يشكل القطاع غير المهيكل في المغرب ظاهرة اقتصادية معقدة تثير اهتمام الخبراء وصناع القرار على حد سواء، فبينما يعتبره البعض محركا أساسيا للنمو الاقتصادي وقاطرة لتوفير فرص العمل، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد الرسمي، يرى آخرون أنه يمثل تحديا كبيرا نظرا لتداعياته على الموارد الجبائية للدولة، وتأثيره على المنافسة العادلة، بالإضافة إلى هشاشة العاملين فيه بسبب غياب الحماية الاجتماعية.
وكشف تقرير حديث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط عن نمو لافت في معاملات القطاع غير المهيكل في المغرب خلال الفترة الممتدة من عام 2014 إلى 2023، حيث بلغت نسبة هذا النمو 28.7 في المائة.
هذا التطور يعكس، بحسب المختصين، حيوية هذا القطاع وقدرته على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه يفرض في الوقت ذاته ضرورة البحث عن آليات فعالة لدمجه بشكل تدريجي في النسيج الاقتصادي الرسمي، بما يضمن الاستفادة المثلى من إمكانياته ويحد من آثاره السلبية.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد أمين سامي أن “نمو معاملات القطاع غير المهيكل يساهم بشكل مباشر في توسيع نطاق النشاط الاقتصادي الموازي”، موضحاً أن هذه الزيادة “تشير إلى نمو ملموس في عدد ووفرة الأنشطة التجارية والصناعية والخدماتية التي لا تخضع للتسجيل الرسمي، ما يساهم بدوره في ضخ سيولة إضافية في السوق المحلية وتنشيط الطلب على مختلف السلع والخدمات”.
وأضاف سامي، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذا النمو “ساهم أيضا في الرفع من قدرة الاقتصاد على التحمل، حيث يُظهر القطاع غير المهيكل مرونة واستجابة سريعة لتقلبات الطلب، خصوصاً في المناطق الحضرية والريفية، الأمر الذي يخفف من حدة الركود الاقتصادي في الظروف الصعبة”.
ومع ذلك نبه الخبير ذاته إلى “التحديات والآثار السلبية” التي يفرضها هذا النمو، مشيرا إلى “فقدان موارد جبائية هامة، إذ إن النسبة الكبرى من هذه المعاملات تجري خارج الإطار الضريبي الرسمي، ما يُضعف قاعدة الإيرادات الحكومية اللازمة لتمويل الخدمات العمومية والاستثمار في البنية التحتية”.
كما لفت المتحدث إلى “تشويه المنافسة، حيث تضطر المؤسسات المهيكلة لدفع تكاليف ضريبية واجتماعية أعلى، في حين يستفيد القطاع غير المهيكل من تكاليف تشغيل أقل، ما يخلق منافسة غير عادلة”.
ولم يغفل سامي “غياب الضمانات الاجتماعية، إذ إن نمو المعاملات لا يصاحبه تعميم للتغطية الصحية أو التقاعدية، ما يزيد من هشاشة هذه الشريحة ويعرضها للمخاطر في الأزمات الاقتصادية أو الصحية”.
واقترح الخبير في التخطيط الإستراتيجي “العمل على مسارات التكامل”، من خلال “تبسيط إجراءات التسجيل لتشجيع التحول من القطاع غير المهيكل إلى المهيكل، عبر إنشاء مراكز خدمة متخصصة وتقديم حوافز ضريبية مرحلية”، ودعا أيضاً إلى “الرقمنة والتتبع، من خلال اعتماد منصات إلكترونية لتعقب المعاملات ودعم المقاولات الصغرى بتوفير بوابات دفع رقمي، ما يقلل من التهرب الضريبي”، مشددا على أهمية “تطوير مؤشرات للمراقبة تشمل نسبة التحول إلى التسجيل الرسمي سنويا، ونسبة الإيرادات الضريبية المحققة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى نسبة مستوى التغطية الاجتماعية للعاملين الذين كانوا سابقاً في القطاع غير المهيكل”.
وختم محمد أمين سامي تصريحه بمجموعة من التوصيات، أبرزها “إعادة تصميم سياسة الحوافز الضريبية لتشجيع التسجيل الرسمي على مراحل، مثل الإعفاء الضريبي للسنتين الأوليين، وتطوير شراكات مع القطاع البنكي لتمكين المقاولين غير المهيكلين من الولوج إلى الائتمان، ودعمهم ببرامج تدريب مالي، بالإضافة إلى تكثيف الحملات التوعوية حول مزايا التهيكل، مثل الولوج إلى الأسواق الكبيرة والحماية القانونية والاجتماعية، وإنشاء نظام رقمنة مبسط للفوترة والإبلاغ الجبائي عبر تطبيق حكومي موحد”.
من جانبه أكد المحلل الاقتصادي إدريس العيساوي أنه “إذا تعاملنا مع المعطيات التي جاءت في تقرير المندوبية السامية للتخطيط وقرأنا أهمها نجد أولاً أن القطاع غير المهيكل متواجد بشكل كبير في منطقة الدار البيضاء – سطات، ويعمل برساميل غالباً ما تكون عائلية، كما أنه معروف في المجال الصناعي بأنه يعتمد بشكل كبير على المرأة، وهو بالأساس ظاهرة حضرية، وليست معروفة بالقدر نفسه في المجال القروي، حيث تغطي الأنشطة الفلاحية والمرتبطة باستغلال الغابات على الأنشطة الأخرى”.
واعتبر العيساوي، في حديث لهسبريس، أن “هذا الارتفاع بنسبة 28.7 في المائة هو رقم مهم جدا”، وزاد موضحا: “إذا أردنا أن نخصص له دراسة نجده يمثل ما لا يقل عن ثلث الأنشطة الموجودة في المجال الصناعي والتجاري”، وأشار أيضاً إلى “مساهمة القطاع غير المهيكل على مستوى التشغيل، حيث يحتل مكانة مهمة”، منبها إلى “إشكالات أخرى مرتبطة بطبيعة من يملك المؤسسات التي تشتغل في المجال الصناعي، إذ نجدها عموماً هياكل ومؤسسات تترأسها نساء، وهؤلاء هن اللواتي يقررن في مصير هذه الأنشطة”.
وتابع المتحدث ذاته: “بالتالي فإن الأنشطة في القطاع غير المهيكل، إذا أردنا أن ندخل في التفاصيل، لا يمكنك أن تتحدث فيها عن مؤشرات كما نعرفها في القطاعات المنظمة، لكنها تساعد في التشغيل وفي المداخيل، إذ تدر دخلاً مهماً على العديد من العائلات التي تشتغل في هذا المجال”.
وخلص الخبير الاقتصادي ذاته إلى أن “الأرقام التي جاءت في هذا التقرير مهمة وتدل على أن القطاع غير المهيكل يلعب دوراً مهماً، سواء في خلق فرص للشغل أو في تيسير العمل بالنسبة للنساء اللواتي يحملن مشاريع في هذه القطاعات، والأمثلة على ذلك عديدة وكثيرة”، مؤكداً على ضرورة “ملاحظة أن القطاع غير المهيكل له مكانة مهمة، كما هو الحال بالنسبة لاقتصادات معروفة على المستوى العالمي، سواء تحدثنا عن الاقتصاد الصيني أو الإيطالي، حيث يحظى القطاع غير المهيكل بأهمية كبيرة جدا”.