آخر الأخبار

تواتر "فضائح المتاجرة بالدبلومات" يلطّخ سمعة التعليم العالي بالمغرب

شارك

مع متابعة أستاذ للقانون بجامعة ابن زهر بأكادير في حالة اعتقال إثر أمر قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش بإيداعه السجن، مع وضع ستة أشخاص آخرين تحت تدابير المراقبة القضائية، تفجّرت بحر هذا الأسبوع واحدة من أخطر ملفات الفساد الجامعي المصنفة ضمن ملفات “المال مقابل الشواهد والدبلومات”، في انتظار ما ستكشفه فصول التحقيقات الجارية من خيوط احتمال ارتباطها بشبكة كانت تسهّل تزوير دبلومات استخدُمت في “توظيفات مشبوهة” بمباريات مهنة المحاماة.

وأفاد مصدر مطلع تحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية بأن “الماستر الذي كان منسقه هو الأستاذ المعني (أحمد قيلش) لطالما كانت شبهة الفساد لصيقة به أو ببعض خريجيه”، مستغربا “التستر الذي رانَ لسنوات طويلة على رئاسة جامعة ابن زهر وبعض مصالح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مركزيًا”.

وسجل مصدر هسبريس، الذي سبق أن كان طالباً في شعبة القانون، وهو أحد أعضاء “اللجنة الوطنية لضحايا امتحان مزاولة مهنة المحاماة”، أن “هذا التذمر مما كان يقوم به الأستاذ الجامعي لم يكن فقط وسط الطلبة، بل كان مرصوداً من طرف بعض الأساتذة المحترمين وفي أوساط شعب الدراسات القانونية”، مستحضرا بتعبيره ما قال إنها “فصول معاناة في التعامل معه عاشتْها منسقة شعبة القانون الخاص؛ كما كانت تربطه ببعض الأطر الإدارية التي سبق أن اتهمت بتزوير دبلومات علاقات غير طبيعية، فضلا عن تناسُل شهادات من طرف طالبات حول “شبهات التحرش’ و’علاقات لا أخلاقية'”.

وأضاف المتحدث شارحا أن “الغريب في الأمر أن مجموعة من طلبة الأستاذ المعني بفضيحة المتاجرة بالدبلومات (بما يصل إلى قرابة 25 مليون سنتيم)، وبعض مؤسسي فروع مركزه الحقوقي بمختلف المدن وأقربائه، قد تمكنوا من ولوج مهنة المحاماة (دورتا 2022 و2023) بشكل غير مفهوم؛ ما يُبرز نفوذه”.

وحسب المعطيات التي توفرت لهسبريس، من المصدر ذاته، فإن “جرأة أستاذ القانون سالف الذكر على مواجهة الأساتذة يفسّرها ما راج بأن لديه شبكة علاقات مع مسؤولين نافذين عبر شبكة المصالح التي كوَّنها من الماستر الذي يشرف عليه”، بتعبيره.

ويسود الترقب بأن تكشف التحقيقات المعمّقة، بعد انتهاء تلك التي أجرتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مع “أستاذ جامعة ابن زهر”، عن “شبكة مترابطة” يختلط فيها بيع الدبلومات بـ”التوسط والسمسَرة” في مباريات للتوظيف في مهن المحاماة؛ إذ يتعلق الأمر بزوجة الأستاذ المعني، التي تشتغل محامية، ورئيس مصلحة كتابة الضبط بأسفي سابقا، ونجل هذا الأخير (محام متمرن)، إلى جانب محامين آخرين وأستاذ بالكلية نفسها.

سمعة الجامعات محل تساؤل؟

وارتفعت أصوات حقوقية وتربوية منادية بأن “تعمل وزارة التعليم العالي رفقة القطاعات المعنية على وضع ضوابط للحكامة تمكن من ضمان الشفافية والنزاهة، وتعزز الرقابة وسبل عدم الوقوع في هذه الإشكالات التي تمس بحرمة الحقل العلمي والأكاديمي”، حسب تعبير مصدر هسبريس، الذي أكد أن “ذلك يلطّخ صورة رهانات المملكة المغربية المعقودة على خريجي الجامعات من كفاءات وأطر قادرة على تحمل المسؤولية وتدبير الشأن العمومي، خاصة في مهن قانونية حسّاسة”.

وتأسّف المتحدث لما “أصبحت عليه سمعة الجامعات بالمغرب”، واصفاً إياها بـ”وضعية يرثى لها، بسبب ممارسات أصبحت شائعة من قبيل بيع الدبلومات والمحسوبية والزبونية، وما يرتبط بها من فضائح (الجنس مقابل النقط والاتجار بالبشر..)؛ ما أصبح ينتج نخبا وأطرا فارغة وفاسدة تؤثر على الأداء الإداري والسياسي سلبا وتسهم في إعادة إنتاج منظومة الفساد، رغم أن الجامعة المغربية تختزن قامات علمية قدّمت ومازالت تقدم الكثير، إلا أنها تجد نفسها محارَبة ومحاصَرة”.

تفعيل آليات الحكامة

في تعليقه على الموضوع قال محمد اكديرة، أكاديمي مغربي مختص في السياسات العمومية التربوية، إن “تكرار وتجدّد حالات فساد جامعي (بمختلف أنواعه المالية والأخلاقية وحتى السرقات العلمية) يضع سمعة الجامعات المغربية بكل مكوناتها على محك اختبار حقيقي لمستويات الجودة والحكامة بالنسبة للأساتذة كما الطلبة”.

ولفت اكديرة، الذي درّس بكلية علوم التربية بالرباط، ضمن حديث مع هسبريس، إلى أن “أحد مكامن الداء يبدأ عند مسار توظيف بعض الأساتذة الباحثين”، واصفاً ما يقع في بعض الأحيان بـ”التسيّب”، لـ”عدم ضبط ملفات المترشحين بشكل خاص في الشق الأخلاقي–القِيمي وتدقيق السيرة العلمية والنزاهة كقيمة ملازمة ومؤهِّلة لحمل صفة الأستاذ الباحث في التعليم العالي”.

وسجل المتخصص في السياسات التربوية “ضرورة اعتماد نتائج اختبارات/روائز سيكولوجية، إلى جانب المقابلات الشفهية، حين توظيف الأساتذة الجدد”، مبرزا أن ذلك “من شأنه أن يجنّبنا اختلالات لاحقة تتطلب سواء تحقيقات إدارية مطولة أو تلك التي يتدخل فيها المسار القضائي، بعد أن يكثر الضحايا أو المشتكون”.

كما شدد المصرح لهسبريس على “ضرورة تفعيل مكاتب للنزاهة وهيئات الأخلاقيات التي توجد في تشكيلة مجالس الجامعات؛ بوصفها من أدوات الحكامة المؤسساتية الأساسية”، مؤكدا أيضا على “أهمية إجراء افتحاصات داخلية مستقلة، أو من طرف مصالح المجلس الأعلى للحسابات ومفتشية المالية لضمان حيادية ونزاهة التقييم وتقرير الأخلاقيات”.

وأثار اكديرة ما وصفها بـ”مفارقات عديدة بين نزاهة خريجي أجيال عقود ما قبل بداية الألفية الثالثة وبين حال وواقع ما آلت إليه الجامعات المغربية في الظرف الراهن”.

“دعوة إلى التريث”

من جانبه علّق الحسين زاهدي، أستاذ التعليم العالي خبير في السياسات التربوية العمومية، على حالات “بيع” الشواهد الجامعية، بأنها وقائع تحتمل مَثَل “الشجرة التي تخفي الغابة”.

وبخصوص واقعة “أستاذ القانون” لفت زاهدي مصرحا لهسبريس إلى أن ما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عنها “مخجل ومُخز للغاية”، معتبرا أن “الأشدّ إيلاما في الموضوع هو ما يمكن أن يلحقه كل ذلك من أذى وضرر معنوي بالغ بهيئة الأساتذة الباحثين ومكانتها الاعتبارية، وبسمعة ومكانة الجامعة المغربية؛ بعد أن شكَّلا منارة إشعاع علمي وثقافي للمغرب في العالمين العربي والإسلامي وحتى على الصعيد الدولي منذ زمن الاستقلال”.

وأضاف الخبير ذاته أن “تحصيل المال مقابل ‘بيع’ تكوينات وشهادات جامعية يحتاج بعض التريث في إصدار الأحكام القاسية على الجامعة والجامعيين؛ حتى تعلن الجهات المخولة قانوناً عن النتائج النهائية لهذه القضية المحزنة والمقرفة”، خاتما بأن “ما حصل في جميع الأحوال مرفوض ومقزز وغير مُشرِّف لأي جهة أو هيئة في البلاد”، وفق تقديره.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا