قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن الدفاع عن الوطن وحدوده وصورته بالخارج يُعدّ “منزلة الشرف الكبير ونيشانا فخريا يعلق على صدر كل من يحمل بندقية أو قلما”، مشيرا إلى أن المحاكمة الشعبية لأعداء الوطن بالخارج كشفت “زيفهم وضعف حجتهم” وأثبتت “تعمدهم الإساءة إلى الوطن ورموزه السيادية”.
وأشار بوصوف، في مقال له بعنوان “المحاكمة الشعبية لخونة الخارجNo Passaran…”، إلى أن هذه المحاكمة سجلت “تفاعلا رهيبا واستهجانا قويا ضد وكلاء الصراع والاستقواء بالخارج”، موردا أن هؤلاء “واصلوا لعبتهم المفضلة بالهروب إلى الأمام، رغم منحهم مساحة من الزمن لضميرهم عساه يستيقظ ويتدارك الخطأ”.
واستعرض عبد الله بوصوف مفهوم “الطابور الخامس” وأصوله التاريخية، ثم وضّح طبيعة “الطابور الجديد” الذي يشتغل بأجندة خارجية، قبل أن يبرز كيف واجه المغاربة هذه الظاهرة من خلال “محاكمة شعبية” كشفت نوايا الخونة وعمالتهم للخارج.
أن تعيش تحت سقف بلد تزخر جينات شخصيته الوطنية الموحدة والمتفردة والمتميزة بالأصالة والمروءة والشهامة، وإرث كبير من الأحداث العالمية أو في صناعتها.
أن تعيش تحت سقف وطن واجه أبناؤه كل الحملات الاستعمارية والصليبية والحماية بكل قوة وندية، مسلحين بالإيمان القوي ومرتبطين حد الالتزام ببيعة مقدسة وبمظلة إمارة المؤمنين منذ قرون عديدة، عُرفت بالإمبراطورية الشريفة في زمن الإمبراطوريات التاريخية.
فكل هذا وغيره كثير يرفع الدفاع عن حوزته وحدوده الحقة وعن صورته بالخارج إلى منزلة الشرف الكبير ونيشان فخري يعلق على صدر كل من يحمل بندقية أو قلما ومنزلة الواجب الوطني.
لقد عشنا حلقات قوية من أطوار المحاكمة الشعبية لكل أعداء الوطن بالخارج، إذ كان الهدف هو تعرية زيفهم وضعف حجتهم، وتقديم الدلائل على تعمدهم الإساءة إلى الوطن وإلى رموزه السيادية وإلى رجالاته الأوفياء للعرش وللوطن.
نعم، ونقولها على رؤوس الأشهاد.. لقد نجحنا في إذلالهم بكشف أجندتهم الخارجية وبعمالتهم من أجل إجهاد المغرب وفتح جبهات صراع بالوكالة تحت مسميات عديدة؛ مثل محاربة الفساد، وحرية التعبير، وغيرها من “كليشيهات إعلامية” مدفوعة الثمن.
نعم، كنا نحن، أنا، وأنت والآخرون… من داخل المغرب ومغاربة العالم متراصين ومتحدين في جبهة واحدة تحت سقف الوطن والوطنية ومعنا كل رموز السيادة الوطنية.
لقد سجلنا تفاعلا رهيبا واستهجانا قويا ضد وكلاء الصراع و”الاستقواء” بالخارج.. كنا في خندق أصحاب الحق وهم في خندق أصحاب من يدفع أكثر مقابل التهديد والتشهير والابتزاز.
كما كانت “المحاكمة الشعبية” عادلة حيث تركنا لتلك الأصوات “النشاز” مساحة، عساها تكذبنا أو ترد علينا بالحجج الدامغة والوثائق القوية… لكن لا شيء من هذا أو ذاك تحقق… واستمروا في لعبتهم المفضلة بالهروب إلى الأمام.
وتركنا لهم مساحة من الزمن لضميرهم عساه يستيقظ ويتدارك الخطأ أو يسلك مسطرة الصلح الجميل وأن الوطن غفور رحيم… لكن لا هذا ولا ذاك وقع… بل زادوا في غلهم وفي قتل ضميرهم وحرق كل سفن العودة إلى حضن الوطن.
عادة ما يطلق مصطلح “الطابور الخامس” على عملاء وخونة من الداخل… كما عرّفه قاموس كامبردج بأنه “مجموعة من الأشخاص الذين يدعمون أعداء البلد الذين يعيشون فيه ويساعدونهم سرا”… وهذا يعني أن عمل العملاء مرتبط بتوجيه أعمال التخريب والبروباغاندا والتخويف وإثارة النعرات القومية والطائفية من داخل الحدود الوطنية وقيادة المكائد والتآمر والتخوين… من أجل إضعاف الداخل.
وتعود جذور هذا المصطلح إلى ظروف الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ1939)… عندما سُئل الجنرال إيميليو مولا في مؤتمر صحافي عن أي الطوابير العسكرية الأربعة التي ستزحف نحو مدريد وتعلن انتصار جيوش الوطنيين والجنرال فرانكو ضد الجمهوريين، فأشار إلى وجود “طابور خامس” داخل العاصمة مدريد يشتغل بسرية بعيدا عن أعين الجمهوريين.
ومنذ ذلك التاريخ، شاع استخدام مصطلح “الطابور الخامس” عن عملاء الداخل أو العدو الداخلي… كما تم الاشتغال على تفكيك تعريفه ودراسته ضمن العلوم السياسية والاجتماعية وتوظيفه في التحاليل والتقارير الإعلامية وكذا في بعض الروايات البوليسية وأيضا في الأعمال السينمائية.
لذلك، فإن المحاكمة الشعبية كانت ضد عملاء وخونة من “طابور آخر”، لا يعمل من داخل المغرب؛ بل من الخارج من أجل إضعاف الداخل وإشاعة الخوف وزعزعة ثقة المواطنين في مؤسسات بلادهم، وعلى رأسها المؤسسة الملكية وإمارة المؤمنين والمؤسسات الأمنية.
“طابور جديد” بأجندة خارجية ونوايا تخريبية… تم استقطابهم خارج الوطن وبرمجتهم على حقد المغرب وتلطيخ سمعته وتشويه صورته بالخارج… لذلك فهم خارج تعريف خانة “الطابور الخامس” المرتبط أساسا بالعمل من الداخل؛ بل إن كل الخارجين عن الإجماع الوطني والخونة والوكلاء والمبتزين والمشهرين بالوطن يتخذون من الخارج خندقهم لتوجيه طعناتهم الغادرة مقابل عمولات ومنافع وأظرفة تقدم لهم بسخاء من أعداء الوحدة الوطنية والترابية.
لقد أقام المغاربة الأحرار والشرفاء محاكمة شعبية عارمة ضد الخونة وكل المنتمين إلى هذه الدائرة القذرة، وكشفوا نواياهم وعمالتهم للخارج.. خاضوا ضدهم جولات وسجالات فكرية وقانونية وإيديولوجية… لم يقوَ معها أصحاب “الطابور السادس” وأصحاب نعمتهم على مجاراتهم… لقد صح فيهم قول الفرنسي فولتير: “عندما يتعلق الأمر بالمال، فإن الجميع يصبح على دين واحد”… فخونة الخارج هم عبدة الأدسنس والعملات الصعبة.. إنها دينهم الجديد.
أما المغاربة، فباقون ها هنا في الميدان يحاربون ويواجهون ويفككون ويترافعون ويستشعرون ويؤطرون بكل فخر وبتكليف وطني وديني ودستوري؛ لأن الوطن أغلى وأبقى.