من قاعة مجلس الأمن في نيويورك، وجّه ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، خطابا محملا برسائل تحذيرية وأخرى تبعث على الأمل، داعيا إلى تحرك دولي عاجل يعيد الملف إلى سكة الحل السياسي، وسط ما وصفه بـ”تصاعد التوترات الإقليمية” و”انسداد قنوات الحوار” بين الأطراف الرئيسية في النزاع.
وقد جاءت هذه الإحاطة، التي حصلت جريدة هسبريس الإلكترونية على تسخة منها، في وقت تمر فيه قضية الصحراء المغربية بمرحلة دقيقة، تتقاطع فيها الحسابات الإقليمية مع توازنات القوى الكبرى، ووسط شعور متزايد بالإحباط داخل مخيمات تندوف ومخاوف من تحول النزاع إلى أزمة إقليمية مفتوحة إذا لم تتكاثف إرادة الفاعلين من أجل كسر هذا الجمود.
لم تكن رسالة دي ميستورا هذه المرة تقنية ولا بروتوكولية كسابقاتها؛ فقد افتتح كلمته بتصريحٍ يشي بخيبة أمل واضحة، قائلا إنه كان يأمل أن يحمل إلى مجلس الأمن الدولي، في هذا الشهر تحديدا، بشائر تقدم ملموس نحو “حل عادل ودائم ومتوافق عليه”؛ غير أن الأمل، كما اعترف، “لا يزال معلقا على إرادة الفاعلين الدوليين والإقليميين”.
وجاءت رسالته الأكثر وضوحا في خاتمة خطابه، حين أشار إلى أن “هذا العام يصادف مرور 50 سنة على إدراج قضية الصحراء ضمن أجندة الأمم المتحدة”، مؤكدا أن “الأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون فرصة لخلق زخم جديد، من خلال مشاركة فعالة لبعض أعضاء مجلس الأمن، خصوصا الأعضاء الدائمين”.
وزاد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء: “يمكن أن تصبح دورة أكتوبر 2025 مناسبة بالغة الأهمية لهذا المجلس، وتصميمي الذي يقره الأمين العام للأمم المتحدة على تسهيل هذه النتيجة لا يزال قائما”.
ضمن خلاصات جولته الأخيرة، كشف دي ميستورا عن ثلاث إشارات أساسية استقاها من اللقاءات التي جمعته بمسؤولين أمريكيين عقب زيارة وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى واشنطن: الرسالة الأولى شددت على أن الحكم الذاتي المقترح يجب أن يكون “حقيقيا”؛ بما يفرض – حسب المسؤول الأممي – ضرورة شرح تفاصيل المبادرة المغربية للمنتظم الدولي بشكل أدق.
بالمقابل، يجد هذا الطرح رفضا مغربيا لا لبس فيه لأية محاولة لتفصيل أو توسيع في مضامين مبادرة الحكم الذاتي خارج سياقها الأصلي، لأن المبادرة، كما تراها الرباط: ليست نقطة انطلاق لمفاوضات مفتوحة على كل الاحتمالات، بل تمثل “نقطة وصول” ضمن تصور سيادي متكامل.
أما الرسالة الثانية، فتتمثل في التأكيد الأمريكي على أن “الحل يجب أن يكون مقبولا من الطرفين”؛ ما يفتح الباب – في نظر المبعوث الأممي – أمام ضرورة استئناف المفاوضات السياسية المباشرة، مع البحث عن صيغة موثوقة لانتقاله السلس من “مسهل” للعملية السياسية إلى درجة “وسيط أممي” حقيقي يناقش آفاق الحل النهائي للصراع.
الرسالة الثالثة، وربما الأكثر أهمية حسب المراقبين، هي إعلان واشنطن رغبتها في “الانخراط المباشر” لتسهيل الحل؛ وهو ما اعتبره دي ميستورا عنصرا داعما لتحرك منظمة الأمم المتحدة، داعيا إلى “مواكبته من داخل مجلس الأمن وبدعم من الأمانة العامة للأمم المتحدة”.
وعلى صعيد آخر، لفت المبعوث الأممي الانتباه إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، رغم عدم تطرقه صراحة إلى ملف الصحراء، معتبرا أن تزامن الحركتين الدبلوماسيتين الأمريكية والفرنسية يؤشر إلى “اهتمام متجدد” من القوى الكبرى؛ لكنه في الوقت ذاته يكشف “حجم المخاطر”، خصوصا في ظل استمرار القطيعة بين الرباط والجزائر، وسباق التسلح، وغياب أي تواصل دبلوماسي بين الطرفين.
في شق إنساني محوري، توقف دي ميستورا عند زيارته الأخيرة إلى مخيمات تندوف، مؤكدا أنه استمع إلى شهادات مؤثرة عن حجم المعاناة التي يقاسيها اللاجئون، خصوصا في أوساط الشباب الصحراوي الذين لم يتذوقوا بعد طعم الحياة خارج المخيمات، ونقل عن شابة قولها: “ولدت هنا، وعشت هنا؛ لكني لا أريد أن أدفن هنا.. أريد أن أرى وطني، وأدفن هناك”.
كما حذر من تدهور الأوضاع الإنسانية، بعد أن بلغه من مسؤولي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي أن “المساعدات الغذائية مهددة بالتوقف خلال الصيف المقبل بسبب نقص التمويل؛ ما قد يفاقم من هشاشة المخيمات، ويزيد من حدة التوتر الاجتماعي”.
وشدد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، في ختام إحاطته، على أهمية إدماج النساء في أي عملية سياسية مقبلة، مشيرا إلى أن “مشاركتهن الفعالة يجب ألا تكون رمزية؛ بل جوهرية في تشكيل مستقبل المنطقة”.
وأعاد دي ميستورا التأكيد على تمسكه بعمل بعثة المينورسو، رغم ما وصفه بـ “التحديات الميدانية والمالية”، داعيا الدول المساهمة بالقوات إلى مواصلة دعمها، ومحذرا في الوقت نفسه من أن “إلغاء أي عنصر من عناصر الأمم المتحدة قد يُصعب إعادة ترسيخه لاحقا”؛ في إشارة واضحة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمنطقة والتي انفردت هسبريس بخبر إغلاقها المرتقب.