بالرغم من تأكيدها أن الحصيلة الأولية لاعتماد السجل الاجتماعي الموحد كشفت عن “نتائج إيجابية” و”بوادر للانتقال نحو فعالية وعدالة برامج اجتماعية”، إلا أن ورقة سياسات، حديثة، عددت الإشكالات التي تتخلل تنزيله، ضمنها كون “منهجية الاستهداف لا تعبر بدقة عن الوضع المعيشي للأسر”، وأن الدعم النقدي المباشر “قد يؤدي إلى تكريس الاتكالية الاقتصادية لدى الأفراد”، مبرزة أن “تأخر” إرساء وكالة السجلات “قد يعطل أدوارها”.
وأوضحت الورقة الصادرة عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، التي سعت “للكشف عن مدى مساهمة تفعيل السجل الاجتماعي الموحد في تعزيز فعالية البرامج الاجتماعية وضمان تكاملها”، أن نتائج اعتماد هذا السجل “تظهر بعض الإرهاصات الإيجابية”؛ إذ أصبح “هو الأداة المعتمدة لانتقاء الفئات المستفيدة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض القائم على آلية التضامن”.
واستحضر المصدر نفسه، وهو يعدد مكاسب اعتماد السجل الاجتماعي الموحد، أن معاييره تعتمد “كآلية محورية لتحديد الفئات المؤهلة للاستفادة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للأسرة الفقيرة، منذ أن دخل حيز التنفيذ أواخر سنة 2023، حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة حوالي 3,9 ملايين أسرة”، مبرزا أنه على الصعيد المؤسساتي، “تم إحداث وكالة وطنية للسجلات مكلفة بتدبير المنظومة الجديدة”.
واستدركت الورقة المعنونة بـ”هل تحوّل السجل الاجتماعي الموحد إلى آلية لإرساء دولة الحد الأدنى”، بأن “مصير هذه المؤسسة يثير تساؤلات مشروعة حول أسباب التأخر في إرسائها رغم صدور المرسوم المتعلق بإحداثها منذ سنة”، مشيرة إلى أن “استمرار وزارة الداخلية في تقلد مهام هذه الوكالة في فترة انتقالية طال أمدها من شأنه أن يعيد إنتاج هيمنة الوزارة على البرامج الاجتماعية والتحكم في مدخلاتها ومخرجاتها، وسيعطل الأهداف الاستراتيجية للوكالة”.
كما تطرّقت الورقة ضمن المكتسبات كذلك، إلى “رقمنة عمليات التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد ومعالجة البيانات، بالإضافة إلى إرسال المؤشر الاجتماعي والاقتصادي للأسر عبر رسائل نصية قصيرة، وتوزيع الدعم النقدي عبر حسابات بنكية رقمية”، موضحة أن ذلك ساهم “في تبسيط الإجراءات الإدارية وتيسير خدمات الدعم الاجتماعي”، ما “يعزز الشفافية والحكامة في التدبير، ويحد من مظاهر المحسوبية والفساد وتوظيف الدعم لخدمة مآرب سياسية”.
وشددت على أن الحصيلة الأولية لتفعيل السجل الاجتماعي الموحد تكشف “عن بوادر الانتقال نحو فعالية وعدالة برامج اجتماعية كما هو الحال مع بعض التجارب الدولية كالبرازيل”.
في المقابل، أوضحت الورقة ذاتها، التي أعدها الباحث بجامعة ابن زهر بأكادير سعيد الشرقاوي، أن سيرورة تفعيل السجل الاجتماعي الموحد “تظهر أنه ينطوي على العديد من الإشكالات القانونية والعيوب المسطرية والمنهجية التي تحد من كفاءة منهجية الاستهداف، فضلا عن التداعيات المحتملة على المدى القريب والمتوسط على انزلاق بعض الفئات الاجتماعية إلى دائرة الفقر والهشاشة”.
في هذا الصدد، اعتبر المصدر نفسه أن القانون رقم 77.18 يتضمن “عدة مقتضيات قانونية تمييزية، من بينها اشتراط التقييد في السجل الوطني للسكان الإدلاء بما يثبت عنوان السكن”، و”الاستناد إلى تعريف المندوبية السامية للتخطيط لمفهوم الأسرة التي يحق لها التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد”.
وشرح أن هذه المقتضيات “تشكل تمييزا قانونيا ضد بعض الفئات الهشة مثل: المشردين، والأشخاص بدون مأوى، وكذلك ضد الأسر التي لا تتوفـر علـى مـا يثبـت عنـوان سكنها (مثل أسر دور الصفيح)، أو الأسر التي لا تطبق عليها عناصر تعريف الأسرة كالنساء في وضعية صعبة أو الأشخاص بدون أسر”.
وأردف المصدر نفسه بأن منهجية الاستهداف تواجه “انتقادات لعدم تعبيرها بدقة عن الوضع المعيشي للأسر؛ إذ تعتبر بعض الممتلكات (مثل الهواتف أو اللاقط الهوائي) متاحة للجميع ولم تعد تعكس مستوى الرفاهية أو الفقر الفعلي”، مبرزا من جانب آخر أن “الاعتماد الكلي على الرقمنة في السجل الاجتماعي الموحد يطرح تحديات مزدوجة”.
ورغم “أهمية” تعويض الدعم الشامل بالدعم النقدي المباشر، رأت الورقة أنه “قد يؤدي إلى تكريس الاتكالية الاقتصادية لدى الأفراد”، مبرزة أن ذلك “تظهره بعض المؤشرات، منها: لجوء العديد من الأفراد إلى بيع الممتلكات، وتقليص النفقات، وإغلاق الحسابات البنكية لتجنب فقدان الدعم، والهروب إلى القطاع غير المهيكل، مما يعيق انخراطهم في فرص عمل أو مشاريع مربحة”.
وأوضحت في المقابل أن “إلغاء الدعم الشامل بدون بدائل اقتصادية قد يؤدي إلى تدهور أوضاع بعض الطبقات، خاصة الطبقة الوسطى التي ستتحمل عبء ارتفاع أسعار المواد الأساسية والضغط الضريبي الإضافي تحت يافطة الضرائب التضامنية”، مضيفة أن “الفئات الفقيرة، وإن كانت ستستفيد من خدمات التغطية الاجتماعية، لكن تراجع أوضاعها الاقتصادية سيكون محتملا بسبب تفكيك صندوق المقاصة وارتفاع تكاليف المعيشة”.
اعتبارا لذلك، أوصت الورقة بـ”تعديل الإطار القانوني لمنظومة الاستهداف ليشمل تعزيز آليات حماية البيانات الشخصية، وتحديث تعريفات الفئات المستهدفة، وتبسيط إجراءات التسجيل، وتدقيق آليات قيادة وتنسيق البرامج الاجتماعية”، داعية إلى “مراجعة شاملة لمنهجية الاستهداف”.
كما دعت إلى “العمل على الإسراع بإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، وتزويدها بالموارد المالية والبشرية اللازمة لتمكينها من الاضطلاع بأدوارها المحورية في إدارة المنظومة الجديدة للاستهداف، وضمان استقلاليتها عن وزارة الداخلية، مع العمل على توسيع مهامها لتشمل التدخلات الميدانية المباشرة”.