آخر الأخبار

قسوة الملاحظات المدرسية تسائل الأساتذة عن تحقيق "التربية الإيجابية"

شارك

في ختام الموسم الدراسي، يعمد عدد كبير من الأساتذة إلى إرفاق نتائج بعض المتعلمين بملاحظات تحمل طابعًا سلبيًا؛ من قبيل: نتائج ضعيفة، أو مجهودات جد محدودة، أو تلميذ لا يبذل أي مجهود…، وعلى الرغم من نية التنبيه أو التوجيه، فإن هذه العبارات قد تخلّف أثرًا نفسيًا عميقًا لدى التلاميذ، خاصة المتعثرين منهم.

وانطلاقًا من هذا الواقع، يُثار نقاش تربوي ونفسي حول جدوى الملاحظات المرفقة بالنتائج، ومدى ملاءمة صيغها مع تأثيرها النفسي على مختلف فئات المتعلمين. كما يُثار سؤال البدائل الممكنة التي تضمن تقديم توصيف موضوعي وبنّاء للمسار الدراسي، يُسهم في تحفيز المتعلم على التطور دون المساس بتوازنه النفسي.

إشراك للأسرة

جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، قال إن “الهدف التربوي من تدوين الملاحظات المرفقة في نتائج المتعلمين هو توجيه المتعلم نحو التحسن وتشجيعه على بذل المزيد من الجهود في سبيل تحسين أدائه وتجاوز أخطائه”.

وأضاف مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “تلك الملاحظات تشكل فرصة لأولياء الأمور من أجل التعرف على مستوى وسلوك أبنائهم، والمجهودات التي يبذلونها في الفصل الدراسي. كما أنها تساهم في إشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية وتقديم الدعم المنزلي المناسب”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “أغلب العبارات التي يدونها الأساتذة تشير إلى مستوى المتعلم أو سلوكه بخصوص الانضباط أو المجهودات التي يبذلها.. وبالتالي، فهي ذات أهمية بالغة سواء بالنسبة للمتعلمين أو أولياء أمورهم؛ غير أن هذا لا يمنع من إمكانية إرفاق النقطة بملاحظات دقيقة حول المتعلم ومستواه وبعضٍ من خصوصياته، بما يتيح لأولياء أموره التعرف على مستواه ومتابعة وضعه عن كثب”.

وسيلة لا غاية

إبراهيم الخرمودي، مفتش تربوي بالسلك الابتدائي، قال إن “خلق النجاحات البسيطة لدى المتعلمين هو مفتاح بناء الثقة وتحقيق التقدم التدريجي”، مشيرًا إلى أن “التعلم الناجح لا يتم إلا في بيئة آمنة؛ وهو ما تتفق عليه التوجهات التربوية الحديثة التي تضع المتعلم في صلب العملية التعليمية”.

وأضاف الخرمودي، في تصريح لهسبريس، أن “النقاط والملاحظات ليست غاية في حد ذاتها؛ بل هي وسيلة لتشجيع المتعلمين وتحفيزهم، شرط أن تُصاغ كتوجيهات بناءة، تساعدهم على التقويم الذاتي، وتفتح المجال أمام الأسر للمشاركة في مواكبة المسار الدراسي لأبنائهم”.

وحذر المفتش التربوي من “التأثيرات السلبية للملاحظات الجارحة”، موضحًا أنها “قد تهدم نفسية المتعلم، وتؤدي إلى الانطواء أو التنمر أو فقدان الثقة؛ ما قد يدفعه إلى الجوء إلى سلوكيات مضطربة، مثل الغش أو الهروب نحو فضاءات يشعر فيها بالقبول والاحتضان”.

وأكد المصرح سالف الذكر أن “الملاحظات الإيجابية ضرورية؛ لأنها تمنح المتعلم فرصًا لتجاوز إخفاقاته، وتجعل من النجاحات البسيطة نقطة انطلاق لبناء الثقة في النفس، وتحقيق التوازن النفسي والمعرفي داخل الفضاء المدرسي”، لافتا إلى أن “هذه المبادئ تندرج ضمن ما يسمى بالتربية الإيجابية، التي تعترف بتعدد وتائر التعلم، وتدعو إلى قبول المتعلم بتعثراته، وتصميم مسار خاص له”.

وشدد إبراهيم الخرمودي على أن “فرص النجاح لا تتحقق إلا في بيئة آمنة، تُلغي كل مصدر سلبي، وتمنح المتعلم دفء العلاقة التربوية، وتغذي ثقته بنفسه، ليبني مسارًا دراسيًا يليق بقدراته ووتيرته الخاصة”.

التحفيز بدل التوبيخ

ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “الملاحظات السلبية قد تزرع ضغطًا نفسيًا لدى التلاميذ المتفوقين، يتمثل في الخوف من التراجع عن مستواهم، والشعور بقلق دائم بسبب توقعات المعلمين والأهل؛ ما يدفعهم أحيانًا إلى الانعزال أو إلى تبني نظرة دونية تجاه زملائهم الأقل أداءً”.

وبخصوص الملاحظات السلبية الموجهة للتلاميذ المتعثرين، أكدت الفضل أنهم “يتأثرون بشكل مختلف، إذ قد تؤدي الملاحظات القاسية إلى تراجع دافعيتهم للتعلم، وتكريس صورة ذاتية سلبية تجعلهم يشعرون بالعجز والدونية؛ ما يدفع بعضهم إلى الانسحاب النفسي أو العاطفي من الدرس ومن العلاقة التربوية مع المعلم”.

ودعت الأخصائية النفسية، في تصريح لهسبريس، إلى “استبدال لغة التوبيخ بلغة تحفيزية تركز على الجهد المبذول لا على النتيجة فقط”، مشيرة إلى “أهمية إبراز نقاط القوة الممكن تطويرها، وتفادي التقييمات الشخصية التي تمس التلميذ، مع الاقتصار على ملاحظات موضوعية تتعلق بالسلوك أو الأداء الدراسي”.

وشددت الفضل على أن “الملاحظات المدرسية ينبغي أن تعكس فرص التطور لا أن تكون حكمًا نهائيًا على التلميذ”، مشيرة إلى ضرورة “تبني خطاب إيجابي واقعي، مع التذكير بأن الكلمة المكتوبة قد تظل عالقة في ذاكرة الطفل لسنوات وتؤثر على رؤيته لذاته ومساره الدراسي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا