وجدت الجامعة المغربية نفسها خلال الأيام الأخيرة وسط نقاش مجتمعي وإعلامي محتدم غداة اعتقال أحمد قيلش، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، الذي تلاحقه تهم من قبيل “المتاجرة في الديبلومات والشواهد الجامعية”.
وفي وقت لم تخرج النقابة الوطنية للتعليم العالي بأي بلاغ حول الموضوع، من باب التفاعل مع النقاش المثار حاليا، في انتظار كلمة القضاء، عبّر أساتذة جامعيون عن رفضهم لكل الوقائع “التي من شأنها أن تمس من مصداقية الجامعة المغربية”.
وأكد هؤلاء لهسبريس دعمهم لـ”ما من شأنه التصدي لأية ظواهر لا تحترم المبادئ المتعارف عليها داخل الحرم الجامعي”، داعين إلى “إعمال الصرامة وتطبيق القانون بغرض التجاوب مع أية ظواهر تسيء إلى البحث العلمي بالمغرب”.
ودعا طيف من الأساتذة الجامعيين بالمملكة إلى “وضع الجامعة المغربية أمام الرقابة الإعلامية والمجتمعية”؛ بينما رفض آخرون “استغلال مثل هذه الحوادث لوضع الجسم الجامعي في السلة نفسها”.
قال العياشي الفرفار، أكاديمي بجامعة ابن زهر بأكادير، إن ” تعميم حالات بعينها ترتبط بالجامعة على كل الأساتذة الجامعيين يظل تعتيما مخالفا للحقيقة، حيث إن هذه الحالات الاستثنائية تشكل صدمة وتخلّف جُرحا داخل الأوساط الجامعية التي تبتغي إنجاح مسلسل الإصلاح”.
وشدد الفرفار، وفق إفادته لهسبريس، على “ضرورة عدم التغاضي مع بعض الحالات باعتبارها حالات شاذة، إذ يجب إعمال الصرامة في هذا الجانب تفاديا للتكرار؛ لأن السهر على حماية الجامعة وسمعتها وقيمتها كذلك يستلزم التشدد ضد أي سلوك مخالف للقانون، لا سيما إذا كان أستاذ جامعي يقف وراءه وتصل به الجرأة إلى التطاول وبيع شواهد لها قيمة، خارج مساطر البحث العلمي ومنطق الاستحقاق”.
ورفض المتحدث النزوع نحو التغطية على مثل هذه الحوادث بدعوى أنها معزولة، حيث أفاد بأن “الوضعية تستدعي تكثيف إجراءات المراقبة وترتيب الجزاءات القانونية في حق المتورطين في الإخلال بالقواعد والمساطر القانونية، لا سيما أن الأمر يتعلق بمجال حساس، منه تتخرج الكفاءات والأطر التي تسيّر باقي القطاعات بالبلاد”.
وأيّد في السياق نفسه كون الجامعات “تظل مؤسسات مجتمعية لا يمكنها أن تكون خارج دائرة النقاش العمومي، إذ يمكن أن يكون هذا النقاش إيجابيا في حالة ما أدركنا طريقة استثماره بشكل صحيح، بهدف تسليط الضوء على جميع الانحرافات التي يجب ردعها، على الرغم من أن النقاش العمومي يكون في بعض الأحيان متطرفا وفضائحيا”.
وأكد الأستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير “أهمية النقاش العمومي لما له من نتائج إيجابية بخصوص تعزيز وظيفة الردع”، خاتما:” دعونا نُرسخ ثقافة الرقابة المؤسساتية والشعبية والإعلامية ورقابة الرأي العام أيضا على الجامعة المغربية من أجل تحصينها من كل الممارسات غير المبدئية التي تسيء إليها”.
رقية أشمال، أكاديمية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكدت شجبها المبدئي لـ”كل الممارسات التي لا تضع مصلحة الطالب المغربي والجامعة المغربية فوق كل اعتبار”، قائلة: “نحن لا نبرئ أحدا ولا ندافع عن أحد كذلك؛ غير أنه ندعو إلى تثمين التجارب المهمة والناجحة على مستوى الجامعات”.
وأوضحت أشمال، في تصريح لهسبريس، أن “القضاء يتولى حاليا مهمة البحث والتحري فيما حدث بأكادير”، وأردفت: “لدينا حوالي 16 ألف أستاذ جامعي بالجامعات المغربية، بما يعني أنه لا يمكن القياس على مثل هذه الحوادث المعزولة من أجل تعميم انطباعات بعينها على كل الأكاديميين”.
وبعدما أكدت أهمية الأوراش التي فتحتها الجامعات المغربية، شددت المتحدثة على أن هذه الأخيرة “بحاجة إلى الإسناد المجتمعي عوضا عن محاولة تحميلها المسؤولية لوحدها بخصوص الفشل على مستوى قطاعات أخرى؛ غير أن ذلك لا يعني أن هذه المرافق لا تحتاج إلى مساءلة اجتماعية تتجاوز بعض الوقائع، وذلك من خلال الحديث الجماعي والمعمق عن إكراهاتها (الجامعة)”.
وعلى الرغم من كل هذا، أوردت الأكاديمية المغربية أن “الجامعات تُحسب لها مساهمتها في النقاش العمومي واحتضانه بعيدا عن التقوقع على نفسها وحصر أدوارها في التلقين العلمي الجاف والنظري”، مفيدة في الآن نفسه بأن “هذه الجامعات تحتاج إلى نقاش هادئ من أجل إحداث ثورة بداخلها، عوضا عن مناقشتها في إطار نقاش ضيّق مطبوع باللحظية والأزمة، من أجل بناء الثقة فيما بينها وبين المجتمع ككل”.