آخر الأخبار

انتشار كاميرات المراقبة الذكية يختبر حماية خصوصية المواطنين المغاربة

شارك

من المرتقب أن تتسع رقعة استخدام كاميرات المراقبة الذكية بشوارع عدد من الحواضر المغربية، فبعد العاصمة الرباط أعلنت مدينة فاس عن فتح التنافس على صفقة في هذا الشأن، بأهداف معلنة أبرزها حفظ الأمن العام والمساهمة في الحد من تفشي ظواهر العنف والجرائم.

بمجرد ذكر لفظ “المراقبة” يقفز إلى الذهن نقاش حماية “الخصوصية الفردية” في الفضاءات العامة؛ ما استحضرته اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP) في بلاغ لها مارس المنقضي، موردة: “مِن المستحب إجراء تحليل مستنير وموضوعي يأخذ بعين الاعتبار القيم الدستورية، وارتباط المواطنين بها، وكذا الصالح العام”.

وقررت اللجنة ذاتها “تنظيم جلسات الاستماع اللازمة لإعداد مداولة حول الأحكام والضمانات الأساسية لحماية الحياة الخاصة في إطار استخدام كاميرات المراقبة”، مشددة على كون ذلك بهدف “الحرص على ضمان تطبيق منسجم للقانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، من قبل مختلف الفاعلين المعنيين بالإشكالات المطروحة”.

وينص الفصل 24 من الدستور المغربي على حماية الحياة الخاصة: “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة”.

وعلاقة بكاميرات المراقبة التي تعتمد “تقنيات التعرف على ملامح الوجه داخل المجال العمومي” ألحّت اللجنة المذكورة على “وجوب التمييز بين ما هو ضروري مقبول أو ممكن، مع ضرورة تقييم مستمر، ولاسيما عند استخدام أي تقنية جديدة، مع استحضار المصلحة من جهة، والفائدة من جهة أخرى، دون إغفال المخاطر من منظور حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، وفق تصورها.

خطوة بمخاطر

أمين بلمزوقية، باحث مغربي في علوم البيانات الضخمة والحوسبة السحابية ورئيس الاتحاد الدولي للذكاء الاصطناعي، عدَّ “إدخال كاميرات المراقبة الذكية في المغرب خطوة هامة نحو تعزيز الأمن والتحول الرقمي، لكن لا بد من وضع إطار قانوني وتقني صارم لضمان احترام الخصوصية، ومنع التمييز، وحماية الأنظمة من الاختراقات السيبرانية”، لافتا إلى “الاستفادة من التجارب الدولية (ماليزيا، لندن، الصين والإمارات…) لضمان تنفيذ هذا المشروع بأفضل الممارسات الممكنة”.

وعدد بلمزوقية، في إفادات وشروح بسطها لهسبريس، الفوائد المتوقعة من المشروع في “تحسين الأمن العام”، إذ “تتيح كاميرات المراقبة الذكية التعرف على الأنماط السلوكية المشبوهة والتعرف على الوجوه، ما يساعد السلطات على سرعة الاستجابة للحوادث الأمنية والمخاطر المختلفة من حرائق وإغماءات…”.

كما تسهم هذه الأنظمة في تقليل معدلات الجريمة وتعزيز شعور الأمان لدى المواطنين”، وفقا للخبير ذاته، مضيفاً مكاسبَ “إدارة أفضل لحركة المرور”، و”دعم التحول نحو المدن الذكية”.

وفي شق المخاطر والتحديات المرتبطة بالمشروع تبرز حسب المصرح لهسبريس “حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، مناديا بـ”وضع آليات قانونية صارمة لضمان حماية هذه البيانات وفقًا لأحكام الدستور المغربي والقوانين الوطنية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية”؛ كما أثار “مخاطر التمييز والانحياز الخوارزمي”، إذ تحتوي خوارزميات التعرف على الوجوه وتحليل السلوك على “تحيزات ضد بعض الفئات الاجتماعية أو العرقية”، فضلا عن “أخطاء الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات” ما يستدعي “وضع معايير واضحة للتحقق من صحة البيانات قبل اتخاذ أي قرارات قانونية أو أمنية”.

وفي ظل الهجمات السيبرانية الأخيرة التي تعرضت لها مؤسسات مغربية رسمية نبه بلمزوقية إلى أنه “يمكن أن تصبح هذه الكاميرات هدفًا للقرصنة”، مشيرا إلى “وجوب تعزيز الحماية الرقمية لهذه الأنظمة لمنع استخدامها كأدوات تجسس والحرص خصوصا على توطين مراكز البيانات التي تجمع فيها الصور والفيديوهات”، بحسبه.

“توازن العام والخاص”

يرى زهير الخديسي، خبير ومستشار في التحول الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، أن “مفهومي الخصوصية وحمايتها يختلفان من مجتمع لآخر”، مستحضراً في السياق إشارة دالة تضمنها بلاغ “لجنة حماية المعطيات الشخصية” حين سجلت أن “معالجة هذه الإشكالية لا تتم المنهجية نفسها عبر مختلف أنحاء العالم، إذ تعتمد على المقتضيات الدستورية والقانونية الجاري بها العمل بالدول المعنية، كما ترتكز على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للفئات المعنية؛ وتستند إلى التقنيات المتّبعة، والاعتبارات والإكراهات المرتبطة بحفظ وحماية الفضاء العمومي”.

وأشار الخديسي، ضمن حديثه لهسبريس، إلى أهمية “تغليب الصالح العام على الصالح الفردي في حالات معينة تقتضي حماية الأمن المجتمعي وضبط المجرمين، مثلا”، معتبرا أن “موضوع المراقبة الذكية بالكاميرات في الشوارع تتجاذبه نماذج متنوعة، بعضها يُعلي من شأن الفرد والبعض الآخر يجعل السبق لمصلحة المجتمع”.

وقال المتحدث ذاته: “يجب أن نصل بالنقاش إلى نموذج مغربي متفرد ووسطيّ ضمن تعزيز الثقة المجتمعية للفرد في علاقته بالدولة وضبطها للمجال العام ضمن سلطاتها القانونية”، مردفا بأن “الخصوصية صارت جزءا من مجالنا، نتشاركه ونتقاسمُه، وجزءا من الثقافة المتجذرة حتى في أسرنا والمجتمعات المحلية (البوادي مثلا)”.

وبينما شدد المختص في التقنيات الذكية والابتكار على فكرة أن “التقنية ذاهبة نحو تحجيم وتغييب المعطيات الشخصية، خاصة في ظل تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتيح تخصيص تحليل البيانات التي توفرها كاميرات عالية الدقة”، استخلص أنه “لا يمكن الذهاب عكس التيار العالمي والكوني الذي يميل نحو تكبير المساحة المجتمعية على حساب الخصوصية الفردية”.

وتساءل الخديسي: “كيف يمكن استعمال التكنولوجيا في قضايا حفظ الأمن العام من خلال مراقبة صارمة مع عدم الوقوع في حالات تعدّ على خصوصية الأفراد ومعطياتهم الشخصية الحساسة، مثل ملامح وجوههم…؟”، قبل أن يختم بأن “ذلك دور اللجنة الوطنيّة المعنية بالموضوع، للسهر على أن يتم حذف المعلومات بعد مرور مدة معينة وتعزيز صلاحياتها كهيئة مستقلة تراقب الاستعمالات القانونية لكاميرات المراقبة. ولعل التجربة الناجحة في بعض دول الخليج دليلٌ للنموذج المغربي المأمول”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا