أصدر الكاتب والروائي عبد السلام بوطيب روايته الجديدة الموسومة بـ”نَفَسُ الله”، عن منشورات النورس في طبعتها الأولى برسم سنة 2025؛ وهي رواية تتجاوز الطابع الحكائي التقليدي، لتُغرق القارئ في متاهة أسئلة الذاكرة والهوية والمصالحة مع الذات.
ووفق معطيات حول الإصدار، فإن العمل الروائي الجديد لعبد السلام بوطيب يشكل تجربة سردية تتجاوز المألوف؛ فالكاتب لا يكتفي بحكاية تُروى، بل ينسج عالما متشابكا من الذاكرة الفردية والجماعية، ويعيد عبره مساءلة التاريخ القريب للمغرب من خلال عدسة العدالة الانتقالية والهوية المتحولة.
في قلب الرواية، نجد “أحمد”، بطل يعيش صراعا داخليا لاستعادة ذاكرة طمست إثر حادث غامض؛ لكن هذا المسار الشخصي لا ينفصل عن الأسئلة الجماعية الكبرى التي تؤرق جيلا كاملا عاش في الظلال الكثيفة لما يُعرف بـ”سنوات الرصاص”. من جهتها، تحاول زوجته منع عودة تلك الذاكرة، خشية انهيار البُنى التي شيدت عليها واقعها العائلي؛ بينما تبرز شخصية “جلجل” كبُعد وجودي آخر، حارسا للذاكرة والقيم، وهو يبحث عن أم غائبة وذات ممزقة في زمن قَلِق.
الرواية، التي تجري أحداثها في خضم أزمة الكوفيد، تضع شخصياتها في مواجهة ذواتها وهوياتها. هنا، تتفكك الأسماء والمرجعيات وتنبثق هويات جديدة: أحمد يصبح خبيرا في العدالة الانتقالية، وزوجته تتنكر لاسمها الأمازيغي الفرنسي “لويزا” لتصير “أنخيلا”، في محاولة لإعادة تشكيل الذات وفق تحولات العالم من حولها. إنها رواية تسائل، بشكل جريء، من نحن حين ننفصل عن ماضينا؟ وهل يمكن بناء مستقبل دون مصالحة حقيقية مع الذاكرة؟
وبأسلوب فني محكم، ينتقل عبد السلام بوطيب من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب والمخاطب، بما يفتح النص على تعدد الأصوات وتداخل الأزمنة، في سرد تتناوب فيه الذكريات مع أصداء الحاضر، وتتحاور فيه الهويات المنفلتة من قوالب الانتماء الثابت مع واقع اجتماعي وسياسي متحوّل. كما يستثمر الكاتب خلفيته كناشط حقوقي، ليوسّع من أفق الرواية، جاعلا منها مرآة أسئلة كبرى حول السلطة، والعدالة، والغفران، والانتماء.
“نَفَسُ الله” ليست فقط نصا روائيا؛ بل مقترحا فكريا وجماليا يعيد مساءلة علاقة الإنسان بتاريخه ووجوده، بلغة آسرة تنبض بالأسى والحكمة، وتجعل من الحكي أداة لفهم الذات وجراح الوطن في آن.