سجلت المنظومة التعليمية المغربية في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة تتمثل في تزايد حالات الاعتداء على الأطر التربوية، سواء كانت اعتداءات جسدية أو لفظية، ما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العملية التعليمية ومكانة المدرس في المجتمع.
وعرفت الأسابيع الأخيرة عودة مقلقة لحوادث العنف ضد رجال ونساء التعليم، إذ سجلت عدة حالات منها في مناطق مختلفة من المملكة، ما دفع النقابات التعليمية والجمعيات المهتمة بالشأن التربوي إلى دق ناقوس الخطر، والمطالبة بإجراءات عاجلة لحماية الأطر التربوية، خاصة أن هذه الحوادث ليست معزولة، بل تعكس أزمة عميقة تتعلق بتراجع قيمة المدرسة والمدرس في المخيال الجماعي، وتفشي ثقافة العنف في المجتمع.
ويرى عدد من المهتمين بالشأن التربوي المغربي أن تفاقم هذه الظاهرة يضع المنظومة التربوية المغربية أمام تحديات كبيرة، خاصة أن المغرب يسعى جاهدا إلى تطوير نظامه التعليمي من خلال إصلاحات متتالية؛ لكنها قد تظل حبرا على ورق ما لم تتم معالجة ظاهرة العنف ضد المدرسين وأسرة التعليم بشكل عام وتوفير بيئة آمنة للعملية التعليمية.
وسجلت عدة حالات اعتداء على رجال ونساء التعليم في مختلف المناطق المغربية خلال الأسابيع الأخيرة، من أبرزها حادثة الاعتداء على أستاذة في مدينة أرفود على يد تلميذ، وتعرض مدير مؤسسة للضرب في مدينة خنيفرة، بالإضافة إلى تسجيل اعتداءات لفظية وجسدية في مدن أخرى عديدة. هذه الحوادث التي تم توثيق بعضها عبر مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت موجة استنكار واسعة في الأوساط التربوية والمجتمع بشكل عام.
وتقول نادية بنعلي، مدرسة للغة العربية بجهة بني ملال خنيفرة: “أصبحنا نعمل في جو من الخوف والترقب.
فقدنا الحماية والهيبة التي كانت تحيط بمهنة التدريس، وبات التلاميذ وأولياء أمورهم يتعاملون معنا بطريقة مهينة تفتقر إلى الاحترام”، مضيفة: “هذا الوضع يؤثر على أدائنا المهني وعلى نفسيتنا، ويجعلنا نفكر أحيانا في ترك المهنة رغم حبنا لها”.
ويرى الباحث التربوي محمد العلوي أن هناك عدة أسباب تقف وراء تفاقم هذه الظاهرة، منها “ضعف المنظومة القانونية لحماية رجال ونساء التعليم، وتراجع مكانة المعلم في المجتمع المغربي، إضافة إلى انتشار ثقافة العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وضعف التواصل بين المؤسسات التعليمية والأسر، والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها بعض الأسر، ما ينعكس سلبا على سلوكات الأبناء وأولياء الأمور”.
وشدد الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن “غياب التواصل الفعال بين المؤسسات التعليمية والأسر، وضعف الإعداد النفسي والتربوي للمعلمين للتعامل مع المواقف الصعبة، يزيدان من حدة المشكلة”، مؤكدا أيضا أن “بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تساهم أحيانا في تأجيج الوضع من خلال تغطية إعلامية غير مسؤولة، تركز على الإثارة دون تحليل عميق للظاهرة وأسبابها وسبل معالجتها”، وفق تعبيره.
ولم يخف المتحدث ذاته أن هذه الاعتداءات تترك آثارا سلبية عميقة على المنظومة التربوية، فهي “تؤدي إلى تراجع الأداء المهني للمدرسين بسبب الشعور بعدم الأمان، وتسبب عزوف الكفاءات عن الالتحاق بمهنة التدريس، وتؤثر على العلاقة التربوية بين المدرس والتلميذ، وتنعكس سلبا على جودة التعليم والتحصيل الدراسي؛ كما أنها تساهم في إشاعة ثقافة العنف داخل الفضاء المدرسي، وتقوض الجهود المبذولة لجعل المدرسة فضاء للتربية على قيم المواطنة والتسامح”.
فاطمة الزهراء، ولية أمر تلميذة، تعبر عن قلقها وهي تعلق على الموضوع قائلة: “نحن كآباء وأمهات التلاميذ نشعر بالقلق من هذه الظاهرة المتنامية”، مضيفة أن “الأستاذ يجب أن يحظى بالاحترام والتقدير، فهو يبني مستقبل أبنائنا ويغرس فيهم القيم والأخلاق”.
وزادت المتحدثة ذاتها في تصريح لهسبريس: “للأسف بعض الأولياء يسيئون التصرف ويلجؤون إلى العنف بدل الحوار عند حدوث أي مشكلة”، مردفة: “هذه السلوكات تنعكس على أبنائنا وتعلمهم أن العنف هو الحل، وهذا ما لا نريده لهم. نحن نحتاج إلى تعزيز التواصل بين المدرسة والأسرة وإيجاد آليات للحوار البناء لحل المشاكل التي قد تطرأ”.
ويرى عدد من رجال ونساء التعليم في تصريحات متطابقة لهسبريس أنه أمام التحديات المتزايدة أصبح من الضروري إعادة النظر في المنظومة القانونية المتعلقة بحماية الأطر التربوية، وتفعيل النصوص القانونية الزجرية ضد المعتدين على رجال ونساء التعليم.
وأكد هؤلاء المتحدثون أن المدرس ليس مجرد موظف عادي، بل هو حامل لرسالة سامية تستحق كل الحماية والتقدير، وأي اعتداء عليه هو اعتداء على المنظومة التربوية بأكملها وعلى مستقبل الأجيال القادمة، لذا يجب على الجهات المعنية تسريع وتيرة إصدار قانون خاص بحماية رجال ونساء التعليم، وتشديد العقوبات على المعتدين، مع تبسيط مساطر التقاضي لتمكين الضحايا من استرداد حقوقهم بشكل سريع وفعال.
في المقابل قال عبد الله أوعيسى، فاعل حقوقي من جهة درعة تافيلالت، إن “معركة مواجهة العنف ضد الأطر التربوية هي معركة مجتمعية بامتياز، تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني وإعلام ومثقفين”، مضيفا: “لا يمكن أن ننتظر من المدرسة أن تبني جيلا متشبعا بقيم التسامح والحوار ونبذ العنف في حين أن هذه القيم غائبة في المجتمع”.
وأكد الحقوقي ذاته أنه “يجب إطلاق حملات توعوية واسعة النطاق لإعادة الاعتبار لمهنة التدريس في المخيال الجماعي، وتعزيز ثقافة احترام المدرس والمدرسة، مع تطوير آليات الوساطة والحوار لحل النزاعات التي قد تنشأ بين مختلف أطراف العملية التعليمية، بعيدا عن لغة العنف والتهديد التي لا تخدم سوى أعداء المدرسة العمومية والتعليم الجيد”.