في السنوات الأخيرة، أصبح مشهد الأطفال منشغلين بالهواتف والحواسيب واللوحات الإلكترونية في أيام العيد أكثر شيوعا من مشاهد تجمعهم للعب في الأزقة مع الأقران، إضافة إلى تراجع حماستهم الطفولية لتلقي “نقود العيدية” من الكبار إذا كانت ستعرقل استمتاعهم بالتكنولوجيا.
وأثار هذا التحول بين الأمس واليوم نقاشات حول تأثير التكنولوجيا على فرحة الأطفال بالعيد، ومدى تغير أنماط احتفالهم مقارنة بالأجيال السابقة، إضافة إلى تساؤلات حول الفاصل بين الاستخدام الطبيعي والمَرضي للتكنولوجيا في هذه المناسبة، ومسؤولية الآباء تجاه ذلك.
مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “الزمن الرقمي بات يهيمن على حياتنا اليومية، حيث أصبح الأفراد أكثر انشغالا بالمحتوى الافتراضي مقارنة بالواقع الملموس”، مضيفا أن “الزمن الواقعي يرتبط بالوعي والإدراك الحسي لما يدور حولنا، بينما يتمحور الزمن الرقمي حول الاهتمام بالمجال الافتراضي؛ مما يؤدي إلى انعزال الفرد وتراجع التفاعل الاجتماعي الحقيقي”.
وأوضح الأستاذ الجامعي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “تأثير الزمن الرقمي امتد إلى المناسبات الدينية، رغم حفاظها على استمراريتها من خلال توافد الناس على المساجد”؛ لكنه أشار إلى أن “الأطفال والمراهقين أصبحوا أكثر ارتباطا بالأجهزة الرقمية خلال هذه المناسبات؛ وهو ما أدى إلى تراجع الأجواء الاحتفالية العائلية التي كانت تسود في الماضي”.
وأضاف السعليتي أن “فرحة العيد لم تعد تحمل القيمة نفسها التي كانت عليها سابقا، إذ لم يعد الأطفال يولون اهتماما كبيرا بالهدايا والعيديات”، منبها إلى أنهم “قد يشعرون بسعادة مؤقتة، لكنها سرعان ما تتلاشى ليعودوا إلى هواتفهم؛ مما أثر على الحياة الأسرية التي لم تعد تحتفل بالأعياد بالحماس نفسه، بسبب تراجع العوامل التي كانت تمنحها طابعها المميز”.
وأفاد أستاذ علم النفس الاجتماعي بأن “الزمن الرقمي أحدث تغيرا عميقا في طقوس الأعياد، حيث لم تعد الفرحة مقتصرة على اللعب والتواصل العائلي؛ بل أصبحت حياة الأطفال محصورة في هواتفهم”، لافتا إلى أن “هذه العزلة لا تعني قطيعة تامة مع الماضي، لكنها تعكس تغلغل العالم الافتراضي في تفاصيل الحياة اليومية؛ مما أفقد المناسبات الدينية كثيرا من روحها الجماعية”.
وورد ضمن توضيحات الأستاذ الجامعي أن “الأعياد كانت تمنح سعادة جماعية، ولم تكن الفرحة فردية؛ بل قائمة على التفاعل والتواصل والزيارات العائلية. أما اليوم، فقد أصبح الأطفال أقل رغبة في مرافقة والديهم لصلة الرحم وتهنئة الأقارب، ويفضّلون البقاء منعزلين مع هواتفهم، حيث يجدون فيها محتوى أكثر إثارة من الواقع الذي أصبح، بالنسبة لهم، أقل جاذبية”.
وقال مصطفى السعليتي إن “الزمن الواقعي بات قصيرا أمام الامتداد الكبير للزمن الرقمي، إذ يقضي الأفراد ساعات طويلة في تصفح هواتفهم دون الشعور بانقضاء الوقت”، موضحا أن “هذا الأمر يؤثر على التركيز والتفاعل الاجتماعي، ويجعل الناس أقل ارتباطا بالمناسبات والاحتفالات العائلية، حيث تحل التهاني عبر الرسائل والمكالمات محل اللقاءات المباشرة”.
وختم السعليتي توضيحاته بالإشارة إلى أن “استمرار هذا التحول دون وعي بخطورته قد يؤدي إلى تراجع الاحتفالات والطقوس الدينية والاجتماعية بشكل كبير”، مشددا على أن “الثقافة الافتراضية باتت مهيمنة على العلاقات الاجتماعية؛ مما قد يؤدي إلى فقدان العديد من العادات التي كانت تشكل جزءا أساسيا من نسيجنا الثقافي، واسترجاعها لاحقا سيكون صعبا للغاية”.
من جانبها، قالت ندى الفضل، معالجة وأخصائية نفسية إكلينيكية، إن “التكنولوجيا أثرت بشكل كبير على فرحة الأطفال بالعيد، حيث لم تعد التجمعات العائلية واللعب في الشوارع تحتل نفس الأهمية كما في السابق”، مشيرة إلى أن “العديد من الأطفال أصبحوا يقضون وقتهم في الألعاب الإلكترونية أو مشاركة لحظاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يقلل من تفاعلهم المباشر مع محيطهم”.
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن “هناك فرقا واضحا بين الاستخدام الطبيعي والمَرضي للتكنولوجيا خلال العيد؛ فالاستخدام الطبيعي يشمل مكالمات الفيديو للتهنئة أو لعب بعض الألعاب لفترة محدودة، بينما يصبح الأمر مَرضيا عند عزلة الطفل عن العائلة، وقضاء معظم يومه أمام الشاشة، وظهور علامات التوتر عند منعه من استخدام الأجهزة”.
وأضافت الدكتورة في الصحة النفسية أن “الآباء مطالبون بوضع حدود واضحة لاستخدام التكنولوجيا خلال العيد، وتشجيع الأطفال على الأنشطة الجماعية مثل اللعب مع الأقارب أو الخروج إلى المتنزهات”، مشددة على أن “تحقيق توازن بين التكنولوجيا والتفاعل الاجتماعي يساعد في الحفاظ على العادات العائلية وتعزيز الروابط الأسرية”.
ونبهت المعالجة والأخصائية النفسية الإكلينيكية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى “أهمية دمج التكنولوجيا بشكل إيجابي في احتفالات العيد، مثل استخدامها لالتقاط الصور العائلية أو مشاهدة مقاطع تعليمية؛ لكن دون أن تصبح الوسيلة الوحيدة للترفيه”.
وختمت الأخصائية النفسية الإكلينيكية توضيحاتها بدعوة الآباء والأمهات إلى “تحفيز الأطفال على إنفاق نقود عيدياتهم في شراء أشياء ملموسة أو المشاركة في أنشطة خارجية، بدلا من إنفاقها على الألعاب الإلكترونية التي تزيد تعلقهم بالتكنولوجيا”.