في سياق التحركات الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، ناقشت أشغال الدورة غير العادية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، التي عقدتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، الاثنين بالقاهرة، عددا من المواضيع؛ على رأسها إقامة اتحاد جمركي عربي واستكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، في إطار تقرير الأمين العام عن العمل الاقتصادي العربي المشترك.
ويأتي هذا التوجه استعدادا لانعقاد القمة العربية التنموية، الاقتصادية والاجتماعية، الشهر المقبل في العراق؛ فقد أكدت السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، في أعمال الدورة غير العادية سالفة الذكر، أن “الأمانة العامة حرصت، بالتنسيق مع الدول الأعضاء التي قدمت مبادرات تنموية مهمة، على بلورة مشروع جدول أعمال القمة؛ لتشكل تلك الموضوعات والمبادرات، في حال تنفيذها، نقلة نوعية مهمة تحقق المصلحة الفضلى للإنسان العربي بمختلف فئاته”.
وسبق أن دعا مسؤولو عدد من الدول الأعضاء إلى الإسراع في “إتمام البنية التحتية القانونية اللازمة لاستكمال متطلبات منطقة التبادل الحر وإقامة الاتحاد الجمركي العربي، وصولا إلى السوق العربية المشتركة”، في وقت يؤكد فيه خبراء اقتصاديون أهمية إزالة الحواجز الجمركية وتوحيد السياسات التجارية بين العرب، لدعم الاقتصادات الوطنية في وجه التقلبات الاقتصادية العالمية، بالرغم من وجود معيقات تكبح تحقيق هذا الحلم.
في هذا الصدد، أفاد رشيد ساري، باحث في الشؤون الاقتصادية الدولية، بأن “الدول العربية يراودها، منذ الخمسينيات، حلم إقامة اتحاد جمركي وسوق مشتركة، حيث توجد اليوم سوق مشتركة للكهرباء، وتوجّه لتأطير المبادلات التجارية العربية في إطار مؤسساتي”، مشيرا إلى أن “حجم التبادل التجاري العربي يصل إلى 700 مليار دولار، ما نسبته 11 في المائة من إجمالي التجارة العربية”.
وأضاف ساري، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك مجموعة من الشراكات والاتفاقيات التي تجمع بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والتي تحتاج هي الأخرى إلى إطار مؤسساتي”، مبرزا أن “هذا التكتل الإقليمي يضم دولا زراعية وأخرى نفطية، تتوفر على بنية تحتية مهمة يمكن أن تؤشر على مبادلات قوية بين هذه الدول”.
وتابع باحث في الشؤون الاقتصادية الدولية: “وجود اتحاد جمركي عربي سيمكن المغرب من تطوير علاقاته التجارية مع هذه الدول، وتعزيز وجود السلع والخدمات العربية في هذه الأسواق، إضافة إلى ضبط الميزان التجاري الذي يحقق عجزا مع بعضها”.
وعلى صعيد آخر، اعتبر المتحدث ذاته أن “الخلافات السياسية القائمة بين الدول وعدم احترام شروط المنافسة الاقتصادية العادلة من بين أبرز المعيقات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف العربي”.
من جهته، قال عبد الرزاق التهامي، خبير اقتصادي، إن “إقامة اتحاد جمركي عربي تعني أن جميع الدول العربية ستطبق التعريفات والرسوم الجمركية نفسها في تجارتها مع دول عربية أخرى”، مبرزا أن “هذا الاتحاد ستكون له فوائد اقتصادية كبيرة بالنسبة لهذه الدول، خاصة التنافسية منها”.
وأضاف التهامي، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب، باعتبار اقتصاده التنافسي في المنطقة العربية، سيكون من أوائل المستفيدين من هذا الاتحاد، الذي سيسهم في تعزيز وحدة السوق العربية وتحقيق المصالح التجارية المشتركة”.
واسترسل المتحدث عينه: “نظريا، هو مسألة مهمة بالنسبة للمملكة، وللمستهلكين العرب، وعموم الدول العربية؛ لأنه سيتيح لها الولوج إلى أسواق أوسع”.
وتفاعلا مع سؤال للجريدة حول مدى استيعاب البنية الاقتصادية لكل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية لهذا الاتحاد الجمركي، اعتبر الخبير الاقتصادي ذاته أن “الدول القريبة جغرافيا، كتونس وليبيا والجزائر، التي تجمعها تبادلات تجارية، ستكون من أوائل المستفيدين من هذا الاتحاد العربي؛ وبالتالي فإن الاستفادة ستكون أكثر على المستوى الجهوي، حيث إن بعض الدول قد تواجه صعوبة في إيصال سلعها إلى أسواق الدول الأخرى البعيدة”.