يُلاحَظ خلال شهر رمضان ارتفاعٌ واضح في معدلات هدر الطعام، حيث تنتهي كميات مهمة من محتويات الموائد الرمضانية في سلات النفايات، سواء بسبب تحضير وجبات غذائية تفوق الحاجة الفعلية أو بسبب عدم حفظ الفائض منها بالشكل الذي يسمح باستهلاكها في الوجبة الغذائية الموالية.
ومن هنا، يُثار نقاش حول هدر الطعام في رمضان من منظور صحي وديني، خاصة ما يتعلق بمدى تأثير هذه الظاهرة على الصحة والعادات الغذائية، إضافة إلى مناقشتها من جانب التعاليم الدينية الداعية إلى الاعتدال وعدم التبذير. كما يصبح من الضروري تسليط الضوء على آثار هذه الظاهرة وسبل الحد منها، لتعزيز وعي أكثر مسؤولية في المجتمع.
أسماء زريول، أخصائية في التغذية، قالت إن “شهر رمضان يشهد ظاهرة هدر الطعام بشكل متزايد، حيث تزداد كميات الطعام على الموائد بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وحب الظهور”، لافتة إلى أن “هذه الضغوطات الاجتماعية تجعل الناس يشعرون بضرورة تقديم موائد ضخمة مليئة بالأطعمة المختلفة؛ ما يساهم في زيادة الهدر”.
وأضافت زريول، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “القنوات المتخصصة في الطهي تلعب دورا كبيرا في تعزيز هذه الظاهرة، حيث تقدم وصفات غير صحية تتميز بتكاليف منخفضة؛ مما يجعلها في متناول الجميع”، مبرزة أن “أغلب هذه الوصفات تعتمد على مكونات رخيصة مما يؤدي إلى انخفاض جودة الأطعمة المقدمة على الموائد الرمضانية”.
وأوضحت المتحدثة أن “الإقبال على هذه الأنواع من الأطعمة غير الصحية يزداد في رمضان؛ ما يؤدي إلى تزايد استهلاك الأطعمة السريعة والتحضير غير المدروس، مما ينعكس سلبا على الصحة العامة للأفراد، حيث يتناولون أطعمة غير متوازنة ولا تناسب متطلبات الشهر الفضيل”.
وبعدما أكدت الأخصائية في التغذية على ضرورة “العودة إلى المائدة الرمضانية التقليدية التي تحتوي على أطعمة صحية ومغذية”، أوصت بضرورة “تناول أطباق بسيطة مثل الحريرة والتمر، وبعض الخضار والخبز، حيث إنها تكفي لتلبية احتياجات الجسم دون المبالغة في الكميات”.
محمد لبيتي، خطيب جمعة وباحث في الفكر الإسلامي، قال إن “رمضان ما يكاد يحل إلا وتشتد حمى الاستعدادات المادية لما لذ وطاب من الأغذية، وخلال كل يوم تتزاحم على الموائد أصناف من الطعام المتنوعة نوعا والكثيرة كمّا، والتي قد لا تسع البطون منها بقدر ما تسعه القمامات، مما يدفع إلى التساؤل المشروع: ألهذا جعل رمضان؟ وهل تكون هذه الشعيرة العظيمة ذريعة لهذا الهدر الهائل لنعم الله؟”.
وأوضح لبيتي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن”رمضان محطة لتحقيق التقوى ولإحداث انقلاب على العادة التي لا تكون جيدة على الدوام، لكن بعض الناس ينقلون رمضان من العبادة إلى العادة، فيصطنعون عادات جديدة تكون مخالفة لمقاصد الصوم، بل قد تكون متعارضة معه”.
وأشار المتحدث، في هذا السياق، إلى “ارتفاع مستوى الإسراف والتبذير خلال الشهر الذي من مقاصده الاقتصاد والإحساس بأصحاب الحاجة والفاقة، من خلال الشعور بالجوع الذي يذكرهم بمن لا يجدون ما يسد الرمق، فيكونون أكثر جودا وإحسانا راجين ثواب الله مطبقين قول الرسول الكريم: مَنْ فَطَّرَ صَائِما كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئا”.
وأفاد الباحث في الفكر الإسلامي بأنه “من خلال الإحساس بالحرمان من النعم، يعرف الصائمون أهميتها فيشكرونها حق الشكر بالتوسط والاعتدال في اقتنائها واستهلاكها، متمثلين قول الله تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ””.
وذكر محمد لبيتي أنه “من مقاصد رمضان التدرب على الصبر والقناعة والاقتصاد بمحاربة الإسراف والتبذير، وما حققَ هذا المقصدَ مَن بالغَ في اقتناء كميات من طعامٍ لا يُستهلك، أو بالغ في استهلاك ما يهلكه ويؤذيه، مع ما تسببه التخمة من كسل وخمول يتعارض مع العزيمة والفعالية التي تسعى مدرسة رمضان إلى ترسيخها في النفوس، وما حقّقَ مقاصدَ الصوم مَن أهدر نعم الله”.