آخر الأخبار

أوراق من برلين .. فيلم "بطلة" أو عين الكاميرا التي تلتقط كل شيء

شارك

“بطلة” هو فيلم يمتد على مدار ساعة ونصف، تصوّر فيه المخرجة بيترا فوله حياة ممرضة في رحلة مليئة بالتحديات. بعد النجاح الكبير لفيلم “غرفة المعلمين” لإيلكر شاتا، حيث أدّت ليوني بينيش دور البطولة، تعود الممثلة نفسها لتجسّد شخصية ممرضة تتعامل مع ضغوط العمل في ظروف استثنائية.

في جميع مشاهد الفيلم، نرى الممرضة فلوريا مضطرة إلى قمع مشاعرها لأسباب مختلفة، إذ تجد نفسها، مرارًا وتكرارًا، في مواقف تتطلب منها إظهار القوة أمام الأهل، والطلاب، والزملاء، والأطباء، والمرضى. المدهش هو كيف تنجح ليوني بينيش في التعبير عن تقلبات مشاعرها بدقة، حيث يظهر تحت ملامح هدوئها إحباط متصاعد، وغضب مكتوم، وضغط نفسي لا يلبث أن ينفجر.

تدور أحداث الفيلم في أحد أقسام المستشفيات السويسرية خلال نوبة ليلية، حيث يواجه الطاقم الطبي تحديًا كبيرًا يتمثل في استقبال عدد من المرضى يفوق قدرتهم الاستيعابية. ومع ذلك، كما يوحي عنوان الفيلم، تحاول فلوريا معاملة الجميع بالمساواة، دون أن يشعر أحد بمدى الضغط الذي تتحمله. تجسد ليوني بينيش الدور بتركيز بالغ، إلى أن يقع خطأ مهني يغيّر مجرى القصة.

الفيلم حافل بالمشاهد السريعة والمتنوعة، إذ يواجه كل مريض مخاوفه بطريقته الخاصة. في كل لحظة، تنتقل الممرضة فلوريا من مهمة إلى أخرى: تهتم بابنة تنتظر بجانب سرير والدها العجوز، تعطي حقنة لامرأة متوترة، تطمئن رجلًا قادمًا من بوركينا فاسو يعاني من آلام غامضة في البطن، وتواسي مريضة بالسرطان كانت تأمل في الشفاء. وبين هذه اللحظات، يرن الهاتف بمزيد من المهام التي يجب إنجازها، بينما يعمل زملاؤها في الأقسام الأخرى بالوتيرة السريعة ذاتها.

هناك أيضًا مشاهد غريبة مع مريض مزاجي، تخلق لحظات من الإثارة والتشويق. الفيلم، الذي يمتد لتسعين دقيقة، ينقل الواقع المهني للممرضات والممرضين بشكل مكثف، مدعومًا بالأداء المذهل لليوني بينيش. بعد مشاهدته، قد يشعر البعض برغبة في التضامن مع الممرضات اللواتي وقفن أمام قاعة العرض خلال العرض الأول، مطالبات بتحسين الأجور وزيادة عدد الطاقم التمريضي.

من الحافلة التي تشق طريقها عبر المدينة الليلية، إلى الممرات تحت الأرض، وبين الخزائن الخشبية الضيقة في غرفة تبديل الملابس، وصولًا إلى ممرات القسم الجراحي بالمستشفى السويسري، تسير فلوريا في عملها بوتيرة متسارعة كما لو كانت على حلبة تزلج، دائمًا في حركة مستمرة، دائمًا في أماكن متعددة في الوقت نفسه. النوبة الليلية الطويلة تتكثف في تسعين دقيقة متسارعة الأنفاس، ويبدو أن ليوني بينيش، حين قرأت النص، شعرت وكأن أنفاسها تنقطع، وهو شعور ينتقل مباشرة إلى المشاهد.

جوديث كوفمان، التي تتعاون مع بيترا فوله للمرة الثالثة بعد “تراوملاند” و**”النظام الإلهي”**، تلتقط بعدستها الروتين المزدحم للإجراءات اليومية في المستشفى، وكذلك الفوضى المليئة بالضغط في الحياة المهنية. عملت بيترا فوله وليوني بينيش بجهد كبير ليجعلوا المشاهدين يصدقون أن هؤلاء الأشخاص يؤدون هذه المهام مئات المرات يوميًا.

في العديد من اللحظات، يبدو الفيلم وكأنه وثائقي، حيث تبدو ليوني بينيش وكأنها تعيش التجربة فعلًا. جميع المشاركين في الفيلم جادون في تقديم تحية تقدير للعاملين في الأقسام الطبية التي تعاني نقصًا حادًا في الطاقم، والذين يتعرضون لضغوط مستمرة منذ فترة طويلة، حتى قبل جائحة كورونا.

الإحصائيات التي تظهر في نهاية الفيلم تكشف عن أرقام محبطة، إذ إن عددًا متزايدًا من الممرضين والممرضات يقررون ترك العمل خلال السنوات الأربع الأولى من حياتهم المهنية بسبب نقص الطاقم. ومن غير المرجح أن يسهم هذا الفيلم المؤثر في جذب موظفين جدد إلى مهنة التمريض.

“بطلة” تحفة سينمائية تُعرض رسميًا في دور السينما منذ 27 فبراير 2025.

كاتب ومخرج مقيم في برلين

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا