آخر الأخبار

أبرنوص يوجه نداء "اللاءات الخمس" إلى منتجي الدراما التلفزية الأمازيغية

شارك

أفضت الوسائط الرقمية الجديدة، بسبب امتلاكها صفة التفاعلية، إلى توسيع دائرة المشاركين في مناقشة مستوى الإنتاج التلفزي الذي تعرضه القناة الأمازيغية، وهكذا صار يتجدد، خلال العقد الأخير، نقاش صحي طيلة شهر رمضان، وبُعَيده، يتعرض لبعض الأعمال الدرامية المعروضة من زوايا مختلفة، وإن تفاوت مستوى رصانته وفائدته بتفاوت مستويات إلمام المشاركين فيه بتفاصيل الصناعة الدرامية، واستقلالهم عن جماعات المصالح الإنتاجية.

ولعل الملاحظة البارزة في هذا الصدد، حتى لدى كتاب المقالات والخواطر النقدية، بقاؤهم حبيسي المعروض التلفزي (الشكل النهائي للمعروض)، واكتفاؤهم بتقييم مستويات الأداء التي يكشف عنها العرض التلفزي الدرامي، إذ يندر أن تطالع أو تسمع رأيا يتجاوز الوجه السطحي الظاهر، ويغوص إلى الوجه العميق للصناعة الدرامية الأمازيغية.

غايتنا من هذا النداء أن نضع الأصبع على الجواهر لا على الأعراض، وأن نسهم في تنوير متتبعي العرض الدرامي الأمازيغي، بتوجيه عنايتهم إلى قلب محرك الصناعة المذكورة، وهو شركات الإنتاج، ببيان طول أيديها، وسعة مجالات تدخلها، وحساسية المهام الموكلة إليها في سياق الآلية المتبعة في إنتاج الأعمال الدرامية، أي في سياق مشاركة هذه الشركات في طلبات العروض وتكليفها بتنفيذ مهام الإنتاج.

1- لا لتكليف «مموني الحفلات» بإنتاج الدراما التلفزية الأمازيغية

القصد هنا أن الدراما التلفزية الأمازيغية تحتاج إلى منتجين ذوي رسالة ثقافية وقيمية، مؤمنين بورش التأهيل الثقافي للغة الأمازيغية، منخرطين في المشروع المؤسسي للقناة الثامنة، وغيرها من مشاريع المؤسسات الرسمية المنطلقة في تفعيل الطابع الدستوري للأمازيغية، أي إلى منتجين يضعون إشعاع الثقافة الأمازيغية أولوية، وتطويرها هدفا أسمى، لا إلى مموني حفلات (مع واجب الاعتذار من مموني الحفلات الذين يحترمون مجال اختصاصهم)، أي تلك الفئة من المنتجين الذين لا يملكون أي خلفية ثقافية توجههم، والذين يقرنون كل خياراتهم بحسابات مالية بحتة، قوامها صرف النفقات الدنيا، بهدف ادخار أكبر بقية من ميزانية الدعم المرصودة للمشاريع، والتربّح على حساب الجودة الفنية. وغير خاف أن الاحتكام إلى قاعدة التقتير، أثناء «التنزيل الإنتاجي» لمضامين السيناريوهات (تحويل النص المكتوب إلى مادة بصرية-سمعية)، يؤدي إلى مسخها وتشويه حمولتها الفنية؛ إذ يبيح التقتير سلسلة متلاحقة من تحوير المضامين (تحريف بينة المشاهد، تفضيل التصوير النهاري والخارجي عوض الليلي والداخلي، حتى حينما يؤشر السيناريو ويقتضي المنطق الدرامي حميمية الفضاء الداخلي أو كثافته النفسية، اختزال الحوارات، عدم العناية بالملابس والإكسسوارات، الاستغناء عن الديكور أو الاكتفاء بأدناه..)؛ ناهيك عن تفادي المناداة على الممثلين والتقنيين ذوي الدربة، واللجوء إلى الهواة والمبتدئين.

2- لا للتعامل مع الأمازيغية بوصفها مستحاثات (Fossiles)

إن عملية الإنتاج، في سياق لغة قليلة الموارد ووافدة حديثا على المؤسسات، تستدعي ذواتا تشتغل في قلب الثقافة الأمازيغية، بإظهار تاريخيتها وثرائها وأسرار مطاوعتها ومقاومتها للتحولات الكبرى التي عرفتها المنطقة المغاربية، لكن دون السقوط في أي شكل من أشكال التراثانية (تقديس الماضي)، ولا في شرك «التعالي أو الحياد الثقافي» (إنتاج أعمال ذات مقترحات درامية مستوردة، لا صلة لها بالخصوصية الثقافية الأمازيغية). ومعنى هذا أن إحدى مهام شركات الإنتاج التلفزي أن تواكب، فنيا، ما يجري من تفاعلات تمس الثقافة الأمازيغية بوصفها أنساقا حية، وذلك في سياق ما تعيشه من انتقالات سوسيولوجية وحضارية كبرى: المدينة، والكتابة، والرقمنة… ولا بأس أن نستدعي هنا تجربة مسلسل «يليس ن ووشّن» (2025)، وأن نقول إنه نموذج يعكس وجها من وجوه الإبداع الدرامي الشاهدة على مخاض أحد الانتقالات التي تعيشها الأمازيغية راهنا، بسبب وقوف رسالته الفنية- الثقافية على مسافة متساوية بين الماضي والحاضر، أي بسبب اشتغاله على رمزيات الميراث الأمازيغي اشتغالا لا يكتفي باستحضارها بوصفها موتيفات محنطة، بل بإدراجها ضمن بناء درامي حيّ، يقترح إجابة فنية عن سؤال تاريخنا وهويتنا الوطنية الأصيلة/ المتجددة.

3- لا للجمع بين كتابة السيناريو ومهمة الإنتاج بسبب شبهة تضارب المصالح!

يقتضي مبدأ دعم الإنتاج، بوصفه تصرفا في مال عمومي، تجنب الجمع بين كتابة سيناريوهات الأعمال الدرامية والقيام بإنتاجها، وذلك، ببساطة، لأن الجمع بين الاثنين يفضي، بوعي أو بدونه، إلى كتابة سيناريوهات محكومة بهاجس «إعمال التقشف»، مع ما يعنيه ذلك من إبداع مقترحات درامية (سيناريوهات) ذات عدد أدنى من الشخصيات (خفض عدد الممثلين)، وذات مستلزمات إنتاجية رخيصة (الحد من تنوع الفضاءات، توجيه السيناريو لخدمة مواقع تصوير جاهزة أو مملوكة، تكييف القصة مع ظرف لتفادي كلفة إضافية، تفصيل أدوار على مقاس ممثلين غير متطلبين في الأجور وشروط التصوير، تفادي المشاهد المركبة تقنيا…)، وهو ما يؤثر على جودة المنتج الدرامي الذي يغدو محفوفا بإمكانية تغليب الحساب على منطق الإبداع. وإذا كان من المفيد إعطاء تشبيه لتوضيح حالة التنافي (تضارب مصالح)، التي يحتمل حصولها أثناء الجمع بين الاثنين، فهي الإشارة إلى مرسوم الصفقات العمومية (رقم 2-12-349، الصادر في 20 مارس 2013، وخاصة في المادة 24)، الذي يقصد بتضارب المصالح: «كل حالة يكون فيها المترشح أو نائل الصفقة (..) مصلحة مباشرة أو غير مباشرة يمكن أن تؤثر على حياده أو استقلاليته في إطار تنفيذ الصفقة أو تحضيرها»، ومن أمثلته أن يكون المهندس الذي وضع التصاميم هو نفسه صاحب شركة البناء التي ستنفذ المشروع. ولا نظن أننا بحاجة إلى بيان الشبه الكبير القائم بين حالة المهندس-المقاول والسيناريست-المنتج.

4- لا لاعتماد سيناريوهات مكتوبة بغير الأمازيغية

تحتاج السوق الإعلامية الوطنية إلى «دراما أمازيغية»، لا إلى «دراما ناطقة بالأمازيغية»؛ أي إننا بحاجة إلى دراما تعكس ما ذكرناه، آنفا، من الدينامية التي تشهدها الأنساق الثقافية الأمازيغية، وهو ما يستوجب التوقف عن اعتماد مقترحات مكتوبة بغير الأمازيغية من قبل كتاب سيناريو لا معرفة لهم بالذاكرة والمتخيل الأمازيغيين، مهما بُذل في تكييف حواراتها، ليس فقط لأن العمق الثقافي الأمازيغي أشمل وأعقد من أن يُختزل في لغة الحوار (في السيناريو)، وليس فقط لأن قبول تلك المقترحات يكرس نقيصة الاستلاب التي تهدد الذات الوطنية، بل لأن كثيرا من تلك السيناريوهات ليست سوى «سقط متاع»، أخفقت في التنافس مع مقترحات أخرى قدمت في إطار طلبات عروض قنوات مغربية أخرى. ولعل قبول اعتماد مثل هذه السيناريوهات فيه إقرار بتراتبية مرفوضة تضع الأمازيغية في مرتبة أدنى من التعبيرات اللغوية المغربية والأجنبية.

5- لا لتكريس الميز في ميزانيات الإنتاج الدرامي الأمازيغي وفي حصته

أحد العراقيل التي تقف في وجه مسار تسريع التطور الذي يفترض أن تسلكه الدراما التلفزية الأمازيغية يكمن في رضوخ مؤسسات الإنتاج لقرار الميز الجاري في حق الدراما الأمازيغية، التي تخصص لها ميزانيات أقل من نظيرتها «الدارجية»، وهو ميز يجب على شركات الإنتاج أن تترافع لأجل إسقاطه، تزكية لمبدأ العدالة اللغوية والثقافية، مثلما يتوجب عليها، وعلى كل الفاعلين في الشأن اللغوي والثقافي بالمغرب، أن يطرقوا كافة الأبواب المؤسسية والتشريعية والسياسية لتفعيل مضامين دفتر تحملات قنوات القطب العمومي، وتجويدها، بما يسمح للإنتاج الدرامي الأمازيغي بدخول القنوات الوطنية المختلفة، مع ما سينتج عن ذلك من دينامية إنتاجية سيكون تأثيرها بالغا على مستويات الإنتاج الدارمي الأمازيغي.

هي خمس «لاءات» فرضها إكراه التركيز والاختزال، وإلا فإن «لاءات» أخرى كثيرة يمكن عرضها في هذا النداء، تمس حلقات اختيار المخرجين والممثلين والتقنيين. ولعل الحري بنا أن نقول، ختاما، إن فحوى هذا النداء ليست موجهة إلى فئة المنتجين فقط، الذين يشتغل معظمهم بنزعة حفاظية ممانعة، لأن المال حليف الممانعة في كل الأحوال، ولكنه نداء موجه، أيضا، إلى الجهات التي ترسم سياسات دعم الإعلام العمومي، وتلك التي تنفذ وتراقب مساطر التنافس الإنتاجي الخارجي، علاوة على جموع متتبعي الدراما الأمازيغية، والغيورين على لغة الأمازيغ وثقافتهم.

* أستاذ جامعي وناقد
هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا