصة بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، مثل مرضى السكري، الضغط الدموي، أمراض الشرايين، والغدة الدرقية”.