نقاشٌ حول “دور المحاكم المالية في تعزيز جودة تدبير المرافق العمومية المحلية” احتضنته مشاركة المجلس الأعلى للحسابات في فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته الثلاثين، اليوم السبت، بغرض إبراز “مدى مساهمة الأعمال الرقابية للمحاكم المالية عبر مراقبة القرب، في تعزيز جودة الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين على المستوى الترابي”.
قدم أسامة المنير، قاضٍ بالمجلس الجهوي للحسابات لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، عرضا مفصلا ذكر فيه أن “الجودة مبدأ من المبادئ الناظمة لسير المرافق العمومية”، مبينا أن “هذه المرافق منظمة وفقا للفصل 154 من الدستور على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني والاستمرارية في أداء الخدمات. كما تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور”.
وبشأن جودة التدبير من منظور مناهج وآليات اشتغال المحاكم المالية، سجل أنه “وفقا للمادتين 75 و147 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، يتم مراقبة وتقييم جودة تدبير المرافق العمومية بالإضافة للمبادئ الدستورية والقانونية المتعلقة بجودة المرافق العمومية تبعا لعناصر رقابة الأداء المنصوص عليها بالمعيار ايساي 300 الصادر عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الإنتوساي) والمتمثلة في الكفاءة والفعالية والاقتصاد في إطار احترام القانون وما إذا كان هناك مجال للتحسين”.
وبيّن أن العملية تتم من خلال “مراقبة تسيير المرافق العمومية لأجل تقديره من حيث الكيف واقتراح الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته”، بالإضافة إلى “مراقبة جميع أوجه تسيير المرفق وتقييم مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة”، فضلا عن “التأكد من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل المرفق تضمن التسيير الأمثل لموارده واستخداماته وحماية ممتلكاته وتسجيل كافة العمليات المنجزة”.
وقال إن “الجودة تعتبر عنصرا لازما في إنجاز المهام التي أسندها الدستور للمحاكم المالية وفي الحفاظ على رصيد مكتسباتها من المصداقية والمكانة الاعتبارية، فهي جزء من الأبعاد الحاسمة لضمان فعالية وكفاءة مراقبة المالية العامة وربطها بنتائج عالية الأثر”، مضيفا أنها تمنح المحاكم المالية القدرة على تحقيق الرفع من منسوب الثقة لدى مختلف الأطراف المعنية بالأشغال التي تنجزها، وتيسير عملية تنزيل التوصيات التي تصدر عنها”.
كما أضاف: “تدعيم مكانتها الاعتبارية ومصداقيتها سواء لدى الأجهزة الخاضعة لرقابتها أو لدى المؤسسات التي تقدم لها المساعدة أو لدى عموم الجمهور”، وتابع: “لذلك تحرص المحاكم المالية على إدماج مختلف مكونات نظام رقابة الجودة ضمن المسارات الإجرائية لممارسة مهامها وفقا للمعايير الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، مرتكزة في ذلك على مبادئ الاستقلالية والعمل الجماعي والإشراف وتتبع الأعمال الرقابية والمراجعات المواكبة الداخلية والخارجية والبعدية”.
ومن حيث الأثر، ذكر القاضي عينه أن “مجموع مبالغ العجز المحكوم بها في مواجهة المحاسبين العموميين خلال الفترة 2019-2024 بلغ ما مجموعه 129 مليون درهم؛ في حين بلغ مجموع الغرامات والإرجاعات المحكوم بها في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية 100.64 مليون درهم، كما تم استرجاع ما مجموعه 106,13 مليون درهم من طرف المحاسبين العموميين بمجرد توصلهم بمذكرات الملاحظات وقبل النطق بالأحكام النهائية في إطار مسطرة التدقيق والتحقيق والبت في الحسابات برسم الفترة نفسها”.
هشام بيببط، رئيس المجلس الجهوي للحسابات لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، قال إن التداول في الموضوع “مهم وأساسي”؛ لأنه “يتعلق برسالة قاضي الحسابات، المرتبطة بتعزيز جودة التدبير العمومي. هذه هي القيمة المضافة المنتظرة من عمل هؤلاء القضاء؛ أي انعكاس العمل على هذه الجودة”.
وزاد بيبيط: “هذا تحدّ يومي مستمر، يبدأ من برمجة المهمة الرقابية مرورا بتخطيطها وتنفيذها وتتبع مخرجاتها؛ أي التقارير التي تصدرها المجالس الجهوية أو المجلس الأعلى للحسابات”.
وأشار رئيس المجلس الجهوي للحسابات لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة إلى المعايير الدولية تقر بحاجة أجهزة الرقابة إلى إطار قانوني فعال”، مسجلا أن “المقتضى القانوني يكفي؛ غير أن المغرب تعدى ذلك إلى المقتضى الدستوري”.
وتابع المسؤول عينه: “التشريع الوطني متميز في منطقة البحر الأبيض المتوسط، المشرع المغربي منح صلاحيات قضائية تمكن من الحكم بإرجاع الأموال في حالة كانت هناك أضرار أو خسائر أثناء ارتكاب مخالفات مالية”.
وشدد المتدخل سالف الذكر على “أهمية الإطار القانوني” وكذا “إسناد الدولة إلى المحاكم المالية بالموارد بشرية ذات الكفاءة العالية وكذا الإمكانيات التي تساعد على الاشتغال”.
وزاد: “لهذا، نقدم قيمة مضافة لا يمكن إلا أن تكون تحسين التدبير وضمان جودته.. واليوم لدينا قواعد قانونية عديدة نستطيع الحكم من خلالها على تسيير معين هل هو جيد أو لا؛ والتسيير الجيد هو التسيير الفعال والكفؤ والاقتصادي والذي يحترم القانون”.
وتطرق أيضا إلى “دورة المساءلة”، موضحا: “لما نتحدث عن تجويد التدبير لا تهم المجلس وحده بل تهم عدة متدخلين وفاعلين، والمجلس من خلال نشر التقارير يدفع الأطراف الأخرى للتفاعل معها”، معتبرا أنه “عندما توضع المستندات بشكل رسمي نهائي وتتضمن نتائج التقييم والتحليل، تتبناها الأطراف لإنفاذ التوصيات، مع أن القياس تنفيذها بطل صعبا، لأنها لا يتوفر لها نفس المستوى”.
وجاء خلال اللقاء أن المهام الرقابية المنجزة، سواء من لدن الغرف القطاعية بالمجلس الأعلى للحسابات بتنسيق مع المجالس الجهوية للحسابات أو في إطار المهام المشتركة بين المجالس الجهوية للحسابات أو تلك المتعلقة بكل مجلس على حدة، تساهم “في تعزيز جودة تدبير المرافق العمومية الترابية، من مرحلة البرمجة واختيار المجالات التي تستأثر باهتمام الأطراف ذات العلاقة ولها ارتباط وثيق بمرافق وتجهيزات وخدمات القرب التي لها أثر مباشر على حياة المواطن إلى مرحلة تنفيذ المهمات الرقابية وإصدار التوصيات وتتبع تنفيذها”.