قال الكاتب والشاعر والإعلامي المغربي جمال بدومة إن استمرار العنف في السياق المدرسي، واتخاذه وجوهًا أخرى بالمقارنة مع السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، يثبت أن “العنف يستمرّ في الوجود، لكن بصيغ أخرى، وثمّة جملة من الأحداث الراهنة التي تُذكّرنا به”، مشيرا إلى وجود “تغيّر جذري في المعادلة، وتبدّل كبير على مستوى القيم، ولم تعد العملية التربوية كما كانت”.
وذكر بدومة، اليوم الاثنين، خلال تقديم كتابه الجديد “سنوات قلم الرصاص” الصادر عن منشورات دار أكورا، ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن “المرحلة التي يهتمّ بها الكتاب كانت لها سلبياتها داخل المدرسة، وضمنها هذا العنف المزدوج، الرمزي والجسدي”، مستدركا “بوجود نوع من الجدية كان يرافق العملية التعليمية، من خلال حضور قيم معينة، من ضمنها مثلًا أن الصغير يحترم الكبير. أجد أن هذه القيمة صارت تعيش تحوّلا”.
وتابع الإعلامي المقيم في باريس: “ما أحكي عنه في الكتاب يمكن أن نقاربه من الزاوية السوسيولوجية بمقاربة إعادة الإنتاج الاجتماعي الشهيرة لبيير بورديو”، موضحا أن “المعادلة هي أن عددًا كبيرًا من المغاربة يذهبون إلى المدرسة العمومية في كل الأجيال، لكن بطبقات؛ أي باستحضار تفاوت طبقي تتمّ إعادة إنتاجه تلقائيّا. وإذا نظرنا إلى صور بالأبيض والأسود تعود إلى التلاميذ في تلك الفترة، نجدُ أن لكلّ شخص مصيرًا”.
ورصد المتحدث الذي كان يقدّم كتابه إلى جانب الإعلامي والشاعر محمد أحمد عدّة “تبدّلاً في القيم، لكن المعادلة السوسيولوجية ما زالت قائمة، ليس فقط في المغرب، بل حتى في فرنسا. مهمّتنا السعي لتغييرها، كل من موقعه”، وقال: “النقاش يواصل تداول المصعد الاجتماعي، لكن لا ينبغي الحديث عنه وحده، إنما لا بدّ من صناعة نظام تربوي يؤمّن تكافؤ الفرص، بكل بساطة”، لذلك “هذا الكتاب هو عبارة عن شهادة أدبية تتضمن قواسم مشتركة بين أجيال من المغاربة”.
وأشار الكاتب المغربي إلى أنها “شهادة من داخل تجربة المدرسة العمومية كما عاشتها أجيال من المغاربة خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، لا سيما السبعينات والثمانينات”، معتبرا أنه “غوص في هذه المرحلة التي صنعت، في النهاية، من يدبّرون على الأقل حاضر المغرب اليوم. وهي، كما نعرف، تجربة خاصة جدًّا، لأنها كانت بالنسبة لي، بشكل ما، تجربة مدرسية مطبوعة بالكثير من العنف المزدوج”.
وأفاد بأن “هذا الواقع صنع شخصية مغربية لها خصوصية”، مبينا أن “المدرسة في تلك الفترة كانت امتدادًا لسنوات الرصاص في صيغتها التربوية، ومن هنا يأتي وحي العنوان”، وزاد: “نحن نتذكر الشعار الذي كان سائدا في الوسط التربوي آنذاك، خصوصا بين الوالد والمعلّم، وهو: نْتا ذْبحْ وَنا نْسلخْ. هذه الصفقة تُبرز أن الآباء كانوا يمنحون شرعية لهذه العملية. والحاضر، مع الأسف، أخذ أبعادًا أخرى”.
ولفت ابن الجنوب الشرقي إلى أن الكتاب يحاول أن يكون شهادة عن هذه المرحلة، وهو بتجنيس “نوستالجيا”، وقال: “أعتبر النوستالجيا جنسا أدبيا تقريبا. إنها عودة إلى الماضي بنوع من الحب والحنين، مما يجعل المتن عبارة عن كتابة بحب عن هذا الماضي وعن هذه الذكريات، وهي جميلة مهما كانت قاسية وبشعة. وأيضا هذا دور الأدب؛ أن يجمّل البشاعة. هي بمثابة عملية تجميل للأحداث، وللأزمنة، وللأماكن، وللوجود”.