رصدت دراسة بحثية حديثة عدة “معيقات” تواجه التزام الإدارات بتنفيذ الأحكام القضائية المتصلة بالتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة؛ ضمنها الأخطاء الواردة في أسماء المنزوعة ملكيتهم التي تكون عقبة أمام وصول هذا التعويض إليهم، و”عدم وصول التبليغ” إلا بعد تنفيذ الحيازة، وكذا إشكالية تنصيص قانون المسطرة المدنية على تسليم نسخة تنفيذية واحدة، خصوصا “عند تعدد منزوعي الملكية؛ ما يتسبب أساسا في بقاء التعويض معلقا في بعض حالات الورثة”.
وأفادت الدراسة الصادرة بعدد مارس من المجلة الدولية للاجتهاد القضائي، التي تنشر من قبل المركز الديمقراطي العربي، تحت عنوان “التعويض عن نزع الملكية بين ثغرات القانون المغربي والواقع العملي”، بأن مسطرة تنفيذ هذا التعويض تعترضها “صعوبات وإكراهات عملية تحتم الانتقال من مسطرة الدفع المباشر للمنزوعة ملكيتهم إلى إيداع التعويض بصندوق الإيداع والتدبير”.
واستدركت الدراسة المعدة من قبل الباحثة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس حرية والي عالمي بأن “الإدارة قد تتلكأ في رفع اليد عن هذا التعويض دون موجب قانوني، خاصة بالنسبة للعقارات غير المحفظة، رغم توفر جميع الإجراءات المذكورة في الفصل 26 من قانون نزع الملكية والتوفر على الوثائق المثبتة”.
وفي هذا الإطار أوضح المصدر نفسه أنه ضمن الإشكاليات التي تعترض تنفيذ التعويض في أوامر وأحكام نزع الملكية “مسألة التبليغ التلقائي من طرف كتابة الضبط لأوامر الإذن بالحيازة، طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 26 من قانون رقم 17 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”.
وبينت الوثيقة في هذا الصدد أن “الأمر القاضي بالإذن بالحيازة لا يقبل الاستئناف، وذلك بصريح الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون 81.07 التي تنص على أنه: ‘لا يمكن استئناف الأمر الصادر بالإذن بالحيازة'”، لافتة كذلك إلى “عدم قبوله التعرض طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه لا يطعن في هذه الأوامر بالتعرض”.
بالنظر إلى “شساعة دائرة المحاكم الإدارية وكثرة عدد الملفات الصادرة في الموضوع” فإن عملية التبليغ، تضيف الباحثة، “لا تصل الى المعني بالأمر إلا بعد تنفيذ الحيازة”.
كما تطرقت الدراسة نفسها إلى إشكالية “الأخطاء الواردة في الأسماء العائلية والشخصية للمنزوعة ملكيتهم”، موردة أنها “من أكبر الإشكاليات العملية التي تعيق التنفيذ، وتكون عقبة في إيصال التعويض للمنزوعة ملكيته”.
واستحضر المصدر نفسه مطالبة كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية المغني بالإدلاء بشهادة مطابقة الاسم من قائدة قيادة المنطقة حيث يقطن، مستدركا بأنه “مع حذف هذه الشهادة بمقتضى قانون تبسيط المساطر (..) أصبحت كتابة الضبط تطالب المعني بالأمر بإحضار لفيف عدلي يثبت اسمه الصحيح”.
ورصدت الدراسة على صعيد متصل أن “مسألة عدم ضبط العناوين تعتبر من بين المشاكل التي تعيق عملية التنفيذ؛ فبعد كل الجهد البدني و’الورقي’ والوقت الذي تستغرقه عملية التبليغ فإنها لا تتم بالشكل المطلوب”، مبرزة أنه “غالبا ما ترجع بملاحظة أن المعني بالأمر لا يسكن بهذا العنوان”.
منتقلا إلى عرض التحديات المتعلقة بحيازة النسخة التنفيذية أورد المصدر ذاته أن هذا الإشكال يثار “في حالة تعدد المنزوعة ملكيتهم”، متسائلا: “فمن يحوز النسخة التنفيذية؟ هل تسلم لكل واحد منهم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية أم تسلم نسخة واحدة لجميع الأطراف؟”.
في هذا الجانب استحضرت الباحثة حالة المحكمة الإدارية بفاس، التي “دأبت على تسليم نسخة تنفيذية واحدة فقط لجميع الأطراف”، مستنتجة أنه “بالتالي يفتح ملف تنفيذ واحد لتفادي فتح العديد من ملفات التنفيذ للحكم واحد”.
أما بالنسبة للورثة، وفق المصدر نفسه، “فإن كتابة الضبط تطالبهم بالإدلاء بالإراثة قصد التحقق من صفتهم، ثم تمنح وكالة لأحدهم نيابة عن الباقي”، منبها إلى أنه “هنا أيضا يثار مشكل يتعلق بصعوبة الحصول على هذه الوكالة، نظرا لتعدد الورثة؛ وقد يكون أحدهم خارج الوطن أو ميسور الحال فلا يسارع الى التنفيذ، ما يبقى معه تنفيذ التعويض معلقا”.
اعتبارا لذلك طرحت الدراسة جملة من التوصيات، على رأسها “إعادة صياغة نصوص قانون نزع الملكية التي تحتوي على نصوص طويلة جدا وغامضة، ومحاولة تقسيمها لأكثر من نص واحد ليسهل فهمها واستيعابها من طرف الباحث والممارس”.
كما دعا المصدر ذاتها إلى “إعادة النظر أيضا في مضامين قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ومراجعة جميع الآجال الواردة بهذا القانون”، وذلك “بدءا بخفض أجل رفع الدعوى وجعله سنة واحدة بدل سنتين، التي تعتبر سببا في لجوء الإدارة الى الاعتداء المادي عوض اتباع مسطرة نزع الملكية المنصوص عليها في هذا القانون”.