شهدت مدينة القنيطرة، اليوم الثلاثاء، حادثة اختناق جماعي داخل أحد المصانع المتخصصة في المواد الكيماوية، ما تسبب في نقل عدد من العمال على وجه السرعة إلى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية، وسط حالة استنفار لدى السلطات المحلية والمصالح الصحية.
وفي هذا الإطار قال عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان: “مع الأسف يتكرر وقوع الحوادث داخل الوحدات الصناعية في المغرب، كما حصل مؤخراً في وحدة لصناعة أسلاك السيارات بمدينة القنيطرة. واللافت أن هذه الحوادث تتكرر في معامل القنيطرة وضواحيها، بل والواضح أن جلها تواطأت فيها ثلاثة عوامل رئيسية، منها هشاشة الرقابة، ومنطق الربح السريع، وغياب المحاسبة”.
وفي حديثه عن العامل الأول قال تشيكيطو ضمن تصريح لهسبريس إن “هناك ضعفا واضحا في منظومة التفتيش والمراقبة الموكول إليها التحقق من مدى احترام المقاولات شروط السلامة والصحة المهنية؛ ففي الغالب تشتغل هذه الوحدات في ظل غياب تفتيش دوري صارم، أو في أحيان كثيرة في ظل ضعف مؤسسة التفتيش بسبب اللوجستيك والموارد البشرية، ما يفتح الباب أمام تجاوزات تهدد أرواح العاملين والعاملات”.
أما العامل الثاني، بحسب المتحدث ذاته، فـ”يرتبط بمنطق الربح بأقل التكاليف لبعض الشركات، بما في ذلك التراخي في إجراءات الوقاية واقتناء تجهيزات السلامة، وفق المواد من 281 إلى 291 التي تنظم شروط الصحة والسلامة المهنية داخل المقاولات، وكذا اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 155 التي تخص السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل، إذ أصبحت بعض المعامل مكاناً للخطر بدل أن تكون فضاءً للعمل الكريم، خاصة حين يُختزل العامل في مجرد أداة إنتاج ولا يُستثمر في سلامته أو صحته”.
وأكد الفاعل الحقوقي ذاته أن “العامل الثالث يرتبط بأزمة المحاسبة؛ إذ نادراً ما تنتهي هذه الحوادث بترتيب المسؤوليات بشكل شفاف ومعلن، وهو ما يُرسّخ الإحساس بعدم الردع ويُشجّع على التمادي في الإهمال”.
ونبه تشيكيطو إلى أن “تكرار هذه المآسي دليل على خلل بنيوي في حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغيلة، ويستدعي إرادة سياسية صادقة لتفعيل المساءلة، تقوية الرقابة، وإرساء ثقافة الوقاية، لأن حياة العاملات والعاملين ليست ثمناً للربح أو الفوضى التنظيمية”.
من جانبه قال الفاعل الجمعوي والحقوقي عبد الواحد زيات إن حوادث الشغل، مثل واقعة الاختناق التي شهدها أحد المصانع بالقنيطرة، تكشف عن غياب منظومة وقائية متكاملة داخل عدد من المقاولات، خاصة الصغيرة والمتوسطة.
وأكد زيات، ضمن تصريح لهسبريس، أن الوقاية والتكوين والتتبع الصحي أمور يجب أن تصبح إجراءات أساسية داخل جميع وحدات الإنتاج، مشددًا على أهمية وجود أجهزة استشعار مبكر وخطط تدخل واضحة لتفادي المآسي.
وأشار الحقوقي ذاته إلى أن صحة العامل يجب أن تُصان من خلال فحوصات دورية ومراقبة بيئية صارمة، لأن المخاطر المهنية قد تؤثر بشكل مباشر على فئة واسعة من الشباب العاملين؛ كما دعا إلى تعزيز تخصص طب الشغل وتحيين القوانين المتعلقة بتعويضات حوادث الشغل، بما ينسجم مع ورش الحماية الاجتماعية، مطالبًا بمراجعة الإجراءات التي تجعل الأجراء ينتظرون “شهادة الشفاء” لصرف مستحقاتهم.
وختم المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن حماية صحة وسلامة العمال ليست فقط مسؤولية المقاولات، بل هي أيضًا التزام مشترك يتطلب تعبئة جميع المتدخلين.