خلّف موقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من مقتضيات المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية ارتياحا كبيرا في صفوف فعاليات مدنية مهتمة بمكافحة الفساد ونهب المال العام.
وسجل حقوقيون من المجتمع المدني أن موقف المجلس، الذي يرأسه عبد القادر اعمارة، حول “مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية”، الذي كان موضوع طلب مجلس النواب بتاريخ 11 فبراير من السنة الجارية، يشكل انتصارا للدستور وتكريسا لدور الفاعل المدني في التبليغ عن الفساد وجرائم المال العام.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، قال إن “هذا الموقف سليم ينتصر للدستور والقانون والتزامات المغرب الدولية، على اعتبار أن المادة المذكورة تهدف في عمقها إلى حرمان المجتمع، أفرادا وجمعيات مدنية، من التبليغ عن جرائم المال العام؛ بل الأكثر من ذلك هي أنها تهدف إلى غل يد النيابة العامة من تحريك الأبحاث والمتابعات في مجال جرائم المال العام”.
وأوضح الغلوسي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وقبله الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، مواقفهما من هذه المادة، هي انتصار للقانون والدستور.
وطالب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام الدولة “بعدم ترك بعض الجهات المستفيدة من الريع والفساد وتسعى إلى تحصين لصوص المال العام من المحاسبة بتحمل المسؤولية؛ لأنه ستظهر أمام المجتمع الدولي بأن المغرب يسعى إلى تحصين المفسدين ولصوص المال العام من المحاسبة وتقييد المجتمع المدني من أدواره وحرمانه من مكافحة الفساد”.
وشدد المتحدث عينه على أنه “أمام هذا الموقف، نتمنى من البرلمان، أغلبية ومعارضة، أن يقفوا ضد هذا التوجه الشاذ والتوجه الغريب، والذي يتنافى مع الدستور والقانون، وعدم حماية حفنة من المجتمع فهذا غير جائز.
واعتبر الفاعل الحقوقي أن هذه المادة تعد تقويضا لصلاحيات مؤسسة دستورية مستقلة؛ وهي النيابة العامة. ومن جهة ثانية تقويضا للقواعد الدستورية في مجال مكافحة الفساد التي اعتبرت أن المجتمع المدني شريك أساسي في صناعة وتقييم السياسات العمومية وكذا الاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب تعتبر المجتمع المدني شريكا أساسيا وله دور حيوي في مجال مكافحة الفساد.
من جهته، اعتبر محمد سقراط، رئيس المنظمة المغربية لحماية المال العام، أن الموقف منسجم مع المقتضيات القانونية والدستورية، والذي من خلاله يوضح بشكل جلي انتقاده مباشرة للمادة الثالثة المثار حولها الكثير من الجدل، والتي تنص على عدم إمكانية تحريك الدعوى العمومية بناء على طلب جمعيات حماية المال العام كما كان سابقا.
وشدد سقراط، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أن هذا الرأي “ملزم في قضايا عديدة تخص الدولة والمجتمع ونرى أنه انتصار للدولة وللمجتمع المدني وللدستور والاتفاقيات الدولية ومحبط لمصلحة لوبي الفساد وناهبي للمال العام”.
وزاد رئيس المنظمة المغربية لحماية المال العام: “ما جاء به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هو صفعة قوية لمشروع وزير العدل وانتصار لدور المؤسسات وحيادها، بعيدا عن التجاذبات السياسية والحقوقية”.
وأكد المتحدث نفسه أن المجلس، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة تضطلع بمهام استشارية حول الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة والجهوية المتقدمة، انتصر للمجتمع المدني؛ من خلال اعتباره أن اشتراط حصول الجمعيات التي ترغب في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل لا يسير في اتجاه تكريس الأدوار الدستورية للمجتمع المدني والمشاركة المواطنة والفاعلة في قضايا الشأن العام.
وأبرز رئيس المنظمة المغربية لحماية المال العام أن ما جاء به عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، “هو قانون جديد لفرملة أدوار المبلغين عن الفساد؛ وهو ما جعل المجلس يستغرب من غياب أية دراسات مرفقة بمشروع قانون المسطرة الجنائية تبين مكامن الخلل في القانون السابق والأسباب المؤدية إلى تعديله، مسجلا أن تسويغ مبادرة تشريعية من هذا الحجم (مراجعة قانون المسطرة الجنائية) يقتضي الاستناد إلى معطيات ومؤشرات موضوعية تشخص واقع الحال”.