“لحظة تقدير مستحقّة” وتكريم للأحياء والأموات من المحتفى بهم في يوم الشعر العربي واحتفالية “رمز الثقافة العربية 2025” احتضنتهما فعاليات الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، مساء الجمعة. المبادرة تكفّلت بتنظيمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، التي اختارت السنة الفائتة المفكّر المغربي عبد الإله بلقزيز رمزًا للثقافة العربية 2024.
الحدث اختار الاحتفاء بالشاعر والمثقف الكويتي أحمد العدواني، إلى جانب الفنان المصري يحيى الفخراني، باعتبارهما رمزين للثقافة العربية لهذا العام 2025. كما كرم الشاعرين الراحلين: الفلسطيني سليم النفار واليمني عبد الله البردوني، واعترف كذلك بجهود الشاعر المغربي البارز وأحد رواد الحداثة الشعرية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط محمد بنيس، والشاعر العراقي المعروف ياسين طه حافظ.
عند تكريمه في نهاية الحفل، وأثناء تسليمه الدرع، قال الطبيب وأحد روّاد الدراما والسينما بجمهورية مصر العربية، يحيى الفخراني، إن “التكريم يُسعد الإنسان ويشرّفه، وهذا ينطبق عليّ في هذه اللحظة”. وتابع قائلا: “أشكر المنظّمين ووزير الثقافة المصري الذي رشّحني، كما أشكر الشعب المغربي، الذي أجد أن علاقتي معه قديمة، تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا سنة 1988، عندما قدّمت عرضًا مسرحيًّا بالرباط بحضور وليّ العهد آنذاك، الملك محمد السادس، وأفراد من الأسرة العلوية”.
وأورد الفخراني، الذي يُلقّبه البعض بـ”العبقري”، أن “تلك اللحظة شهد عليها وزير الثقافة ووزير الخارجية الراحل محمد بنعيسى، الذي وفّر الفرصة. كان في قلب بنعيسى حب شديد تجاه مصر والمصريين”، مشيرا إلى أن “ثمّة تشابهًا كبيرًا بين المغاربة والمصريين لدرجة صعوبة التمييز بينهما أحيانًا، بمعنى أنّ هناك روابط أزلية، ولهذا علاقتي بالمغرب والمغاربة متميّزة للغاية”.
وقالت منشطة الحفل حنان الخالدي إن الفخراني “جعل التمثيل حكاية. طبيب عالج القلوب بالفن والعلم، وظلّ صوتًا سكن ذاكرة الشاشة”، فيما وصفه شريط تقديمي عرض على هامش التكريم بـ”العبقري”، الذي كان “جديرًا بكل السكك التي خطا داخلها، وقدّم إضافة لتاريخ الفن كله”، فهو “جعل التمثيل أسهل مما هو عليه، ووجوده في حدّ ذاته تعريفٌ للفن؛ فحين تشاهده تتيقّن بأن الأمر ليس تمثيلًا فحسب، بل عبقرية”.
كما تسلّم الشاعر المغربي صاحب ديوان “ما قبل الكلام”، محمد بنيس، درع التكريم من الوزير المهدي بنسعيد ومحمد ولد اعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، اعترافًا بجهوده في خدمة القصيدة الحديثة بالمغرب، و”تقديرا لإسهاماته الرائدة في الحركة الأدبية والثقافية العربية، ولمكانة منجزه الشعري في إبراز الشعر المغربي على الصعيدين العربي والعالمي”.
وصعدت ممثلة السفارة العراقية بالمملكة المغربية المنصة نيابة عن الشاعر العراقي ياسين طه حافظ، فيما صعدت ممثلة السفارة الفلسطينية بالمملكة باسم الراحل الشاعر سليم النفار، الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال دجنبر 2023، إثر “الإبادة الجماعية” التي شرع الجيش العبري في تنفيذها في قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”.
وعن الجانب اليمني، حضر تكريم عبد الله البردوني وكيل وزارة الثقافة باليمن وسفير البلد في الرباط، كما صعد وكيل وزارة الثقافة بالكويت المنصة أثناء تكريم كاتب النشيد الوطني الكويتي أحمد العدواني، الذي كان من “أوائل المؤمنين في جيله بأن الكلمة ليست وسيلة تعليم، بل وسيلة بناء”، وفق ما ورد في شريط تعريفي تم تقديمه خلال الاحتفالية.
محمد ولد اعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، قال إن المكرّمين في هذه الدورة، على الرغم من “اختلاف مشاربهم وتباعد المسافات بين أقطارهم، قربت لغة القصيد بين مشاعرهم وعواطفهم، وهو ما يعطي مَلمحًا مميزًا من ملامح الوحدة اللغوية والثقافية العربية”، مضيفًا أن “الاحتفال بهذا العيد الأدبي يعدّ تجديدًا للوصال بالشعر العربي، وامتنانًا وعرفانًا لشخصيات عربية تركت بصماتها في تراثنا الأدبي العربي طيلة مسيرتها الإبداعية والحضارية”.
وأبرز ولد اعمر أن الاحتفاء هذه المرة يستهدف شخصيات أدبية “متعدّدة المشارب”، إلا أنها “متّحدة المشاعر والعواطف الثقافية والحضارية”، مضيفًا أن “ما يجعل هذه الدورة مختلفة عن غيرها من الدورات السابقة أننا نحتفي اليوم، بشكل استثنائي، بست مدارس ثقافية وأدبية وعلمية تستحق التكريم والاحتفاء لذواتها وعطائها، وما أنتجته من المعارف والعلوم، وما أثْرت به الساحة الفكرية والثقافية والأدبية بشتى المجالات، بإبداعاتها المختلفة”.
وتابع قائلا: “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لا ترمي فقط من خلال هذا الاحتفاء إلى تكريم رموز الأدب والشعر والثقافة بسبب ما أبدعوه وخلّدوه، بل تسعى، علاوةً على ذلك، إلى إعادة الاعتبار لموروثنا الأدبي، واستلهام قِيَمه النابضة بمعاني الحياة”، مشيرا إلى أن “الأدب ظلّ دائمًا شلّالًا متدفّقًا بالمعاني والقيم الإنسانية النبيلة؛ قيم المحبة والوفاء والعدالة والسلام. وهي قيم نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظلّ تحديات العولمة المتصاعدة والمتسارعة”.
وأضاف أن الاحتفاء والتكريم شمل حتى الآن، في كافة الدورات، 29 شخصية أدبية وعلمية وفنية “متفردة وملهمة”، لافتا إلى أن “المنظمة تسعى إلى ترسيخ هذه المكانة، وتقديم الشعر العربي، ليس فقط بوصفه أحد أشكال التعبير الثقافي الأقدم عند العرب، بل باعتباره محدّدًا أساسيًا من محدّدات الهوية اللغوية والثقافية العربية (…) نُراهن على بعث الاهتمام بالقيم الأدبية في مدننا وحواضرنا العربية، وإحياء دورها الريادي القديم والحديث في تشجيع الإبداع واحتضان المبدعين”.