في الذكرى الثانية والعشرين لتفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء، يستحضر المغاربة الألم العميق الذي خلفته تلك اللحظة العصيبة، وفي الوقت ذاته يستعيدون صور التلاحم الوطني، خاصة دور المجتمع المدني الذي تجند لاحتواء تداعيات الحادث، عبر تعزيز قيم التماسك ورفع شعار الرفض التام للعنف والتطرف.
ومثلت التفجيرات نقطة تحول مفصلية دفعت العديد من الجمعيات والمبادرات إلى مضاعفة جهودها لنشر ثقافة السلم وترسيخ قيم التعايش والاختلاف، انطلاقا من قناعة راسخة بأن مواجهة التطرف وخطاب والكراهية لا تكون إلا بالتربية المدنية وبناء وعي جماعي منفتح.
وعلى الرغم من أن الأحداث كانت محدودة في زمانها ومكانها، فإن وقعها امتد إلى عمق المجتمع، حيث أدركت الفعاليات المدنية أن الرد الأقوى على خطاب الكراهية يكون بالفعل الميداني وبفتح آفاق الحوار؛ وهو ما كرس هذه الذكرى كمحطة سنوية لإعادة التأكيد على التزام المغاربة بخيار السلم والوحدة.
عمر مجان، فاعل جمعوي بإقليم أزيلال، قال إن “التفجيرات الإرهابية التي شهدها المغرب سنة 2003 ستظل راسخة في قلوب المغاربة كافة، وقد شكلت دافعا مباشرا لمنظمات المجتمع المدني في مختلف ربوع المملكة للعمل على نشر ثقافة التعايش ونبذ العنف بمختلف أشكاله”.
وأوضح مجان، في تصريح لهسبريس، أن “منظمات المجتمع المدني عملت على تنظيم العديد من الورشات التحسيسية داخل المؤسسات التعليمية، والمشاركة في اللقاءات الوطنية والدينية التي تعنى بمحاربة العنف والإرهاب والتعصب، وترسيخ قيم التعايش بين الشعوب في إطار الاحترام المتبادل، خاصة في المناطق الجبلية التي يعاني سكانها من ضعف الوعي بهذه الإشكالية بسبب ارتفاع نسبة الأمية”.
وبمناسبة مرور 22 سنة على التفجيرات الإرهابية، وجه عمر مجان رسالة إلى مختلف الفعاليات المدنية، باعتبارها “شريكا أساسيا للمؤسسات العمومية”، يدعوها فيها إلى “المضي قدما في مسار نشر ثقافة السلم ومحاربة الإرهاب، لا سيما أن المغرب مقبل على تنظيم تظاهرات عالمية كبرى تتطلب من الجميع، مؤسسات أمنية وحكومية ومدنية، وتحت القيادة الملكية، توحيد الجهود وتعزيز اليقظة والحذر في مواجهة أعداء الوطن الذين يسعون جاهدين إلى الإضرار باستقراره”.
محمد علوان، منسق تنفيذي بجمعية الانطلاقة للتنمية والبيئة والثقافة، قال إن “الجمعية أطلقت سنة 2016 مشروع ‘لا للتطرف’، وسعى حينها إلى مكافحة خطاب الكراهية والتطرف، واشتغل، في بداياته، على مستوى جهة تادلة أزيلال، قبل التقسيم الجهوي الجديد، من خلال تكوين أزيد من 200 فاعل جمعوي ومؤسساتي وديني بهدف تعزيز معارفهم في هذا المجال”.
وأضاف علوان، في تصريح لهسبريس، أن “المرحلة الأولى من المشروع ركزت على المقاربة الوقائية، حيث تم إعداد دليل عملي يتضمن ورشات تطبيقية لفائدة الفاعلين، إلى جانب تنظيم حصص تحسيسية في المؤسسات التعليمية ودور الشباب والنوادي النسائية، تمحورت حول مواضيع كحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وآليات خطاب الكراهية، مع اعتماد مقاربات بيداغوجية تفاعلية كالمسرح والحوار”.
وأكد المتحدث أن “المحور الثاني من البرنامج مكن عددا من الجمعيات المحلية في أزيلال وبني ملال وخريبكة والبرادية من دعم مالي من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ مشاريع مجتمعية موجهة للشباب، تم خلالها تنظيم لقاءات وفعاليات فنية ومسرحية ساهمت في تقديم مقاربة متعددة الأبعاد لموضوع التطرف”.
وأشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى أن “الجمعية أطلقت أيضا مشروعا مكملا تحت عنوان ‘شباب من أجل التسامح’، استهدف شباب حي شعبي في أفورار، حيث تم اختيار 20 شابا للمشاركة في تكوين حول المهارات الحياتية والناعمة، بمشاركة فاعل ديني تابع لوزارة الأوقاف، كان يواكب هؤلاء الشباب من داخل بيئتهم ويشاركهم النقاش والتأطير بشكل مباشر”.
وختم محمد علوان توضيحاته بالدعوة إلى “اعتماد مقاربة مبنية على حقوق الإنسان في التعاطي مع ظاهرة التطرف، مع ضرورة إشراك مختلف الفاعلين، وخصوصا الفاعلين في الحقل الديني، لما لهم من دور في الترويج لخطاب ديني معتدل يساعد على بناء ثقافة العيش المشترك والتسامح داخل المجتمع”.
خالد الحموعلي، رئيس جمعية مغرب السلام والحضارات، قال إن “اختيارنا لتسمية الجمعية لم يكن وليد الصدفة؛ بل يحمل دلالة رمزية عميقة تعكس الرسالة التي نناضل من أجلها، وهي ترسيخ قيم السلم الجماعي وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش. هذا التوجه ينعكس بوضوح في الأنشطة التي دأبنا على تنظيمها منذ تأسيس الجمعية”.
وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن “الجمعية تسعى، من خلال برامجها، إلى الحفاظ على ثوابت الأمة المغربية، وتربية الأجيال الصاعدة على قيم المواطنة الصادقة، والتشبث بالهوية الوطنية والاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن العزيز”.
وأشار الحموعلي إلى أن “مشاركتنا في عدد من التظاهرات الثقافية والتربوية، مثل معرض الكتاب الذي نظمناه في مناسبة وطنية، يندرج ضمن رؤية الجمعية الهادفة إلى ربط الناشئة بالمناسبات الوطنية الكبرى، وترسيخ الحس بالانتماء الوطني في نفوس الأطفال”.
وأكد الفاعل الجمعوي أن “الجمعية تشتغل حاليا في إطار شراكة مع المديرية الإقليمية للتعليم بعين الشق، وعدد من الشركاء الآخرين، ضمن القافلة الوطنية للتعبئة المجتمعية، التي تستهدف إعادة إدماج المنقطعين عن الدراسة، خاصة مع اقتراب نهاية السنة الدراسية”.
وشدد المتحدث على أن “الجمعية لا تكتفي بالجانب التربوي؛ بل تعمل أيضا على تنظيم أنشطة متكاملة تشمل الترفيه والثقافة والدين، من خلال مسابقات في حفظ القرآن الكريم، وورشات فنية وتربوية، تساهم في تنمية شخصية الطفل بشكل متوازن ومنفتح على قيم التسامح والانتماء”.
وأفاد رئيس جمعية مغرب السلام والحضارات بأن “الجمعية نظمت خرجات ترفيهية وتربوية للأطفال احتفالا بالأعياد الوطنية، خاصة بمناسبة تجديد الولاء للملك محمد السادس، من أجل تعليم الناشئة حب الملك والوطن”، مشددا على أن “الجمعية تسعى إلى أن يكون لها إشعاع وطني في المستقبل، مع حرصها على كل أشكال التعاون لخدمة الوطن وأبنائه”.