أثار القرار الجديد للإدارة الأمريكية بوقف برامج المساعدات الموجهة إلى الدول النامية وإغلاق “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” موجة قلق في العديد من الدول، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء التي كانت تعتمد بشكل كبير على الإعانات والمنح الخارجية لتمويل جهود مكافحة الإرهاب المتفشي في هذه المنطقة الجغرافية، إذ يهدد هذا القرار بتنامي موجات العنف وتمدد أنشطة الجماعات التكفيرية مقابل انهيار الدول والمؤسسات.
في هذا السياق، أفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن الرئيس الأمريكي أوقف، منذ يناير الماضي، المساعدات الخارجية عن دول مثل ساحل العاج، على الرغم من تصاعد العنف في مالي ودول أخرى في منطقة الساحل جنوب الصحراء وارتفاع موجات اللجوء نحو الأراضي الإيفوارية.
وأكد دبلوماسيون ومسؤولون في العاصمة ياموسوكرو أن “قطع المساعدات يعرّض جهود مكافحة الإرهاب للخطر، ويضعف النفوذ الأمريكي في منطقة لجأت بعض دولها إلى المرتزقة الروس طلبا للمساعدة”. وقد ساهمت هذه الإعانات في تدريب الشباب على وظائف مختلفة، وإنشاء مراعٍ لحماية الماشية من هجمات الجماعات المسلحة.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن “ساحل العاج من بين الدول القليلة التي لا تزال تقاوم التهديد الإرهابي في منطقة الساحل”، مشددا على أهمية استمرار دعم المجتمعات الحدودية لتجنب وقوعها في براثن التطرف.
في هذا الإطار، قال البراق شادي عبد السلام، الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراعات، إن “توقف برامج المساعدات الأمريكية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى يشكل أحد التحديات الوجودية التي تهدد دول وشعوب المنطقة؛ إلى جانب التوترات السياسية والصراعات العسكرية، والتحديات الأمنية المرتبطة بالانفلات الأمني، وفشل الدول الوطنية، وانهيار المنظومة الاقتصادية، وانتشار حركات التمرد والجماعات الإرهابية”.
وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “التوقف المفاجئ والسريع لهذه المساعدات ستكون له انعكاسات سلبية على قدرة دول الساحل في مواجهة الأزمات والمخاطر التي تهددها، حيث تسهم هذه المساعدات في الحد من دوافع التطرف العنيف ووقف انتشار الإرهاب، عبر تمويل العديد من البرامج التعليمية والتدريبية والتنموية”. كما أشار إلى أن “التحديات المتزايدة في الساحل تستدعي تطوير استراتيجيات وطنية وإقليمية، إلى جانب توفير موارد ودعم مادي وسياسي، وهو ما تقدمه دول أخرى دون قيود أو شروط مرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية، مثل الصين وروسيا”.
وفي رده على سؤال حول قدرة المغرب على تعويض هذا الفراغ الأمريكي في الساحل، أكد الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراعات أن “المملكة، بحكم ارتباطها العضوي بدول المنطقة عبر المشتركات التاريخية والجغرافية والسياسية، تمتلك رؤية واضحة لدورها في دعم الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة”.
وأبرز أن “الرباط ملتزمة بقضايا الشعوب الإفريقية وفق رؤية إقليمية تقوم على مواجهة التهديدات الأمنية من خلال الحوار الإقليمي الموسع، وابتكار حلول تعتمد على نهج ‘حلول إفريقية’، وترسيخ مبدأ ‘أفرقة’ الحلول للمشكلات التي تهدد الأمن البشري”.
من جانبه، أوضح هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، أن “قرار الولايات المتحدة بوقف مساعداتها لدول الساحل سيؤدي إلى تراجع قدرات هذه الدول في مواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة، خاصة أن هذه المساعدات لم تكن مقتصرة على الدعم العسكري؛ بل شملت مشاريع تنموية أساسية ساهمت في تعزيز صمود المجتمعات المحلية أمام استقطاب الجماعات المتطرفة”.
وأشار معتضد إلى أن “هذا الفراغ سيزيد من هشاشة المنطقة؛ مما قد يدفع بعض الدول إلى البحث عن شركاء جدد مثل روسيا أو الصين، أو حتى القبول بتسويات مع جماعات مسلحة نتيجة ضعف الإمكانيات”.
وتابع الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية بأن “المغرب يمكنه لعب دور رئيسي في احتواء تداعيات هذا الوضع، مستفيدا من موقعه الاستراتيجي وخبرته في مكافحة الإرهاب والتطرف. فمن خلال تجربته الناجحة في تأمين حدوده والتعامل مع الخلايا الإرهابية، يستطيع المغرب تقديم دعم لوجستي واستخباراتي لدول الساحل، لا سيما عبر برامج تدريبية متخصصة لقوات الأمن في هذه الدول”.
وأضاف المتحدث عينه أن “الرباط يمكن أن تساهم في استقرار الساحل عبر دعم مشاريع اقتصادية وتنموية لتحسين الظروف المعيشية للسكان، خصوصا في المناطق الحدودية حيث تتمركز الجماعات المسلحة”.
وفي سياق متصل، أكد معتضد أن “المملكة قادرة، على المدى الطويل، على لعب دور دبلوماسي محوري في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية والدولية حول مستقبل الساحل، بفضل علاقاتها القوية مع كل من القوى الغربية ودول المنطقة؛ مما قد يجعلها وسيطا قويا لدعم جهود المصالحة بين الحكومات والفصائل المعتدلة، وبالتالي تحقيق حلول سياسية مستدامة بدلا من الحلول العسكرية المؤقتة”.
وخلص الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية إلى أن “توقف المساعدات الأمريكية يمثل تحديا كبيرا؛ لكنه يفتح أيضا المجال أمام المغرب لتعزيز مكانته كشريك استراتيجي في إفريقيا”، معتبرا أن “تبني مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والتنمية والدبلوماسية سيجعل من المغرب فاعلا أساسيا في إعادة التوازن للمنطقة وتعزيز استقرارها في مواجهة التهديدات المتزايدة”.