آخر الأخبار

الطب والشرع يرسمان الحدود الفاصلة بين "الموت الرحيم" ووقف العلاج

شارك

يضطر بعض المرضى أو أسرهم، لدواعٍ مختلفة، إلى اتخاذ قرار وقف العلاج في مرحلة معينة من مسار التعامل مع المرض؛ مما يفتح المجال للتساؤل حول مشروعية هذا القرار وحدوده في المغرب، ومدى تقاطعه مع ما يُعرف في الثقافة الغربية بمفهوم “الموت الرحيم”.

ومن هذا المنطلق، تُثار تساؤلات حول أهم الحالات التي تدفع المرضى أو عائلاتهم إلى اتخاذ قرار التوقف عن العلاج في المراحل المتقدمة، ومتى يصبح وقف العلاج قرارا مقبولا شرعا بناء على تقدير الأطباء المختصين. كما يُثار نقاش حول كيفية التمييز بين قرار وقف العلاج وظاهرة القتل الرحيم من منظور طبّي وشرعي.

وقف العلاج

يوسف شكير، طبيب في القطاع العام، قال إن “الواقع الطبي في المغرب يكشف عن فئات متعددة من المرضى الذين يقررون التوقف عن العلاج، إذ يتخذ بعضهم هذا القرار بشكل فردي نتيجة شعورهم بعدم فعالية المسار العلاجي؛ مما يدفعهم إلى اللجوء إلى بدائل كالطب البديل أو الأعشاب أو الشعوذة. كما أن هناك حالات يضطر فيها ذوو المرضى إلى نقلهم إلى المنزل، خاصة حين تصبح الحالة الصحية ميؤوسا منها”.

وأبرز شكير، في تصريح لهسبريس، أن “القرارات المرتبطة بإيقاف العلاج ترتبط غالبا بدرجة تقدم المرض”، موضحا أنه “عندما يصل المرض إلى مراحله النهائية، كما هو الشأن بالنسبة لبعض أنواع السرطان المنتشر في الجسم، يُصبح تحقيق أي تحسن طبي أمرا بالغ الصعوبة. لذلك، قد ينصح الأطباء العائلات بإرجاع المريض إلى البيت، لا سيما عند غياب بروتوكولات علاجية فعالة، وخوفا من تعريض المريض لمضاعفات إضافية بسبب ما يُعرف بالعدوى الاستشفائية”.

وشدد الطبيب ذاته على أن “الهدف في هذه الحالات يكون هو تمكين المريض من قضاء أيامه الأخيرة وسط عائلته ضمن بيئة إنسانية تضمن له رحيلا كريما، كما أن الوجود بالمنزل يساهم في تسهيل إجراءات الغُسل والدفن مقارنة بما قد يحدث إذا توفي المريض داخل المستشفى”.

وأضاف المتحدث عينه: “الوضع نفسه ينطبق على حالات صحية أخرى متقدمة؛ مثل النزيف الدماغي الحاد أو السكتات الدماغية الكبيرة التي تؤدي إلى فقدان دائم للوظائف الدماغية”.

وفي سياق متصل، أكد يوسف شكير أن “مفهوم الموت الرحيم (L’euthanasie) لا وجود له في المغرب ولا في باقي الدول الإسلامية. وهذا المفهوم معمول به في بعض الدول الغربية؛ مثل سويسرا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، حيث تسمح المصالح المختصة للمرضى المصابين بأمراض عضوية متقدمة أو إعاقات مستعصية باتخاذ قرار إنهاء حياتهم بطريقة طبية منظمة”.

واستطرد الطبيب ذاته قائلا: “التطورات الحديثة في بعض البلدان ذهبت إلى حد السماح بالموت الرحيم حتى في حالات أمراض بسيطة نسبيا؛ مما يثير نقاشات أخلاقية عميقة. أما في الثقافة الإسلامية والمغربية، فالحياة تُعتبر أمانة مقدسة لا يجوز التفريط فيها، ويُرفض مبدئيا أي تدخل بشري يسرع إنهاءها مهما بلغت معاناة المريض”.

“القتل الرحيم”

محمد لبيتي، خطيب جمعة وباحث في الفكر الإسلامي، قال إن “المقصود بالموت الرحيم هو تدخل طبي لإنهاء حياة المريض لتخليصه من الآلام، ويتم ذلك بموافقته، وهو معمول به في بعض المجتمعات الغربية. أما موقف الإسلام من هذا الأمر فهو واضح جدا؛ إذ يُعتبر الألم في ديننا ابتلاء وتخفيفا للذنوب، والمسلم يتحمل ألم الدنيا ليخفف الله تعالى عنه ألم الآخرة”.

وأضاف لبيتي، في تصريح لهسبريس، أنه “لا ينبغي للمسلم أبدا أن يقنط من رحمة الله، فقد يأتي الشفاء بعد طول مرض؛ فما دام الإنسان لم يصل إلى لحظة الاحتضار، فالأمل قائم بالله سبحانه وتعالى. ولذلك، في العقيدة الإسلامية لا ينبغي للمرء أن يقطع رجاءه، فالمؤمن لا يقنط من رحمة الله”، مذكّرا بأنه “كم من صحيحٍ مات من غير علة، وكم من مريضٍ عاش حينا من الدهر”.

وأكد المتحدث أن “اتخاذ قرار إنهاء الحياة، سواء من لدن المريض نفسه أو من طرف عائلته، ليس حقا مشروعا”، منبها إلى أن “الروح أمانة أودعها الله في الإنسان، وهو وحده سبحانه الذي يملك حق استردادها متى شاء وكيف شاء”، لافتا إلى أن “المرض قد يكون في ذاته رحمة من الله، وإن اشتد الألم؛ فالرحمة الحقيقية تكمن في تحمل ذلك البلاء، لا في إنهاء الحياة، إذ لا يحق لأحد أن يتحكم في وقت خروج الروح، لأن الله وحده هو الذي يتصرف في ذلك، وليس لأحد أن يتصرف حتى في نفسه”.

أما فيما يتعلق بإيقاف العلاج، وفق محمد لبيتي، “في حالات الغيبوبة الطويلة مثلا، تكون الأسرة عاجزة عن تحمّل النفقات أو إبقاء المريض على الأجهزة. وفي هذه الحالات الاضطرارية، إذا تأكد الأطباء المختصون من فقدان الأمل في الشفاء، وأثبتوا ذلك بمسؤوليتهم، فيمكن حينها وقف التدخل الطبي”، مشددا على أن “هذا لا يعتبر قتلا رحيما، بل هو تجاوب مع واقع طبي محدد، يُقدره أهل الاختصاص، خصوصا في بعض الأمراض كالسكتات الدماغية وغيرها”.

ونبّه خطيب الجمعة والباحث في الفكر الإسلامي إلى أن “وقف العلاج في هذه الحالة يختلف عن القتل الرحيم، ويكون عادة عند ظهور علامات الاحتضار المعروفة لدى المختصين؛ مما يدل على أن الإنسان قد بلغ مراحله النهائية.. وبالتالي، لا يُعتبر هذا قتلا، وإنما هو تعامل طبي مع حالة خاصة في إطار شرعي محدد”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا