“تخيّل معايا تفيق صباح وتلقا واحد الميساج كاتب ليك: ‘ربحت عمرة ومبلغ مالي كبير، غير صيفط لينا معلوماتك’… آش كتكون أول حاجة كتفكر تديرها؟”.. بهذه العبارات المُنمّقة، يُستدرج ضحايا جُدد يومًا بعد يوم، تحت غطاء الكرم المفاجئ. وقد رصد العديد من المواطنين في الأيام الأخيرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تلقيهم رسائل واتصالات من هذا النوع، خاصةً مع اقتراب المناسبات الدينية التي تتحول في نظر المحتالين إلى فرص خصبة للاستغلال. ومع تكرار هذه الأساليب، برزت ظاهرة الاتصالات الاحتيالية كأحد التحديات الأمنية والاجتماعية التي تستغل العواطف وتلعب على أوتار الأمل، لتوقع العديد من الضحايا في شباكها دون وعي أو تحصين قانوني كافٍ.
وجدان، شابة في العشرين من عمرها، لم تكن تتوقّع أن مكالمة هاتفية ستقلب يومها رأسًا على عقب. تلقّت اتصالًا من رقم مجهول، أخبرها المتحدث بأنها فازت برحلة عمرة، وُصفت بأنها “هدية إيمانية” يمكن أن تُدخل الفرحة على قلب والديها، بالإضافة إلى مبلغ مالي مغرٍ كمكافأة.
صدّقت وجدان الرواية دون أن تشكك في نوايا المتصل، وقدّمت بياناتها الشخصية ومعلومات حساسة بدافع الحماس والثقة؛ بل قامت كذلك بتحويل مبلغ مالي بسيط من حسابها، كما طُلب منها “لتأكيد الجدية”.
بعد ساعات قليلة، اكتشفت أنها كانت ضحية لعملية نصب محترفة، تكرّرت مع عدد من الضحايا دون أن تترك خلفها أثرًا ظاهرًا للمجرمين.
بالنسبة لوجدان، لم يكن الأمر مجرد تجربة عابرة؛ بل لحظة مفصلية غيّرت نظرتها إلى العالم الرقمي. فقد شعرت بالخجل من نفسها، وبلوم عميق لأنها وثقت بمكالمة لم تتحقق من مصدرها. قالت الشابة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “ماشي على الجائزة اللي ضاعت؛ ولكن على الثقة اللي تمنات من قلبي وتكسّرت فالهوا”.
وجدت نفسها أمام واقع مرير، لا تعرف كيف تسترجع فيه كرامتها، ولا كيف تُحمّل شخصًا مجهولًا مسؤولية الضرر. وما زاد من مرارتها أن محيطها لم يتفاعل بتعاطف؛ بل تسابق لتأنيبها على “السذاجة”، بدل أن يحتضن جرحها النفسي ويوجّهها نحو الحل القانوني.
عبد العالي الطواهري، المحامي بهيئة مكناس، أوضح أن القانون الجنائي المغربي يعاقب على جرائم النصب والاحتيال، لا سيما حين تُرتكب عبر وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف أو الإنترنيت، باعتبارها ظروفًا مشدّدة للعقوبة.
وأضاف الطواهري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الضحية، رغم ما تتعرض له من خداع، تحتفظ بحقها الكامل في تقديم شكاية رسمية لدى الجهات المختصة.
وأشار المتحدث عينه إلى أن تفكيك مثل هذه الشبكات الإجرامية يقتضي تنسيقًا تقنيًا دقيقًا بين الأجهزة الأمنية وشركات الاتصالات، إلى جانب ضرورة رفع منسوب الوعي القانوني لدى المواطنين.
واعتبر المحامي بهيئة مكناس أن تحميل الضحية جزءًا من المسؤولية، كما حدث مع وجدان، يُعد انزلاقًا اجتماعيًا خطيرًا يُسهم في تعقيد مسارات العدالة.
وبيّن أن “الضحايا غالبًا ما يُثبطون عن التبليغ بدعوى الخجل أو الخوف من التوبيخ؛ وهو ما يمنح للمجرمين فرصة للإفلات من العقاب”.
وأضاف الطواهري أن القانون المغربي، في تطوّره المستمر، بات يُدرج جرائم الاحتيال الرقمي ضمن أولويات الملاحقة، مشيرًا إلى أن الفصل 540 من القانون الجنائي يعاقب كل من استعمل وسائل التدليس لانتزاع مبالغ أو بيانات من الغير، وتُضاعف العقوبة حينما تكون الوسيلة المستعملة وسيلة تكنولوجية أو تمس بكرامة المواطن وثقته بالمؤسسات.
وشدّد المحامي ذاته على أهمية رفع مستوى التبليغ والتوعية، مؤكدًا أن النيابات العامة باتت تُولي اهتمامًا متزايدًا لهذا النوع من القضايا، تماشيًا مع تصاعد الشكايات المرتبطة بجرائم النصب الإلكتروني.
وأبرز أن “وجود دليل رقمي، كرقم الهاتف أو تسجيل المكالمة، يُعتبر مدخلًا أساسيًا في مسار التحقيق، ويُتيح للسلطات المختصة تتبّع خيوط الجريمة بتنسيق مع شركات الاتصال والأجهزة الأمنية”.
ولفت إلى أن الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي يُجرّم كل من استعمل وسائل التدليس لانتزاع مبالغ أو معطيات من الغير، مع تشديد العقوبة في حال ارتكاب الفعل عبر وسائل تكنولوجية.
وفي ختام تصريحه، حث الطواهري المواطنين على التحلّي باليقظة والحذر إزاء العروض المفاجئة وتفادي تقديم أي معطيات شخصية دون التحقق من هوية الجهة المتصلة، مبرزًا أن أولى خطوات الحماية القانونية تنطلق من وعي الأفراد بحقوقهم ومن إدراكهم لمسؤوليتهم في التفاعل السليم مع مؤسسات الدولة عند التعرض لأية محاولة نصب أو احتيال.
من جانبها، سجلت الباحثة نادية الكتاني أن هذه العمليات الاحتيالية تنجح لأنها تُخاطب الحاجة النفسية العميقة لدى المواطن البسيط، لا سيما في ظل أوضاع اقتصادية متقلبة.
وأوضحت الكتاني، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الفرد حين يتلقى وعدًا بجائزة دون مجهود، خاصة إن كانت مرتبطة بالقيم الدينية كرحلة عمرة، فإنه يُسلم بسرعة بفعل العاطفة، ويتجاهل منطق الحذر”.
وأضافت الباحثة ذاتها أن ضعف التوعية الرقمية وغياب ثقافة الشك في الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية يساهمان في خلق بيئة خصبة لنجاح هذه الأساليب، مؤكدة أن الحل لا يقتصر على المتابعة القانونية فقط؛ بل يتطلب تدخلًا مجتمعيًا وتربويًا لتحصين الأفراد نفسيًا ومعرفيًا.
واعتبرت المتحدثة عينها أن ما وقع لوجدان ليس حالة معزولة؛ بل هو انعكاس لتحولات اجتماعية عميقة يعيشها المجتمع المغربي، حيث تتقاطع فيها الطموحات الفردية مع هشاشة الوعي الرقمي.
وأبرزت الكتاني أن “الضغط الاجتماعي والرغبة في تحقيق مكاسب سريعة، ولو كانت وهمية، يدفعان الكثيرين إلى تصديق وعود زائفة دون تمحيص، خصوصًا في الفئات العمرية الشابة أو المتقدمة في السن”.
وأضافت الباحثة أن هذه الحيل تجد بيئة خصبة في مجتمعات تعاني من تراجع الثقة في المؤسسات؛ مما يجعل الأفراد أكثر عرضة لتصديق أطراف مجهولة تعدهم بما تعجز الجهات الرسمية أحيانًا عن تحقيقه.
وفي نظرها، فإن الحل لا يمر فقط عبر القانون؛ بل يتطلب إعادة بناء ثقة المواطنين بأنفسهم وبمحيطهم، وإدماج التربية الرقمية والمالية ضمن المناهج التعليمية لتحصين الأجيال المقبلة من مثل هذه الممارسات.
ودعت إلى تفعيل دور الإعلام والمدرسة والأسرة في خلق ثقافة مجتمعية قائمة على الحذر الواعي لا الخوف المشلول، مؤكدة أن “تعزيز المناعة النفسية والاجتماعية ضد الاحتيال الرقمي لا يقل أهمية عن محاربة الأمية التقليدية؛ بل هو اليوم من شروط المواطنة الرقمية السليمة”.
وختمت المتحدثة تصريحها بدعوة إلى إنتاج حملات تواصلية مبسطة، تُخاطب المواطن بلغته اليومية وتُبرز بطرق واقعية قصص الضحايا من أجل إيقاظ الحس النقدي لدى المتلقين وتفكيك آليات الاستدراج النفسي التي توظفها شبكات النصب بشكل مدروس ومتقن.