رصدٌ غنيّ لأصول العامية المغربية من اللغات العربية والأمازيغية والفارسية واليونانية واللاتينية والسنسكريتية والتركية ثم الفرنسية والإسبانية، يحضر في أحدث محاضرات الأكاديمي رشيد بلحبيب، التي نظّمت بوجدة بمبادرة المجلس العلمي المحلي للمدينة، بتنسيق مع مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، تقديما لبعض نتائج مشروع سيتحول إلى معجم لرصد الألفاظ العامية المغربية.
ويرصد هذا المشروع البحثيّ “العلاقة بين العربية والعامية المغربية”، و”يختلف عن غيره من المحاولات المتداولة؛ بالابتعاد عن تكلّف العلاقات، وتأوّلها تأوّلات بعيدة، وبذكر الشواهد والسياقات الاستعمالية الحية، وبنسبة الشواهد إلى مستعمليها، وبرصد أقدم تاريخ ورد فيه الشاهد، وبتوثيق جميع الشواهد من مصادرها”، مع “رصد العلاقات الثقافية والبينية بين العامية المغربية وبعض اللغات غير العربية”.
قال رشيد بلحبيب إن عمله العلمي هذا بحثٌ في “جذور العامية المغربية وأصولها، معزز بالشواهد والتواريخ، بعيدا عن الإيديولوجيات التي تجعل العلاقة بين اللغة وعامياتها علاقة حرب ومغالبة”؛ فـ”العامية ظلت إلى جانب الفصحى في جميع الأصقاع، متعايشَتَين في ترادف وتكامل، واشتغل عليها رصدا وتصحيحا وعلى ما سمي بلحن العامة في تراثنا اللغوي، كبار القراء والعلماء، وكان قصدهم خدمة العربية أولا وأخيرا”.
وأضاف: “القصد بالرصد جمع المدوَّنة العربية التي ظاهرها عربي محض وأصلها عربي فصيح، والتفصيح إعادة لأصولها الفصيحة والاستدلال على العربية بشواهدها الفصيحة التي قد تعود إلى عصور الاحتجاج، والقصد بالتأريخ محاولة التأريخ لها بأقدم شاهد لها، بالاستعانة بالمدونات والمكانز المتاحة، والقصد بالتوثيق إيراد كل لفظ في شاهد حي من مصدر موثوق”، قصد “إحياء هذه الذخيرة اللغوية وإعادتها إلى التداول دون تردد أو حرج”.
سجّل المحاضر شمول العامية المغربية أصنافا متعددة من الدخيل، تعكس مدى الغنى والتنوع والتجذر؛ و”يمكن أن تكون دليلا كاشفا للعلاقات الثقافية والاحتكاك الحضاري والعمراني بين شعوب مختلف في المنطقة وخارجها”، ويمكن تصنيفه مع تفاوت في النِّسَب: دخيل عربي أولا، ثم دخيل غير عربي مرده إلى الاحتكاك المباشر مع عدد من اللغات من أصول أمازيغية، وأصول فرنسية، وأصول إسبانية، فدخيلٌ من أصول أعجمية بعيدة، مرده الاحتكاك المباشر أو الانتقال عن طريق اللغة العربية، وهو دخيل من أصول فارسية، وأصول يونانية، وأصول لاتينية، ثم أصول أخرى تركية، وسانسكريتية، وآرامية، وغيرها.
وذكرت المحاضرة أن العامية المغربية تزخر بعدد غير قليل من الألفاظ الأمازيغية، “تقل وتكثر بحسب المناطق؛ فكلما اقتربنا من المجال الحيوي للأمازيغية مثل الريف والأطلس ومنطقة سوس… ازداد حضورها، وكلما ابتعدنا قلّ، وخاصة في الحواضر الكبرى”.
ومن الأمثلة التي قدّمتها على الأصول الأمازيغية: “السّاروت” وهو المفتاح، “التبوريشة” بمعنى القشعريرة من برد أو خوف، و”اليشير” الطفل، “دغْيا” التي تعني بسرعة، و”البزّ” أي الأطفال الصغار، “الكرموص” بمعنى التين، و”لّالا” (لالّة) أي سيّدتي.
وأضاف: “الدخيل الفرنسي يمثل نصيبا موفورا مما غزا العامية المغربية (…) ومن دلائل ذلك أسماء الأواني المنزلية الكهربائية خاصة، وقطع السيارات والدراجات وغيرها، ففي قطع غيار الدراجة، يقال في العامية: “الكيدون، البيدال، الفيروج، الديتامو، الكادر، الفران، الكابلي، البنو، الشامبرير، السيليسيون…” مما يطرح سؤالا كبيرا عن التعريب في المغرب، وتعريب المهن، ومؤسسات التكوين خاصة؛ في حين نجد في دول أخرى لهذه القطع مقابلات عربية، بسبب تعريب العلوم ومراكز التدريب المهني”.
ومن نماذج الدخيل الفرنسي في الدارجة المغربية: “كاسكروط، الضوسي، السوفيطمة، الكومير، الطونوبيل، الفيروج، السربيس، فوطوكوبي، الزوفري، الكوان، الجوطية، الكوكوت، الفرشيطة”.
أما الدخيل الإسباني فـ”يتمركز في المناطق التي استعمرتها إسبانيا في شمال المغرب وجنوبه، ويشيع الدخيل غالبا في ما له صلة بالمستحدثات، وهو أقل بكثير من نظيره الفرنسي لاعتبارات تاريخية وجغرافية واجتماعية، مع ملاحظة تشابه بين الإسبانية والفرنسية لانحدارهما من أسرة لغوية واحدة”.
ومن الكلمات الإسبانية في العامية: “براكة” بمعنى الكوخ، و”البندير” بمعنى الدف، و”الرويدة” بمعنى العجلة، و”الروينة” بمعنى الخراب، و”الكوتشي” بمعنى العربة، و”الكاميلا” بمعنى القِدر، و”الكانا” بمعنى الرغبة، و”المونيكة” بمعنى الدمية، و”الماكينة” بمعنى الآلة، و”الفاكترورة” بمعنى الفاتورة، و”فالصو” بمعنى باطل، و”سيمانة” بمعنى الأسبوع، و”الصوبة” بمعنى الحساء، و”فالطة” بمعنى الخطأ.
في حديث المحاضرة عن “عشرات الألفاظ الدخيلة في العامية المغربية، التي لا يعرف الناس أصولها”، ذكر: “لعل أكثرها دخل إلى العامية عن طريق العربية، أو عن طريق الاحتكاك المباشر أو غير المباشر بثقافات ولغات أخرى”، وهي ألفاظ استعان في تأثيلها بخبراء في الفارسية واليونانية واللاتينية وغيرها.
من هذه الألفاظ “البوطة” الذي هو لفظ من أصل فارسي يستعمل في العامية المغربية للدلالة على الإناء الذي توضع في السوائل، ويكون على شكل أسطوانة، ومن شواهده قول أبي بكر الرازي سنة 313 للهجرة الموافقة 925 للميلاد: “كحلٌ لجالينوس حافظٌ لصحّة العين. خُذْ من الحجر الأفرُوجيّ، فكَسِّرُهُ… وانفُخ عليه بفحمٍ في بوطا أو قِدرٍ، حتى يَحمى كالنّار لا يُرى فيه دُخانٌ”. وقد شاع بعد ذلك استعمالها في جميع الحاويات، مثل “بوطة الماء”، و”بوطة المازوط”.
و”الطِّنجير” أو “الطّنجرة” لفظ من أصل فارسي يعني في العامية المغربية القدر الكبير التي يطبخ فيها في الأعراس والمناسبات، وأقدم استعمال له قول مطيع بن إياس الكنانيّ، المتوفى سنة 166 للهجرة: “وخمسة قد أبانوا لي كيادَهُمُ .. وقد تلظّى لهم مِقلة وطِنْجيرُ”، وشاهده قول الشيرازيّ محمود بن إلياس، 730 للهجرة، يصف دواءً: “ويُغسَل الإجليلَج بعد ذلك، ثم يُلقى في طَنجرة، ويُصَبُّ عليه من الماء ما يغمُره”.
ومن الألفاظ ذات الأصول الفارسية أيضا “الصّرد” بمعنى البرد القارس، و”الكاغد” بمعنى الورق، و”اللّجام” الذي تقاد به الدابة.
ومن الألفاظ ذات الأصول اللاتينية “الهْري” في العامية المغربية الذي يدلّ على المخزن الذي تودع فيه البضاعة ونحوها، وكذلك ألفاظ من قبيل مكيال “الأوقية”، و”السطل” بمعنى الدلو، و”البوق” بمعنى مكبر الصوت، و”البرنوص” أي المعطف الطويل، وفاكهة “البرقوق”، و”المنديل” أي المنشفة القماشية.
ومن الألفاظ ذات الأصل اليوناني في العامية المغربية “بلّارج” الذي يطلق على طائر اللقلاق، و”القصريَّة” التي تعني في العامية الوعاء الكبير الذي تُغسل فيه الثياب، والوعاء الذي يوضع فيه السمن، و”القيسارية” التي تضمّ الحوانيت ودكاكين التجارة وغرف الإقامة، و”الفرّوج” بمعنى الديك، و”الفلّوس” أي فرخ الدجاج، و”السميذ” الطحين المدقوق، و”القزدير” الحديد الصدئ ونحوه، و”البارود” الذي تحشى به البنادق، و”القادوس” الخرطوم، و”الصندوق” بمعنى العلبة.
ومن الألفاظ ذات الأصل التركي في العامية المغربية “البقراج” أو “المقراج” الذي يدلّ على الآنية التي يغلى فيها الماء. أما من الأصول السنسكريتية فتوجد ألفاظ “الفوطة” و”الحانوت” و”السّكّر”.
ذكر المحاضر أن “الدخيل العربي الفصيح المعياري أكثر من أن يُعَدَّ، ويغطي قسما كبيرا من ألفاظ العامية المغربية، ويصعب حصر المتغلغل منه في جميع الحقول، حتى ذهب عدد من الباحثين إلى عدم إدراجه ضمن الدخيل”.
ومن أمثلة ذلك في حقل الدين: مسلم، مؤمن، كافر، منافق، زكاة، صلاة، صدقة، حج، صيام، شهادة، قرآن، حديث، سنة، صحابة، جهاد، فقه، تفسير، خطبة، درس، موعظة، فقيه، مؤذّن… وفي حقل الفلاحة: بطاطا، بصلة، قزبر، معدنوس، زيتون، تفاح، بطيخ، مشماش، الرمان، الخضر، الفواكه، الأشجار، الحبوب، الحرث، المحراث، الصريمة، اللجام، البردعة، الخيمة، الوتد، السقف، الحوش…
أما أعضاء جسم الإنسان، فتتضمّن العامية من العربية: الرأس، العين، الأنف، الفم، الحاجب، الشفار، الوجه، الأذن، اليد، الرجل، الصدر، الأسنان، العنق، الركبة، القلب، الكبد… وفي المحيط الخارجي والبيئي: الأرض، السماء، النجوم، الشمس، القمر، الجبال، البحر، الرمل، الصخر، الحجر، الظلام، الصبح، البرد، الحرارة..
وفي ألفاظ الألوان كذلك، يوجد: لبيض، لحمر، لصفر، لخضر، لزرق، الرمادي… ثم ألفاظ القرابة: الأب، الأم، الأخ، الأخت، العم، العمة، الخال، الخالة، الجد، الجدة، النسيب…
وعلّق بلحبيب على هذه الأمثلة: “لعل النماذج السابقة هي التي جعلت بعض الدارسين يرجح غلبة الدخيل العربي على غيره، بل وعدّ العامية المغربية عربية بنسبة مئوية مرتفعة، ومن ذلك دراسة الفقيه أبي العباس أحمد الرهوني لـ2000 كلمة من لهجة تطوان، انتهت إلى أن قرابة 100 لفظة أمازيغية من أصل 2000، والباقي من أصول عربية فصيحة”.
في جزء الدراسة المخصّص لـ”الدخيل العربي الفصيح”، رصد بلحبيب الألفاظ العامية ذات الأصول العربية الفصيحة البعيدة عن المتداول الذي لا يحتاج إلى تدليلٍ على عربيته، مما يُظَنّ أنه منقطع الصلة عن العربية.
ومن ذلك “الوقيد”، وهو في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية “ما تُضرَم به النار من خشب وزيت ونحوِهما”. و”القاسح” بمعنى الصلب، وقد ورد في 125 للهجرة في شعر الطرماح بن حكيم: “موارن لا بضعاف المتون… ولا بالمجرَّمَة القاسِحَهْ”.
وكذلك “البنَّة” للدلالة على المذاق عموما، وهي في الأصل من الرائحة، انتقل معناها إلى الذوق، وأقدم نص له في “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية” قول الأسود بن يَعفر النَّهشلي في 22 قبل الهجرة “وعيدٌ تُخدِجُ الآرامُ منه… وتكرَه بَنَّةَ الغنَم الذّئابُ”، ثم جاء بمعنى الرائحة الطيبة، وشاهدها قول جميل بثينة في 82 للهجرة “وشَربَة مثل ريح المسك بنَّتُها… شَربْتُها بإناء ليس من عُودِ”.
ومن الألفاظ “الخامج” المستعمل ومشتقاته للدلالة على الشيء الفاسد، وانتقل للدلالة على الشخص السيء الخلق القذر، وجاء في جمهرة اللغة “ويُقال: خمِج اللَّحم إذا تغيّر”، وفي كتاب الأفعال لابن القوطية “وخمِج الشيءُ خموجا: تغير لونه أو طعمه”، وفي تهذيب اللغة “وسمعتُ العرب تقول: خمِجَ اللحم يخمَج خمَجا إذا أنتن”. ثم انتقل المعنى من المحسوسات إلى المعنويات: “وقال أبو سعيد: رجل مُخمَّج الأخلاق: فاسدُها”، ويقول ابن تيمية يذكر رأي ابن سبعين في كلام ابن عربي سنة 638 للهجرة “فلسفة مخموجةٌ، وكلامهُ هو أدخل في الفلسفة، وأبعد عن الإسلام”.
وذكرت المحاضرة ألفاظا مثل “البَرمة” التي تدل في العامية المغربية على الآنية الكبيرة، وقد جاء في معجم العين: “البُرمَة التي يسلأَون فيها السَّمْن، وفيه أيضا: والبِرامُ: جمع البُرْمة، وهو قِدْرٌ من حَجَر”. و”العمّاريّة”، التي تدل على “المحمل الذي يشبه القبة التي يوضع فيها العِرسان، وتُحمل على الأكتاف”، وجاء في معجم الدوحة أن “العَمَّاريّة: قبة واسعة تُضرَب على ظهر البغل ونحوه. وشاهده قول أحد جلساء المأمون في 218 للهجرة، 833 للميلاد، يجيبه حين سأله عما أنكره من غير الخمر، نعَم، إظهارك الجواري في العَمَّاريات، وكشْفَهُنَّ الشعور منهن بين أيدينا، كأنهن فِلَق الأقمار”.
ويستعمل المغاربة الفعل “فايش” و”فيَّش” ومشتقاته للدلالة على المفاخرة بالكذب والادعاء، وهو المعنى نفسه في العربية الفصيحة. ومن شواهده قول جرير سنة 110 للهجرة يهجو قوم الفرزدق بضعف أجسامهم وعقولهم: “ويُفايِشُونك، والعظامُ ضعيفةٌ … والمُخّ ممتخَرُ الهُنانَة رارُ”. و”في معجم الدوحة”: “فاشَ الشّخصُ: فخَر بما ليس عنده. وشاهده قول جرير أيضا: وقَد رغِبَتْ عن شاعِرَيها مُجاشِعٌ .. وما شِئْتَ فاشُوا من رُواةٍ لِتَغْلِبِ”.
ومثال “خَنْزَر” الذي “يستعمل في العامية المغربية للدلالة على النظر بمؤخر العين غضبا وتوقدا”، قد جاء في معجم الدوحة بمعنى “خَنْزَرَ الرجيلُ: غَلُظَ وساء فِعْلُه”، وفي معجم العين (175 للهجرة): “خَنْزَرَ فُلانٌ خنزرَة كما تُخنَنْزِرُ الخنازيرُ”. وفي تاج العروس: و”منه خَتْزَرَ الرجل: نظر بمؤخِر عينه”.
وكذلك “تعرَّم” الذي يستعمل في العامية المغربية للدلالة على تجمع الشيء وتكدسه، وهو “عربي قريب في دلالته، وجاء في معجم الدوحة: تعرَّم الشيءُ: كَثُرَ واشتدَّت قُوَّتُه، وشاهده قول أشجعَ بنِ عمرو السُّلَميّ (195 للهجرة): (أتاها ابنُ يحيى جعفرٌ، فكأنّما … أتاها ربيعٌ، قد تعرَّم وابِلُه). وفي تكملة المعاجم: تعرَّم الموج: تراكم وتجمّع. وعَرَّم: تكوّم وتكدّس”.
ومن الألفاظ “خرْبَق” الذي “يستعمل في العامية المغربية للدلالة على التخليط في الكلام خاصة، وهو عربي في لفظه ومعناه، فقد جاء في المنتخب من كلام العرب، لكراع النمل (309 للهجرة): ويقال خَرْبَقَ عمله خَرْبَقَة: أفسده”. وفي معجم الدوحة: “خربقَ العملَ: أفسدَه”.
أما “خَلَع” و”الخَلْعَة” فهو لفظ يستعمل في العامية المغربية للدلالة على الفزع والمباغتة، وهو من أصل “انخَلَع العظُ ونحوه: زال عن موضعه من غير بينونة، فكأن المُفزَع يزول قلبه من موضعه بسبب شدة الفزع. وقد جاء في معجم الدوحة، خَلَعَ فؤادَه: أفزَعَهُ، والخالِعُ: المُفْزِعُ كأنّه ينتزع القلبَ. وشاهده قول أم سلمة الأشهليّة الأنصاريّة (11 للهجرة): يا رسول الله، لقد خلَعْتَ أفئدَتَنا بذِكرِ الدَّجّال.
ومن الألفاظ “الطَّنز” الذي يدل على “السخرية والاستهزاء” وقد جاء في معجم الدوحة أن “الطَّنز: السُّخرة، وطنَز به: سَخِر منه. ومن أقدم شواهده قول المتوكل اللَّيثي الكِناني (85 للهجرة): (لا تَطْنُزي بي، يا حبيبُ، فإنَّني.. عَجِلٌ، لِمَن يهوى الفِراقَ، زوالي). ومن شواهده قول بكر بن النّطّاح الحتفي (192 للهجرة): (وأعجَبُ شيء منكَ تسليمُ أمْرِهِ… إليكَ، على طَنزٍ، وأنّكَ قابِلُه)”.
ومنه “ناض” و”ينوض”، الذي يعني “الحركة فيها تثاقل وتكاسل”، وهو في شعر الطرماح بن حكيم، وذكره الخليل.
ومن الألفاظ “شيَّطَ” الذي “يستعمل الفعل ومشتقاته للدلالة على الاحتراق، وأقدم نص ورد فيه اللفظ قول خِداش بن زهير العامريّ (6 للهجرة: “إذا اصطادوا بُغاثا شيَّطوهُ .. فكان وفاءَ شاتِهِمُ القُروع”)، ورائحة “الشِّياطِ” تُطلَق على رائحة المُحتَرِق من الطعام والشَّعر ونحوهما.
وأقدم استعمال به، وفق معجم الدوحة، قول أبي نواس، سنة 189 للهجرة، يصف كلبا: “ويخمِطُ الشاؤون من خمَّاطِه .. ويطبَخُ الطابخُ مِن أسقاطِه .. حتّى علا في الجَوِّ مِن شِياطِه”.
أما “الشّائط” الذي يطلق على “ما تبقى من الطعام”، فأقدم استعمال له، قول أبي النجم العجلي، سنة 125 للهجرة، ترى يَبيسَ البَولِ فوق المَوصِلِ .. مِنهُ بعَجْزٍ كَصَفاة الجَيْحَلِ.. كَشائط الُرُبِّ، عليهِ، الأشكَلِ”.
و”زيّر الشيء إذا أحكم إغلاقه. وفي معجم الدوحة: زيَّر الدَّابَّةَ: شدّ فمَها بالزّيارِ (…) وقد ورد الزِّيارُ بمعنى: الحبل تُشَدُّ به السفينةُ، وجَحْفلَة الدّابّةِ، في نص للأعشى بتاريخ 20 قبل الهجرة، في قوله: إذا دَهَم الموجُ نوتِيَّهُ .. يَحُطُّ القِلاعَ وَيُرخي الزِّيارا”.
ويدلّ “سَافَط” في العامية المغربية على الإرسال والتوديع، وهو “عربي فصيح، فقد ورد في معاجم العربية، وفي معجم الدوحة بعدد من المعاني منها: سافَطَهُ: ودَّعَه مُظْهِرا له اللّينَ والارتياحَ. وشاهده قول عبد الرحمن بن عبد الله السعدي المتوفى سنة 1654: “فخرَج، ورَكِبَ، وجاز عليهم قعودا، ولَم يُسلِّم عليهم، فسافطَ أخاه… إلى عند قصر البلد”. ومن شواهده قول أبي عبد الله محمد بن عيشون الشراط، المتوفى سنة 1797: إن الشيخ سيدي أبا سلهام خرج يسافطنا فكرهت أن أوليه ظهري إلى أن رجع عنا”. وجاء في معجم الدوحة: “سافَطَه بالشيء: أعطاه إيّاه عن طيب نَفْس”.
ومن الألفاظ الأخرى التي أوردها البحث ولها شواهد من العربية الفصيحة: “البْرِيّة” بمعنى الرسالة، و”البرطال” صغير العصافير، “خاطر” بمعنى راهن، “الخليع” اللحم المقدّد، “الدحاس” أي الزحام، و”الخُبّيزة” النبات، “درّق، تدرق” أي تخفّى، “الخنز” بمعنى فسد ونتن، “تحزّم” أي شدّ وسطه واستعدّ، “الدّالية” شجرة العنب، “الخزّ” للدلالة على الطحلب، “الدّربوكة” آلة الضرب، “الحصيصة” ما يذّخر، و”الجوقة” بمعنى الجماعة من الناس.