آخر الأخبار

شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية

شارك

تعقّبٌ لمسار ناقدة مغربيّة بارزة ارتدت فيه قُبعات كثيرة ومختلفة، أجراه المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين إنصافًا للباحثة رشيدة بنمسعود. وجمعت الفعالية مجموعة من الأسماء التي تربطها علاقات إنسانية، أدبية، معرفية أو أكاديمية معها، للإدلاء بشهادات في حقّ “مناضلة سياسية وحقوقية وكاتبة، مدافعة عن الإبداع النسائي من خلال بناء منهجي متحرّر من الحساسية الجندرية والمزايدة باسم جنس معيّن”.

مناضلة متزنة

الكاتب والناقد محمد آيت العميم وصف بنمسعود بـ”المناضلة المتزنة والأصيلة”، مضيفا أنها “حققت تراكماً كبيراً من الخبرات المعرفية، من خلال منجزها، سواء على مستوى الفكر، أو النقد، أو النضال في مجال حقوق المرأة، أو في السياسة”، فقد “متحت من اسمها خصائص ميزتها في الأوساط الثقافية والسياسية والنضالية، فتتمتع برُشد، وعقل هادئ، وتبصّر؛ هذا الرشد طريق لمفتاح السعادة، وتحقيق صلابة الإرادة، وإدارة الأمور على وجهها الصحيح”.

مصدر الصورة

وعبّر آيت العميم عن سعادته بالفرصة التي أُتيحت له كي يشهد في حقّ امرأة يكنّ لها احتراماً كبيراً، وقال: “حين قرأت كتبها، قلت: يا بُشراي، هذه كتب حقيقية، تفتح للقارئ أفقاً جديداً للتفكير في قضايا ظلّت مدة طويلة مَظنّة سوء الفهم أو التفاهم، فكانت نعم دليل وسط الغابة ذات السُبُل المتشعبة”، مضيفا “كنت أنقّب طيلة حياتي عن أخبار النساء (…)، لكن ما وصلنا من تراثهن عبثت به الأيدي، وأخفت الكثير منه”.

وشدد على وجود “أيادٍ خفيّة” عملت على “سحب كمّ هائل من شعر النساء لغايةٍ في نفس الرجل، الذي لم يكن باستطاعته تقبّل المزاحمة”. وتابع قائلا: “أعتقد أن الرجل صاحب العقل الذكوري يخاف من هذه المزاحمة (…)، لكني حين قرأت بنمسعود وجدت في كتبها أنفذ حجّة، وكانت تجيب عن أسئلة ظلّت عالقة في ذهني، فوجدت لديها الجواب الشافي والكافي.. كيف لا وهي تُعتبر ناقدة وكاتبة طليعية ورائدة؟”.

وأضاف “منذ صدور كتابها الذي تحوّل إلى عمدة الدراسات حول الكتابة النسائية عام 1994، رغم أنه أُنجز في تاريخ قبل هذا، عام 1987، وربما هو أبعد من ذلك من حيث الانشغال والتأمل، جاء عملها ناضجاً منذ صدوره، وكان مُلهِماً لتَتَالى الدراسات في هذا الموضوع”، مشيرا إلى أن “العتاد المنهجي العلمي، لاسيما المنهج السيميائي، الذي درسته في أصوله بفرنسا، مكنها من التحكم في موضوعها: المرأة والكتابة، سؤال الخصوصية، بلاغة الاختلاف”.

وأوضح أن “العنوان يحمل بداخله أطروحة الكتاب، أي البحث عن وجود حساسية نسائية فيما تكتبه المرأة، والتنقيب والكشف عن خصوصية الكتابة النسائية، ومن ثم مساءلة التراث الأدبي عن حدود وإمكانيات وجود أدب نسائي متميّز، بغية تأريخ هذا السؤال وتجاوز المنظور النقدي الذكوري، الذي يحاول أن يجعل المرأة المُبدعة مجرد صدى واسترجاع لما يكتبه الرجل”، مضيفا “توقفت عند الاختلافات الموجودة بين الجنسين عند استعمالهما للغة، إذ لا يمكن فصل الأدب عن اللغة”.

مصدر الصورة

“توقفت أيضاً عند حضور الثقل التاريخي باعتباره مكوناً عاملاً فيما تكتبه المرأة”، يقول آيت العميم، قبل أن يتابع “بما أن الكاتبة صاحبة مشروع واضح المعالم وتعرف وجهتها، فقد عززت ذلك بكتاب آخر يحمل عنوان جمالية السرد النسائي، مبتعدة عن الأسئلة النظرية، واجترار الأسئلة التقليدية، وإنتاج الخطاب السجالي، إذ سعت من ورائه إلى تعميق أطروحتها، والوقوف عياناً على طبيعة الكتابة النسائية ومغايرتها”.

يقطين و”النّقرة”

الكاتبة والأديبة العالية ماء العينين أشارت في بداية شهادتها إلى أن الأكاديمي سعيد يقطين وصف رشيدة بنمسعود بـ”النقرة الصافية”، وقالت: “هذا وصف يمتلك قوته ورمزيته انطلاقًا من شخصية قائله ومكانته أخلاقياً، وعلمياً، ونقدياً؛ فيقطين عندما يقول كلمة أو يختار لفظاً لا يكون ذلك عبثاً، فهو اختار “النقرة”، أي الفضة، بلفظها المغربي الخاص، وهو لفظ يرمز إلى الخصوصية، التفرد والتميّز”.

وأكدت ماء العينين أن اسم المحتفى بها “له مكانته في المشهد الثقافي، والعلمي، والوطني المغربي؛ تجربة ناقدة، ومثقفة، ومناضلة سياسية”. وقالت إن “الاعتراف بريادتها كناقدة يكرّس بصمتها الخاصة في مسار النقد الأدبي في المغرب عموماً، ولكن بالنسبة للنساء بشكل خاص. فهي، وإن كانت جزءاً من حركة نقدية نسائية عربية، إلا أنها حققت الريادة في مشروعها النقدي”.

وأوضحت أن “النقد قد يكون اختياراً أتى نتيجة مسار علمي معين، لكنه أحياناً يمثل جزءاً من شخصية الإنسان، قَدَراً أو طريقاً مرسوماً، تلقّفته روح تتلمّس خطواتها الأولى، تطرح الأسئلة وتقاوم السائد في حركة دائمة، بحثاً عمّا يتيحه العقل من مسارات التفكير والتأمل والتساؤل”، مشيرة إلى أن “بنمسعود كانت من اللواتي فتحن أعينهن على السؤال والتساؤل، في وسط عزَّز في روحها أهمية المعرفة؛ فقد لقّنت جدتها والدتها كل ما هو جميل في التقاليد الفاسية الأندلسية، فكانت مع والدها محرّكاً أساسياً لتعليمها مع إخوتها. البداية من دار الفقيهة الشريفة بنيجيى، امرأة استثنائية”.

مصدر الصورة

واسترسلت قائلة: “إذن البداية كانت على يد امرأة فقيهة، وهذا درس عميق من دروس الحياة الذي رافقها طويلاً”، مسجّلة أنه “في هذا الجو المفعم بالمعرفة والذكر والجمال كان للمرأة حضور كبير في بدايات رشيدة، ورسم معالم شخصية نسائية استثنائية سيكون لها شأن في محيطها ومجتمعها، وطنياً وعربياً. وهكذا كتبت رشيدة سيرة نساء طمرتهنّ عقول راكدة، مغمورة تحت وطأة التّحجّر والتسلّط”.

وتابعت أن الناقدة البارزة كانت على موعد مع أول تجربة جمعوية في سنوات الدراسة الثانوية، عندما أسست مع صديقاتها جمعية “الخُديجات”، نسبةً إلى خديجة زوجة الرسول محمد، موردةً أنه عند “التأمل في اسم الجمعية يفكّر الإنسان أن هذه الشخصية لا بدّ أنها لامست أذهان المنتسبات إلى الجمعية، فهي امرأة تشكلت وتكاملت قبل زواجها بالرسول، وكانت سيدة أعمال بلغتنا المعاصرة، ولها استقلاليتها المادية”.

وسجّلت ماء العينين أنها تعرفت على المحتفى بها علمياً أولاً، قبل أن تتعزّز العلاقة بالمودّة والصداقة. وقالت: “ربما التقينا في بعض مؤتمرات اتحاد كتاب المغرب، لكنني تعرفت عليها كناقدة عندما كنت أبحث في الشعر النسائي الحسّاني “التّبراع”، مضيفة “منذ أن اطلعت على هذا الإبداع، وأنا فتاة، صار اهتمامي به يتجه نحو البحث العلمي (…) قرأت كتاب المرأة والكتابة لبنمسعود، فوجدت فيه إجابات وافية عن أسئلتي؛ والأهم أنني اكتشفت تجربة نقدية نسائية رائدة”.

ترويض المستحيل

الصحافي والكاتب عبد الحميد الجماهري طرح سؤالاً: “كم من سورة تلزمنا لتلخيص حياة الكاتبة، والسياسية، والمناضلة، والبرلمانية، والأكاديمية، والمثقفة، والحقوقية، والباحثة، والناقدة، والمغربية رشيدة بنمسعود؟”، وأجاب “ليس للحيرة في السؤال من جواب سوى الاستحالة، طالما هي حياتها مترامية المعنى والشساعة، فيصبح من المستحيل تلخيصها”، معتبراً أن “الجواب يُضمر فيه السؤالُ عجزَه، ويُضمر فيه السؤالُ سؤالاً آخر: كيف استطاعت هي، الواحدة، أن تعيش تعددها، فتعيش الممكنات الكثيرة في تعدديتها، وتربّت عليها لكي تتعايش جنباً إلى جنب في شخصيتها الوحيدة والفردية؟”.

مصدر الصورة

وواصل الجماهري شهادته قائلاً: “الجواب يكمن في أنها استطاعت ما يستحيل عند الكثيرين والكثيرات منا، لأنها لم تكن لتعترف به أنه مستحيل، أو ببساطة لم تكن تعرف أنه مستحيل”، معتبراً أنها “أجيال من النساء في أنثوية واحدة، فليس هناك موطن عمل لم تطأه تجربتها الفريدة: من العمل الحقوقي إلى العمل الثقافي، من اتحاد الكتّاب إلى الجمعيات، من العمل الديمقراطي في معبده السياسي، الحزبي، والنقابي، والمؤسساتي في البرلمان، إلى العمل الجماعي في القضايا النسائية”.

وتابع قائلا: “من المفارقة أن من رآها عدّد مستحيلات غيرها ما بين المنابر والمجلات، بين الكتابة عن التفرّد المغربي في ترويض المستقبل، والتعدد الديمقراطي في مسارات الحياة الوطنية، لها اسمها وطريقها الذي جهّزت سبيله بالجد، وسارت تتقدّم فيه واثقة، مخفورة بالوعود دوماً”. وأضاف “لقد تحققت هويتها الفردية المنسجمة والمتماسكة في الكيان وفي الوجود، فتوزّعت ذاتها بين هويات متعددة، في الفعل كما في التفكير، في وقت كانت رفيقاتها، أجيالاً وفرادى، يمكثن في مربعات متعارف عليها، منهنّ من تستنفد العمر كله في المتاريس السياسية لوحدها”.

وحُبّب إلى الجماهري من شؤون سيرتها “الشعر، وفلسطين، والانتقال الديمقراطي، وروعة الوجود الأنثوي في الأدب الخالي”، ذاكراً أن “له معها قواسم درويشيات المياه الباطنية، التي تنادي قارئها من خلال ما وجدته هي في جماليات المكان، في صور فلسطين، وهي تحضر باسمة مع عرفات ومع مارسيل خليفة، وفي الأدب وكل ما يضم هويتنا الفلسطينية مثل سحر خليفة. ولقد أسعفتني بدورها عندما تكثفت في سيرتها روافد الأكاديمي والأدبي، وتكثفت الأمكنة التي تجمع السحر من أطرافها. ولي في ذلك اختيار واضح في البحث عن زواج السحر الثوري بالسحر البرجوازي الأنيق، ما بين ظهر المهراز وباريس”.

وأشار الجواهري إلى “تفردها، هي التي حملت أحلام ظهر المهراز، وجعلته أعلى تلة في الإطلالة على المغرب المُشتهى، وحملته معها إلى صدر أمه في برية باريس، وتطعم بذلك نفسها المحلّي بالهواء الكوني، وتعدّدت ينابيعها بعد أن علم كل الناس مشربهم؛ فصار لباريس في قلبها كومون وكومونة، واتجهت إليها بمناخات الحرم الجامعي المغربي في نهايات سبعينيات القرن الماضي كما لو كانت تبحث لجمهورية ظهر المهراز عن بدايتها في الكومونة الباريسية، كما لو كان طريقها هو الجسر العلمي الإجباري للربط بين الوطني والكوني في رمزيات الفضاء المنفلت”.

مصدر الصورة

تأصيل إضافي

بعد الإصغاء إلى كافّة الشهادات، قالت بنمسعود: “أعتبر أن الحديث عن المرأة والكتابة، والبحث في مشروعية القول بالخصوصية والاختلاف في ما تكتبه المرأة، لا يُعد ترفًا ولا مزايدة أو تحيزًا أو تحاملًا، ولا حتى نزوعًا نحو الترتيب والتفاضل بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة من أدب، بقدر ما هو عمل منهجي موضوعي له مشروعيته وشرعيته ما دامت الكتابة صوتًا للفكر، ووسيلة للتأمل، وتجسيدًا لرؤية خاصة للعالم”.

وشدّدت المحتفى بها، قبل أن تتسلّم درع التكريم من لطيفة مفتقر، مندوبة المعرض، على أن قولها بأن الكتابة النسائية مختلفة “بدأ مع أول إصدار المرأة والكتابة.. سؤال الخصوصية، بلاغة الاختلاف؛ وقد عرف هذا الكتاب صدىً واسعًا لدى عدد من الكتّاب، خصوصًا عربيًّا، وليس مغربيًّا، فوطنيًّا قليلة هي الأقلام التي انتبهت إليه، وتصدّرتها الأكاديمية والأديبة العزيزة العالية ماء العينين”، مضيفة “هناك من ناصر الفكرة وسلك مسلكها، وهناك من اختلف، وهذا حقّه. وهناك من منحني، بكل تواضع واعتزاز، موقع السّبق والريادة”، كما فعل الناقد الأكاديمي الدكتور سعيد يقطين في تقديمه لكتاب جماليات السرد النسائي.

وبخصوص النشأة، قالت الناقدة والفاعلة السياسية: “وُلدتُ في مدينة القصر الكبير، المدينة التي طلع منها شعاع القمر الأحمر، والتي أخصبت رمادها القصيدة الشعرية المغربية الحديثة. مدينةٌ تجثم هادئة ساكنة عند أطراف نهر اللوكوس. تعيش بتاريخ عريق مغمور”، مضيفة “لم توفّر لنا، نحن البنات، آنئذٍ سوى ثنائية البيت والمدرسة. لا مراكز ثقافية أجنبية، لا دور شباب ترعى شغفنا وتؤطّره، لكنها غرست فينا، رغم ذلك، حبّ التعلّم وشغف القراءة. كانت عتبتي الأولى دار الفقيهة كما سبق أن قيل”.

وذهبت المتحدثة مباشرةً إلى “اللحظة المفصلية”: كلية ظهر المهراز بفاس، وتابعت قائلة: “كانت قلعةً للمعرفة، والنضال، وحبّ الوطن، والدفاع عن المبادئ والحقوق”. وأبرزت أنه “في آخر يوم لي بهذه الكلية، خاطبنا أستاذ اللغويات عبد الوهاب التازي سعود، وكان حينها عميدًا للكلية، سائلاً: من يريد منكم أن يحصل على منحة ويتابع دراسته العليا بباريس؟’ فكنتُ أول من رفعت يدي من بين الطالبات في القسم. سألني: ماذا ستدرسين؟. قلت: النقد الأدبي الحديث. ردّ: لا، يمكنك دراسته في بلدك، لماذا لا تدرسين العبرية؟ فوافقت على الفور”.

وأوضحت أن موافقتها على دراسة اللغة العبرية كانت بمثابة تأشيرة عبور إلى باريس. وتابعت “في باريس درست في جامعة السوربون، وكوليج دو فرانس، والمدرسة العليا. تابعت باهتمام دروس علماء كبار في السيميائيات، ونظريات الشكلانيين الروس، والبنيوية النصية عند رولان بارت، وغريماس، وآخرين”، لافتة إلى أن ما دفعها للبحث في موضوع الكتابة النسائية هو “تعدّد المواقف والتمثّلات. أولها دعوات صريحة من بعض الفقهاء والكتّاب إلى منع المرأة من الكتابة”.

وأجملت المتحدثة كلمتها بالقول: “ما راكمته حول موضوع المرأة والكتابة، والكتابة والاختلاف، سيظهر قريبًا في كتاب جديد تحت الطبع، لكني أستطيع أن أقول اليوم إن ما أُسميه بـ”الكتابة الأنُوثيّة”، بدل الكتابة النسائية، ليس حكرًا على ما تكتبه المرأة فقط؛ بل هو خاصية مشتركة”، داعيةً إلى التعامل مع الحساسية النسائية كمعطى فني وثقافي، وخاصية مهيمنة، ليست حكرًا على المرأة وحدها، بل تحترق بمستويات متباينة ما يبدعه الجنسان معًا على حد سواء؛ إنها حق مشترك لخاصية إنسانية”.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا