جولةٌ مع الكاتب المغربي البارز الراحل إدريس الشرايبي يتيحها معرض الكتاب بالرباط، الذي يكرّم صاحب “الماضي البسيط” في الدورة الثلاثين برواق خاص، يضمّ كتبه، وترجماتها، وصوره، وحديثه، وخطّه، وقفشاته، ولحظات مسترقة من فضاء كتابته الخاص، وتجواله، ونقاشه.
الكاتب المغربي بتعبير فرنسي حضرت بالمعرض نصوصه الأدبية، وترجماتها إلى لغات عديدة من بينها العربية، والكاتالانية، والكورية، كما حضرت رسائل له يحضر فيها الخطّان اللاتيني والعربي، مع اقتباسات تتيح التعرّف على شيء من رؤيته للأدب، والحياة.
وصمّم هذا المعرض التكريمي الأكاديمي قاسم باصفاو، الذي قال لجريدة هسبريس الإلكترونية إن هدفه في البداية “كان أن أخرج شيئا جديدا لم يتمّ في المغرب من قبل، شيئا نموذجيا؛ لأني كنت حزينا لصغر مساحة معرضين سابقين نُظّما بالرباط لعلَمين مغربيّين كبيرين هما إدمون عمران المالح وفاطمة المرنيسي، رغم الندوات الجيدة جدا التي رافقت تكريمهما”.
وأضاف باصفاو: “أردت إثبات أننا في المغرب يمكن أن ننتج معارض في مستوى دولي لكتّابنا ومثقفينا وفلاسفتنا الكبار”؛ لأن المعارض تقدّم الإنسان ومنجزَه مثل الندوات والتسجيلات، لكن ما يميّزها حضور جمهور غير الجمهور “المُكتسب أصلا” الذي يحضر اللقاءات حول الأعلام المكرّمة.
قاسم باصفاو، الذي حاورته هسبريس وهو جالس بجانب أرملة إدريس الشرايبي شينا الشرايبي، أشار إلى طفلةٍ تلتقط صورتها بجانب المعرض قائلا: “أسعَدُ وأنا أرى يافعات ويافعين يأتون، ويشاهدون، ويلتقطون صور ‘سيلفي’ وإدريس خلفهم. هذا هو الانفتاح على الجمهور الواسع، وما سيخلق قرّاء غد وبعد غد”.
ثم استرسل الأكاديمي ذاته: “لهذا حرصت على أن يكون المعرض مفتوحا، وألا يكون له حارس، حتى لا يشعر الزوار بأي ضغط، ويتجوّلوا بحرية مطلقة؛ فهذه خصوصية معرض كتاب: التجول الحر”.
وذكر المتحدث أن المعرض تظهر فيه “كل أبعاد الكاتب؛ لأن الكاتب لا يكتب الكتب فقط، بل يكتب المقالات أيضا وغيرها… وإدريس الشرايبي مثلا كاتب اشتغل بالراديو لأكثر من 35 سنة، وله ما يقرب من 2000 ساعة على أمواج ‘فرانس الثقافية’ وسابقتها الإذاعية، وقد دخل الإذاعة سنة 1956 ككاتب ومنتج، وأنتج الحلقات الأولى حول الثقافة المسلمة سنتي 56 و57، مهتما بالإمام مالك، والغزالي، والحلّاج، على سبيل المثال لا الحصر، كما قام بعمل هائل من بين أوجهه أقلمة أعمال كتاب أفارقة غير معروفين آنذاك للمسرح الإذاعي، وغيّر بذلك الكثير من الأمور”.
وردّا على سؤال لهسبريس حول اختيار الفرنسية لغة خطاب وحيدة لزوّار معرض إدريس الشرايبي، إلا من عناوين ترجمات وجمل بخطّ الكاتب في رسائله بالعربية، أجاب المصمّم باصفاو: “اخترتُ الفرنسية لأنها لغته، فهو كاتب وروائي، ولو كان الإنتاج سوسيولوجيا أو سياسيا أو اقتصاديا لوجب استعمال اللغات، ولو كان المعرض مؤسساتيا أو سياسيا لوجب حضور العربية والأمازيغية، أما الثقافي فهو ثقافي… ترجمته بالعربية حاضرة بالمعرض، وبدايات ترجمته إليها كانت بتونس لا بالمغرب، وصولا إلى ‘التيوس’ التي ترجمها مؤخرا محمد حمودان ونشرتها دار نشر الفنك المغربية سنة 2021. كما يقدّم المعرض أحدث ترجمة لـ”الماضي البسيط” إلى اللغة الكورية سنة 2024؛ فمنجز إدريس الشرايبي يستمر في الحياة لا في المغرب فقط، بل في العالم”.