آخر الأخبار

دعم الحكم الذاتي بالصحراء المغربية يخرج بريطانيا من "المنطقة الرمادية"

شارك

جاء البيان المشترك الصادر عقب زيارة وفد دبلوماسي بريطاني رفيع المستوى إلى الرباط ليكرّس مرحلة جديدة من التقارب الاستراتيجي بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة؛ إذ تضمن إشارات صريحة إلى دعم لندن للمشاريع التنموية والاقتصادية التي يُشرف عليها المغرب في جهتي العيون-الساقية الحمراء والداخلة-وادي الذهب، وهذا الدعم، الذي حمل بُعدا سياسيا ضمنيا، يُعتبر في تقدير عدد من المراقبين تزكية واضحة للمقاربة المغربية في تدبير النزاع، حتى وإن لم يتضمن اعترافا مباشرا بالسيادة.

يأتي هذا الموقف في سياق التحولات التي تعرفها السياسة الخارجية البريطانية ما بعد “بريكست”، والتي باتت ترتكز على منطق النجاعة والمصالح الثنائية. وهكذا، فإن الانخراط البريطاني في مشاريع بالأقاليم الجنوبية للمملكة لا يُقرأ فقط كبعد اقتصادي استثماري، بل كتحول دبلوماسي يراعي المعطيات الواقعية الجديدة التي فرضتها المملكة ميدانيا ومؤسساتيا في الصحراء المغربية.

الواقعية الجديدة

يرى المحلل السياسي بوسلهام عيسات أن القرار البريطاني الأخير يعكس انتقال المملكة المتحدة من المنطقة الرمادية إلى التعبير عن موقف إيجابي إزاء مغربية الصحراء، معتبرا أن البيان المشترك يترجم قناعة لندن بمصداقية المقاربة المغربية، وخاصة مبادرة الحكم الذاتي التي باتت تحظى بدعم متزايد من القوى المؤثرة في مجلس الأمن. وأبرز أن موقف بريطانيا لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة دينامية داخلية بدأت منذ توجيه أكثر من ثلاثين نائبا من البرلمان البريطاني رسالة إلى وزير الخارجية في ماي 2024، يطالبونه فيها بدعم مخطط الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي لإنهاء النزاع المفتعل.

وأوضح عيسات، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إدراج مشاريع الصحراء ضمن برامج الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات يعكس تحولا نوعيا في مقاربة لندن للتعاون الاقتصادي، ويُعد بمثابة اعتراف ضمني بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مشيرا إلى أن الميناء الأطلسي بالداخلة يمثل فرصة استراتيجية لبريطانيا لتعزيز موقعها البحري والتجاري في إفريقيا. واعتبر أن المملكة المتحدة، باعتبارها قوة بحرية كبرى، ترى في الأقاليم الجنوبية بوابة نحو شراكات جديدة في القارة، من خلال تطوير أدوات الدبلوماسية الاقتصادية وتعزيز التعاون عبر الغرف والمنتديات المشتركة.

وأكد المتحدث أن أهمية القرار البريطاني تتعزز أيضا بالنظر إلى موقع بريطانيا كعضو دائم في مجلس الأمن، موردا أن دعمها الصريح للمبعوث الأممي واستعدادها للانخراط في المسار السياسي يمنح المبادرة المغربية زخما إضافيا داخل أروقة الأمم المتحدة. وشدد على أن التموقع الجديد للندن ينخرط في الدينامية الدولية التي باتت تُجمع على أن الحكم الذاتي هو الإطار الواقعي الوحيد لتسوية الملف، خاصة في ظل الاضطرابات التي تعرفها مناطق الساحل والشرق الأوسط، والتي تجعل من المغرب شريكا محوريا في استقرار المنطقة.

التموقع الاقتصادي

يعتبر الأستاذ عبد القادر فاسي الفهري، أستاذ الهندسة الاقتصادية بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس، أن البيان المشترك بين الرباط ولندن يتجاوز نطاق التعاون الدبلوماسي التقليدي، ليترجم تحولا نوعيا في منطق الشراكات الاستراتيجية. واعتبر أن دعم الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية يندرج ضمن تصور أوسع لتوظيف هذه المناطق كمفاصل اقتصادية حيوية تربط بين الفضاء الأطلسي وعمق القارة الإفريقية، مؤكدا أن هذا التوجه يعيد تموقع الصحراء المغربية في قلب شبكات التبادل العالمي.

وأوضح فاسي الفهري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا النوع من الاستثمارات لا يتم بمعزل عن تقدير دقيق للبيئة الجيو-سياسية والاقتصادية، مشيرا إلى أن الفاعلين البريطانيين يدركون أن الأقاليم الجنوبية تشهد تحولات بنيوية في بنياتها التحتية، تؤهلها لأن تصبح منصة مستقبلية لصناعات الطاقة واللوجستيك، خصوصا في ظل المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة خلال العقد الأخير، وعلى رأسها مشروع ميناء الداخلة الأطلسي.

وشدّد أستاذ الهندسة الاقتصادية بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس على أن البيان البريطاني لا يمكن قراءته خارج سياق التحولات العميقة التي يعرفها منطق الاستثمار الجيو-اقتصادي في إفريقيا الغربية، خاصة في ظل تزايد أهمية الربط الطاقي واللوجستيكي في إعادة تشكيل ممرات التبادل العالمي. وقال إن الأقاليم الجنوبية باتت تكتسب موقعا محوريا ضمن منظور استراتيجي بريطاني يستحضر المزاوجة بين الاستقرار السياسي والجدوى الاقتصادية.

وأضاف أن مشاريع مثل ميناء الداخلة الأطلسي وخطوط الربط الكهربائي البحرية لا تُعد استثمارات قطاعية معزولة، بل تشكل أجزاء من منظومة إقليمية أوسع تسعى لندن إلى الانخراط فيها كمركز تحكّم في التدفقات بين الشمال والجنوب، وواجهة بديلة للتعامل مع التحولات الجيو-طاقية، خاصة في ظل التوترات الأوروبية الداخلية والحاجة لتنويع الشراكات خارج الاتحاد الأوروبي.

وختم فاسي الفهري بأن البيان المغربي البريطاني يمثّل تجسيدا لتحوّل نوعي في مقاربة الشراكات الاقتصادية، حيث لم يعد الاستثمار محكوما فقط بالاعتبارات التجارية، بل أضحى مشروطا بمدى الاستقرار المؤسساتي والوضوح الاستراتيجي، وهما العنصران اللذان تتوفر عليهما الأقاليم الجنوبية بفضل المشاريع البنيوية الكبرى التي أطلقتها المملكة. وأضاف أن هذا المنحى يؤشر على بداية انخراط قوى اقتصادية كبرى في دينامية تنموية طالما راهن عليها المغرب كخيار استراتيجي لترسيخ وحدته الترابية عبر منطق التنمية والربح المشترك.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا