نبّهت دراسة علمية حديثة إلى أن افتقار التشريعات الحالية المؤطرة للمجال الرقمي إلى إطار شامل ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي يخلق “فجوات قانونية قد تتيح الاستغلال غير الأخلاقي لذكاء الآلة”، مُعتبرة أن تنظيم هذا الأخير يتطلّب مراجعة شاملة لهذه التشريعات وإنشاء هيئة وطنية مستقلة تنكب على تقييم المخاطر والفوائد إلى جانب وضع معايير وإرشادات تنظيمية واضحة ومحددة.
وجرد الإسهام العلمي، المعنون بـ”تطوير الإطار القانوني للذكاء الاصطناعي في المغرب.. دراسة تحليلية للمستقبل الرقمي ودروس من التجارب الدولية” والصادر بالعدد الجديد من مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية، مجموعة من القوانين المؤطرة للمجال الرقمي في المغرب، يتقدمها القانون رقم 07.03 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.
كما استحضر محمد مشنك، الذي أعد الدراسة، وهو باحث بسلك الدكتوراه في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، القانون رقم 53.05 المنظم للتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، وكذلك القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، فضلا عن القانون رقم 05.30 المتعلّق بالأمن السيبراني.
على صعيد التحديات القانونية التي يطرحها تنظيم ذكاء الآلة، أوضحت الدراسة العلمية، التي طالعتها هسبريس، أن “التشريعات الحالية تفتقر إلى إطار شامل ومتكامل ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي بمختلف جوانبه”.
ونبّهت إلى أن هذا الأمر “يؤدي إلى فجوات قانونية، قد تسمح بالاستغلال غير الأخلاقي لهذه التقنيات”، عادة أنه يتطلب “تطوير قوانين محددة تتناول الجوانب المتعددة للذكاء الاصطناعي؛ بما في ذلك الأخلاقيات والمسؤولية، والشفافية، والمساءلة”.
وأضاف الباحث أن “قضايا الخصوصية والأمان تمثل تحديا كبيرا في ظل تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي”، إذ مع تطور تقنيات الأخير “تزداد المخاوف حول الخصوصية وحماية البيانات الشخصية”، مُردفا أن ذلك يفرض على المشرّعين المغاربة “وضع قوانين صارمة لحماية البيانات الشخصية، وضمان عدم استخدامها بطرق تنتهك الخصوصية أو تؤدي إلى التمييز أو الإساءة”.
كما لفت المصدر نفسه، في هذا الصدد، إلى التحديات التقنية؛ حيث “تتطور التقنيات بوتيرة سريعة، وغالبا ما تتجاوز قدرة الأطر القانونية الحالية على مواكبتها”، مردفا أن هذا “يتطلب من المشرعين التحديث المستمر للقوانين، لتعكس التغيرات التقنية وتضمن التوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية الحقوق الفردية والمجتمعية”.
وأوضح الباحث أن المشرعين المغاربة يتعيّن عليهم التعامل كذلك مع “التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، بحكمة وبصيرة؛ فمع ازدياد الاعتماد على الأتمتة، قد تتأثر بعض الوظائف التقليدية سلبا”، مشددا على أن الأمر “يستدعي وضع خطط استباقية للتدريب وإعادة التأهيل المهني، ينبغي أن تشمل (…) برامج تعليمية وتدريبية تتناول المهارات الجديدة المطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي”.
كما قالت الدارسة إنه يستوجب على المغرب أن يعمل على “تعزيز التعاون الدولي لتطوير معايير وقوانين مشتركة” في الذكاء الاصطناعي نظرا لطبيعته العابرة للحدود، مُفيدة بأنه “يمكن لهذا التعاون أن يسهم في تبادل الخبرات والمعرفة، وتطوير حلول مبتكرة تتناسب مع السياقات المحلية والعالمية، وضمان استخدام أمن وأخلاقي للذكاء الاصطناعي”.
وأوصت الدراسة باتخاذ خطوات استراتيجية ومدروسة لتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتقدمها “إجراء مراجعة دقيقة ومُعمّقة للتشريعات الحالية لتحديد الفجوات التشريعية التي قد تعيق تطوير وتنظيم الذكاء الاصطناعي”، مردفة أن هذه المراجعة “يجب أن تكون شاملة، وتغطي جميع الجوانب القانونية ذات الصلة؛ بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية الخصوصية، والأمان السيبراني”.
وأكمل المصدر: “من الأهمية بمكان أن تأخذ المراجعة في الاعتبار كيفية دعم القوانين الحالية للابتكار والبحث في مجال الذكاء الاصطناعي، وكذلك تحديد الحاجة إلى تعديلات أو إضافات تشريعية جديدة تتماشى مع المعايير الدولية”.
كما أوصى الإسهام العلمي نفسه بتأسيس هيئة وطنية مستقلة للذكاء الاصطناعي، تعمل كمنظم ومشرف على تطبيقاته، عادا أن هذه الهيئة يجب أن تكون “مزودة بالخبرات اللازمة لتقييم المخاطر والفوائد المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن تكون قادرة على تطوير معايير وإرشادات تنظيمية واضحة ومحددة”.
وفي هذا الجانب، سجل الباحث معد الدراسة أنه “من المهم أن تكون الهيئة مستقلة لضمان النزاهة والشفافية في تقييم وتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي”.